تحقيقات وتقارير

كشف المستور.. إن سألتم .. هو أن وزير العدل بات عالما بما يجري في محلية الخرطوم وتعهد بمتابعة الأمر حتى النهاية.. الجديد أيضاً بعد فحص المستندات + صورة


المصدر كان شديد الحذر، أكثر من مرة يشير إلى أنه سيصبح (ضحية) حال تسربت عن هويته معلومات، من جانبنا أغلظنا في التطمينات، ومع كل كلمة تحذير يؤكد أن الأجواء في المحلية صعبة، والمصالح كبيرة، وأصحابها لا يتورعون، أخيرا وضع بين أيدينا مستندات، وللأمانة كانت المستندات تنطق بكل شيء، وتكشف كيف تدار الأمور وبالذات المتعلقة بالعطاءات والمناقصات والأموال، وتكشف أيضا مدى حرص المحلية على أموال الدولة، وتطبيقها لمبدأ الشفافية والحفاظ على المال العام، والأهم في ما تكشفه المستندات أن العقد الذي تربو قيمته على (21) مليون جنيه، عينة ونموذج لتعاقدات تكون الدولة طرفا فيها، أو طرفها الأول، وطرفها الثاني يتمتع بحالة التسيب والاستسهال التي تضرب الخدمة المدنية، فيحقق الأرباح وهو مرتاح حتى ولو لم يلتزم ببنود العقد إن كانت الدولة طرفه الأول.

في المستندات وإفادات المصادر الموثوقة الحذرة أن عقدا أبرم في عام 2014، أي في عهد معتمد محلية الخرطوم عمر نمر، ثم جدد العقد مرة أخرى في 2015، ثم استمر عاما كاملا، ومنذ 2014 وحتى نهاية 2015، المستندات تؤكد ما أشرنا إليه آنفا، وتحديدا ظاهرة الطرف المستفيد من تعاقده مع الحكومة، والمخالفات والتجاهل كانت سمة تنفيذ العقد، والمحلية لا حول لها، بل قدمت تسهيلات كبيرة للطرف الثاني، والذي هو شركة (الفجر) بأن خفضت لها قيمة العقد والذي كان يستوجب زيادة.. سنحيلكم للمستندات وإفادات المصادر الموثوقة الحذرة.

اللجنة “توصي ثم توصي”
المستند الأول الذي سنستعرضه هنا بطبيعة الحال، هو مستند فرز العطاء، والذي جرت وقائعه في يناير من عام 2014، وبعد أن تم تكوين لجنة لفرز العطاء وتقرر أن يكون رئيسها المدير المالي بمحلية الخرطوم، وتضم عضويتها آخرين لهم صلة بأمر الإعلان، إلا أن المستند يشير إلى أن من ترأسها فعليا وإن بالتكليف، هي سامية محمد عثمان، ورفعت اللجنة تقريرها للواء عمر نمر معتمد المحلية، وقالت في التقرير إنها عندما فتحت صندوق العطاء وجدت مظروفين فقط لا غير، الأول كان لشركة اسمها (نازو للإعلان والدعاية المحدودة)، وأخرى أسمها شركة (الفجر للتنمية العامة والخدمات المحدودة). مؤكد أن شركة الفجر هي التي وقع عليها العطاء.. ولكن مهلاً؛ سنورد قرار اللجنة والإجراءات التي أرادت لها أن تكون شفافة وقالت: وكالة نازو للإعلان والدعاية (20,150,000) + 12,137,700 بنية تحتية 3000,000 مليون جنيه تأمين بنسبة 15% سنويا، السداد خلال 6 أشهر فترة التعاقد 5 سنوات، الالتزام بالتعهدات السابقة شريطة كتابة التعهدات، لا توجد شهادة خلو طرف من الضرائب – الزكاة والدمغة القانونية فقط تعهد بإحضارها، سوف ينشئ بنية تحتية في حدود مبلغ 12,370,000 جنيه على أن تؤول للمحلية بعد انتهاء العقد ولديه رؤية لتطوير الإعلان، هذا ما جاء في مظروف وكالة نازو وتعليقات اللجنة عليه، سننتقل إلى المظروف الثاني، مظروف شركة الفجر للتنمية العامة المبلغ (20,000,000) جنيه، فقط عشرون مليون جنيه لا غير، – أي أقل من العرض المالي لنازو- رؤيته الفنية لتطوير الإعلان غير واضحة كما لم يتحدث عن البنى التحتية للإعلان – أذكر: هذا تعليق لجنة فرز العطاء- السداد 50% عند توقيع العقد والمتبقي يقسط لمدة عام نسبة الزيادة 10%، – نازو قالت ستدفع خلال 6 أشهر والزيادة 15% – التأمين الذي قدمته شركة الفجر (2) مليون جنيه واحد مليون كان بشيك معتمد والمليون الآخر كان بشيك غير معتمد، يلتزم بالعقودات السابقة، توجد شهادات خلو طرف من الضرائب والزكاة (صور فقط)، لا توجد دمغة قانونية، انتهى مظروف شركة الفجر وتعليقات اللجنة عليه، وسننتقل إلى قرارها الأخير، وللدقة هما قراران بالرقمين (1،2). القرار (1) ترى اللجنة أن الشركتين لم تستوفيا شروط التقديم القانونية حسب التوضيح أعلاه، القرار (2) ترى اللجنة أن شركة نازو قدمت عرضا فنيا وماليا أفضل، انتهى قرار للجنة، وقطعا علمتم أن اللجنة قطعت بأن نازو قدمت عرضا فنيا وماليا أفضل، رغم أن استحقاقها أيضا على مضض، لجهة أنها لم تستوف الشروط القانونية، ومؤكد تعلمون أن شركة الفجر هي التي حصلت على العطاء رغم أنف توصية اللجنة، ولكن كيف حدث هذا؟ الإجابة سنجدها في مستند آخر وإن كان يحمل ذات أسماء اللجنة وبرئاسة السيدة سامية محمد عثمان.

