تحقيقات وتقارير

تتساءلون متى تنساب مظالم الناس إلى مساراتها القضائية دون أن تتعطل إجرات البت فيها؟! + صورة


لم يستفض القانونيون في الحديث عن قضية كما أسهبوا في الحديث عن الحصانات بمستوياتها المختلفة، وكذلك قوانين الحصانات نفسها. وتقف الحصانة حجر عثرة أمام مظالم كثيرة وتعطل إجرات البت فيها قضائياً. ويختلف الناس حول هذا التعطيل ولكنهم يتفقون حول أن الحصانة لا تحمى حاملها في حالة ارتكابه لقضية جنائية طرفها الثاني مواطن، لكن في القضية التي نعرضها هنا نجد أن الحصانة ربما وقفت سنداً منيعاً يحول دون اقتياد المتهم للوقوف أمام منصة القضاء، رغم ارتكابه لجريمة تحت طائلة المادة (144/160) من القانون الجنائي، بحسب خطاب صادر من محكمة المدينة بأم درمان بتاريخ 21 يناير الجاري، وهو الخطاب الثاني الذي أصدرته المحكمة بخصوص حصانة المتهم.

وبالعودة للحصانات في مُجملها نجد أن القانون حدد لها سقفا حين يتجاوزه حاملها لا تحميه من المساءلة القانونية أيا كان منصبه، ويجب أن تُرفع عنه حالاً ليقدم للمحكمة كى لا تصير سيفاً شخصياً، يدافع به حامله عن مصالحه الشخصية وأغراضه الخاصة، ويتحدى به القانون والدستور.
والقضية المشار لها هنا هي قضية جنائية صنفتها المحكمة تحت طائلة مواد (الإرهاب والإساءة) وطالبت الجهة المنضوي تحتها المتهم، كما سمته أيضاً المحكمة، وهى محلية أم درمان، برفع الحصانة عنه لمحاكمته.

وتفاصيل القضية التي طالبت المحكمة في أكثر من خطاب برفع الحصانة عن المتهم فيها قائمة بين (ش.م.ع) شاكي، و(أ. ك)، متهم، وبما أن المتهم هو رئيس لجنة شعبية، فإنه يتمتع بحصانة وفقا لقانون الحكم المحلي لولاية الخرطوم، يُبينها الفصل الثامن المادة (71)، تمنح حصانة لعضو اللجنة الشعبية، ونصها (لا يجوز في غير حالة التلبس اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد عضو اللجنة الشعبية أو اتخاذ أي من تدابير الضبط على شخصه أو مسكنه أو ممتلكاته في أي شأن يتعلق يتعلق بأداء مهامه الرسمية إلا بعد موافقة المعتمد). حسناً، اكتملت إجراءات البلاغ تحت المادة (144/160) المدون ضد رئيس اللجنة الشعبية المشار إليه، وحين قُدم للمحكمة أعلن أنه يتمتع بحصانة، فخاطبت المحكمة منسق اللجان الشعبية بمحلية أم درمان بتاريخ (21 ديسمبر 2015م) بخطاب حمل ترويسة محكمة جنايات أم درمان جنوب المدنية، وفيه تمت مخاطبة منسق اللجان الشعبية لمحلية أم درمان، حول حصانة المتهم، ويتساءل الخطاب بما نصه؛ (هل لرئيس اللجنة الشعبية حصانة ولا يحاكم أمام المحاكم إلا برفعها أم ليس لديه حصانة؟) ثم يسترسل في فقرة أخرى: (إن كانت الإجابة بأن لديه حصانة أرجو إعطاء الإذن برفع الحصانة ومحاكمته أمام محكمة جنايات أم درمان المدنية).

لاحقاً أحال منسق اللجان الشعبية الخطاب لمجدي عبد العزيز، معتمد محلية أم درمان، فوافق على رفع حصانة المتهم، ليحاكم، وأحال الأوراق للمستشار القانوني للمحلية ليكمل الإجراءات ليرفعها للمحكمة، على حد تأكيد مجدي عبد العزيز لـ(اليوم التالي). وأبان المعتمد أنه يمتثل للقانون ولا يعارض المحكمة في شيء وأن المتهم يجب أن يذهب للقضاء ليبرئ ساحته أو ليحاكم بجرمه.

لكن المثير هنا أن موافقة المعتمد لم تصل بعد مضي أكثر من عشرة أيام، وبعدها استدعت الشاكي وأخذ أقواله على اليمين في مكتبه بالمحلية بحضور محامي الشاكي، وشاهد، ولكنه لم يسلم قرار الرد على رفع الحصانة حتى حين الجلسة الثانية.
ثم قامت المحكمة مجدداً بإرسال خطاب ثان للمحلية، معنون لمنسق اللجان الشعبية لمحلية أم درمان، بتاريخ (21 يناير 2016م)، أي بعد مرور شهر على الخطاب الأول، ترجوها فيه رفع الحصانة، وقد تسلم منسق اللجان الشعبية الخطاب وسلمه للمستشار القانوني كما يتضح من التوقيع أسفله ولكنه رفض أيضاً تسليم رد عليه.

بقي القول إن القضية هي ليس الإجراءات الجنائية ضد المتهم فحسب، بل هي الشماعة المسماة بالحصانة التي صارت تعلق عليها مظالم الناس لأيام أو لأشهر، بل لسنوات ربما، دون البت فيها في الوقت الذي لازال المواطن شديد الثقة بالقضاء وأحكامه بصورة عامة.
ورداً عن سؤال: متى تخرج مظالم الناس من عنق زجاجة الحصانات؟ يجيب الأستاذ معاوية خضر المحامي بقوله: “عندما تنتهي محسوبية الوظيفة العامة وتنفذ النافذين وينحسر أو يقل أو ينعدم استغلال النفوذ أو سوء استخدام السلطة” ويضيف معاوية: “عموماً عندما تقوم الجهة المسؤولة في وزارة العدل بتبسيط وتسهيل إجراءات رفع الحصانة والسماح بمساءلة المسؤولين وأصحاب الحصانات إذا قامت في وجههم بينة معقولة بارتكاب مخالفة أو جريمة”.
thumbnail.php?file=hasana sha3bia 124498165

محمد عبد الباقي
صحيفة اليوم التالي