منى ابوزيد

باختصار كُلُّنا مُسلِمُون ..!


«عظمة النفس الإنسانية في قدرتها على الاعتدال لا التجاوز» .. بليز باسكال ..!
علق بعض القراء الكرام على ما أكتبه بتواتر عن مثالب ومجالب بعض دعاوى التعريب والأسلمة والتطرف والأدلجة وغيرها من مظاهر «التفكير في زمن التكفير»، واستنكر بعضهم ما اقترحته – غير مرة – بشأن «الكيان الفقهي» الجامع المحايد الذي يملك وحده – وبموجب نص قانوني صريح – الحق في الجهر بنص أي فتوى تقضي بتكفير – أو حتى الحكم بتجهيل – أي مسلم، بعد صدور حكم قضائي، مكتمل المراحل ..!
هي – على كل حال – إحدى صور الاختلاف الذي يصب في نهر السِّعة، وبدوري أشكرهم جزيلاً، مع التأكيد على وجوب الدفاع عن حرمة اصنيف المسلم كوجوب الدفاع عن حرمة دمه تماماً «باعتبار أن التصنيف المتحامل لبعض طرائق التفكيرهو أول مراحل التكفير» وعلى أن الحدود نفسها تدرأ بالشبهات، فكيف بحروب الفتاوى، ومعارك المفاهيم ..؟!
لا بد من رفع شعار الاحتكام إلى السعة في وجه الكثير من المسلّمات الخاطئة التي تحتاج إلى ثورة فقهية لتحرير الخطاب الديني في بلادنا من سطوة الاستعلاء والتبرير والمكابرة بالحذف والإضافة والتغيير في مواضع التخصيص والتعميم .. فالنجاح في تغيير نظرة الآخر إلينا يبدأ بتغيير نظرتنا إلى أنفسنا..!
نظرة خاطفة إلى بعض الأحاديث والتصريحات – غير المسؤولة لبعض السادة المسؤولين – تؤكد أن الخطاب الديني والسياسي في السودان ما يزال يتأرجح بين تيار المحافظين «الذين لا ولم تزحزحهم التحولات والمآلات حرفاً واحداً عن قناعاتهم ، ولا يأبهون بتجديد خطابهم، فوسيلة إقناعهم عدة أيدولوجية قديمة لا تريد سلاما مستداماً بقدر ما تنشط في إنتاج الأزمات وتصديرها إلى الشارع العام، مُغلَّفة بمحاذير دينية ومزاعم سياسية لا تشبه منهج عامة المسلمين»! ..!
وتيار المُجدِّدين «الذيين يقفون موقفاً نقدياً مع متغيرات الأوضاع السياسية والإقليمية ويعالجون مواقف دعاة الأدلجة في الدين والسياسة بمبضع التحليل والتفكيك ومن ثم الدحض والتعرية ــ ليس حباً في المشاجرات المنبرية، بل من أجل إعادة البناء والتركيب ــ وهؤلاء أنفسهم ليسوا على قلب رجل واحد، ففيهم من ينتقد حروب الرجعيين، وفيهم من يرفض طبيعة السلاح، وفيهم من ينادي بتقوية الدروع» ..!
التاريخ المعاصر ملئ بالكوارث السياسية التي صودرت فيها الحريات وانتهكت العدالة باسم الدين، وضجيج الأدلجة في خطابنا السياسي مازال يعلو ويعلو، حتى يجد المرء نفسه محشوراً في خانة الإنشاء الأدبي، والكلام الكبار، لتوصيف الكوارث وتشخيص الأدواء، من «هواجس الهوية» .. إلى «منطق الصدام» .. ومن «عقيدة الاصطفاء» .. إلى «تهويمات النخبوية العربية والسيادة الإسلاموية» ..!
الشخصيات التي تمزج بين القيادة السياسية والزعامة الدينية، والتي تعيش وفقاً لقناعات وأفكار تحجب عنها رؤية المنطق والحجة في خطاب الآخرين هي أخطر مهددات الأمن والسلام في أي مجتمع، حيث يدلل غياب الخط العقلاني – وشيوع الوعيد في أطروحاتها – على الخراب العاجل الذي تدعو إليه ..!
«ببساطة» واختصار: كلنا مسلمون، وأهل الاعتدال في إسلامنا لهم عبارة مؤثرة تقول «لا يؤمن بربوبية القوة إلا شبح الضعف».. والعلمانية الحقة – بمعناها الحديث الصحيح – أبسط بكثير مما يثار حولها من ضجيج .. هي ليست معادلة رياضية بل مفهوم اجتماعي يعول في نهوضه على خصوصية كل شعب، ويحافظ على مسافة مقدرة متساوية مع جميع الأديان، حيث يتم فصل سياسة الدولة عن معتقدات الحكام، وليس فصل الدين عن الحياة ..!