التوصية الثانية
هذا المستند أشار إلى أن المعتمد لم يلتزم بتوصية اللجنة التي مفادها أن شركة نازو قدمت عرضا فنيا وماليا أفضل، وأوصى لجنة فرز العطاء بالجلوس إلى الشركتين كل على حدة، وفعلت اللجنة وقدمت تقريرها مرة أخرى مشفوعا بالتوصيات وقالت إن شركة نازو رفضت زيادة قيمة العطاء ولكنها قبلت بسداد 30% من قيمة العطاء عند التوقيع، والمتبقي تسدده على أقساط في خمسة أشهر أو من أبريل حتى سبتمبر، ولكن ماذا عن شركة الفجر؟ شركة الفجر وافقت على زيادة عرضها مليونا واحدا ليصبح (21) مليونا، أي بزيادة طفيفة عن وكالة نازو ووافقت فورا على دفع 50% من قيمة العقد وعلى أن تدفع المتبقي خلال خمسة أشهر من مايو حتى أكتوبر، ثم أوصت لجنة فرز العطاء مرة أخرى، ولكن وصيتها مغايرة لما كانت عليه أول مرة، وقالت إنها بعد دراسة العرضين وجلسات الحوار والنقاش مع الشركتين، توصي بقبول العرض المقدم من شركة الفجر والخدمات المحدودة، وقدمت دفوعات تؤكد بها رجاحة توصيتها وقالت أولا: التزام شركة الفجر بسداد مبلغ 50% عند التوقيع هذا مؤشر لمدى جديتها ويعد ضمانة لمقدرتها المالية والتزامها، وثانيا وثالثا جاءا في ذات الاتجاه، وفي رابعا أكدت اللجنة أن الشركة التزمت بخريطة رقمية تؤول في نهاية العقد للمحلية، أي أن العطاء بات من نصيب الفجر عبر جلسات الحوار والنقاش ولكن ماذا حدث؟ ما حدث كثير وسنرويه بالمستندات.

الفجر وتنفيذ العقد
قطعا كل من زار محلية الخرطوم في السنتين الأخيرتين، لاحظ زيادة عدد اللافتات وأحجامها في شوارع الخرطوم، في التقاطعات والمواقع المميزة، وفي الشوارع الحيوية، وحتى الأحياء الطرفية لم تسلم من هجمة الإعلان تلك، إعلانات على جنبات الطرق وأخرى ضخمة تتوسطها أو تعبرها من اليمين إلى الشمال، بمعنى أن شركة الفجر التي وقع عليها العطاء شرعت في تنفيذه وجني ثماره، وهذا يعني أيضا أن المحلية قامت بما عليها في العقد المبرم ومكنت الشركة من مناطق الإعلان في المحلية وشوارعها، وتبقى إذن ما على الشركة وواجباتها تجاه المحلية، وقبل أن نقول ماذا فعلت سنرى ما هي:
أولا على (الطرف الثاني) أي الشركة أن تلتزم بضوابط الإعلان التجاري بالمحلية المرفقة والتي تصدر لاحقا، أما الالتزام الثاني أن تنجز الشركة خريطة هيكلية رقمية لتطوير الإعلانات بمحلية الخرطوم – إضافة إلى التزامات إنشائية فضفاضة من قبيل التزام الشركة بتطوير سوق الإعلان التجاري بمواصفات عالمية، ثم الالتزام الثالث المتعلق بسداد مبلغ (21) مليونا 50% فورا وبقية المبلغ على 6 أقساط، تسلم الشركة شيكاتها، وتضمن العقد نسبة الزيادة الـ(10%) في السنوات الخمس، والتي ستبلغ قيمة العقد معها في السنة الخامسة (30,746,200) جنيه، ولكن المفارقة تتمثل في البند السادس من بنود العقد وهو أن تلتزم الشركة بتنفيذ ما جاء في خطتها الفنية الخاصة بتطوير الإعلان، واعتمادها كجزء لا يتجزء من العقد، على الرغم من أن التوصية الأولى أكدت أن الشركة لا تملك رؤية واضحة لتطوير الإعلان

التنفيذ لا هذا ولا ذاك..
رغم سعينا لتجنب التكرار إلا أنه من المهم أن نشير إلى أن البند الأول في التزامات الطرف الثاني أي الشركة، أن تلتزم بضوابط الإعلان التجاري بالمحلية، وعلى الرغم من أن الالتزام يبدو بسيطا إلا أن الشركة فشلت في الالتزام به، وهذا ما تقوله المستندات.
وفي مستند بتوقيع عماد الدين خضر المدير التنفيذي أشار بوضوح إلى أن الشركة لم تلتزم بضوابط وقوانين عمل الإعلان التجاري بالمحلية، خلال عام 2014، ووجه كلاما محددا وبلغة حادة وقال في خطابه للشركة في يوم 14 يناير 2015: (الالتزام بالقوانين والضوابط لعمل الإعلان التجاري.. هذه النقطة جوهرية تماما ولا يمكن تجاوزها حيث أن تجاوزها يمثل إخلالا جوهريا بالعقد)، لم يكن المدير التنفيذي وحده من وجه، ولكن مدير الإعلان أكد أن هنالك (6) لوحات تم تركيبها من قبل الشركة دون الحصول على تصديق، وناشدهم أكثر من مرة إزالتها، إلا أن الشركة ظلت سادرة في تجاهلها، ليرسل إليها مدير الإعلان التجاري مرة أخرى، ويطلب منهم إزالة الأقواس بحسب توجيه وزير البنية التحتية، وصدر هذا الخطاب في مارس من عام 2015، وقال لهم بالنص: (أكرر ما ورد في خطاباتي السابقة المتكررة بأن لا تقوم شركة الفجر بالتصديق لأي مادة إعلانية إلا بناء على اعتماد اللجنة المشتركة تفاديا للمشاكل العديدة التي جاءت نتيجة لتجاهل هذه اللجنة) في ذات خطاب عماد السابق أشار إلى أن الشركة لم تف بالتزامها الثاني المتعلق بالخريطة الهيكلية ومن ثمة خطة الإعلان المرفقة مع العقد، وعدها مطلوبات مرحلة إلى العام الجديد 2015، وترجى الشركة أن توفي، وترجي المدير التنفيذي تمثل في الخطابات المتكررة التي ظل يرسلها المدير التنفيذي للشركة ويبدو أنها محصنة من كل رجاءات وتهديدات المدير الإداري بحصن لا تعلمه إلا هي ورب العالمين.

المال.. حقيقة الحقيقة
لا ينتطح عنزان، في أن عدم الإيفاء بالالتزامات المالية هو كارثة الكوارث، وأن أمره واضح للعيان لا يمكن التحايل فيه، أوفيت أو لم توف، بعيدا عن الأعذار والترجيات، خاصة وأن غرض المحلية من حصرية الإعلان هو الحصول على المال، وأن تتأكد من أن مواردها وحقوقها في يد أمينة، والكارثة وقعت فعلا، إذ أن الشركة عجزت عن السداد، وخاصة الأقساط، ويكفي أن المدير التنفيذي، ترجاهم أكثر من مرة لسداد ما عليهم من متأخرات، وفي نهاية العام الأول كانت المتأخرت قد بلغت (1,700.000) جنيه، (مليون وسبعمائة ألف جنيه)، هي عبارة عن شيكات لم تتم تغطيتها، والمفارقة أن الشركة ودون أن تلتفت لالتزاماتها طلبت أن تستلم التفويض لعام 2015، إلا أن المدير التنفيذي عماد شق عليه أن يجدد العقد ويفوض الشركة دون أن تلتزم بالعقد، على الأقل الالتزامات المالية، وظل يرسل الخطاب تلو الآخر، ويشير (عطفا على خطابنا السابق) و(نرسل صورة طبق الأصل)، وأخيرا تشجع عماد بعد أن أقنع الإدارة القانونية بعدم جدية الشركة وأصدر قرارا بإنهاء العقد، وخاطب المدير القانوني بإنهائه وسبب ذلك بثلاثة أسباب، أو مخالفات وهي عدم التزامها بجدول الدفعيات وتسليم الشيكات (50%) مقدم زائدا سبعة شيكات، وعدم إنجاز الخريطة الهيكلية وتطوير سوق الإعلان، عدم التزام الشركة بالخطة الفنية الخاصة بالإعلان، وكان هذا الخطاب في نهاية شهر يناير من عام 2015، وقطعا لم يتم تنفيذ توجيه المدير التنفيذ للإدارة القانونية بدليل أن الشركة لا تزال تتمتع بحصرية الإعلان، ولكن في خضم هذه اللجلجة، حدث أمر مفاجئ وغير مسبوق سنعرضه في الفقرة التالية.

تخفيض واحتجاج
لما تعثرت الشركة، وعجزت عن الإيفاء بالتزاماتها، توقع الجميع أن المعتمد سيتعامل معها بصرامة وينهي التعاقد معها، أو على الأقل سيطبق بنود العقد وشروطه بحرفية ونصية، للحفاظ على حقوق المحلية وصيانة المال العام، إلا أن المعتمد عمر نمر كانت له تقديرات مختلفة، ورأى أن يخفف عليها المطالبات لعلها تفلح في تنفيذ العقد، ووجه بإعفائها من الزيادة السنوية الـ(10%)، غير أن قيادات في المحلية اعترضت على التخفيض أو إلغاء الزيادة السنوية، وأشاروا إلى ذلك كتابة، وأشار عدد منهم إلى أن ما يقارب الـ(7) ملايين جنيه ستفقدها خزانة المحلية جراء توجيه نمر.

وزير العدل: أرجعوا للمراجع
كل ما جرى في عام 2014، وما وقع في عام 2015، وطريقة منح العطاء لشركة الفجر، كل ذلك بلغ وزير العدل د. عوض الحسن النور، وبعد أن فحص المستندات وما اعتور التنفيذ وجه بأن يسلم الملف للمراجع العام في ولاية الخرطوم، وكان توجيه وزير العدل للمعتمد الحالي أحمد علي أبو شنب شخصيا، وتوجيهات وزير العدل كانت في19 يناير الماضي، ولكن لا يعلم أحد ماذا فعل المعتمد أبو شنب بخصوصها، وماذا قرر المراجع العام بالولاية حيالها.

تصديق جديد وحكاية قديمة
في بداية العام الحالي (2016)، تكرر ما يحدث في الأعوام السابقة، الشركة تستخدم خبرتها في تجديد العقد وتضعه أمام اللجنة الفنية في المحلية، المحلية تضع أمام الشركة مخالفاتها وعدم والتزامها، خاصة وأن جدولة الشيكات والالتزام بها في 2015 لم يكن أحسن حالا من 2014، والخريطة الهيكلية محلك سر، واللافتات غير المصدقة لم يتخذ حيالها إجراء من قبل المحلية، وإن سألت عن الجديد فهو أن وزير العدل بات عالما بما يجري في ولاية الخرطوم وتحديدا في محلية الخرطوم، وتعهد بمتابعة الأمر حتى النهاية، والجديد أيضا أن ما جرى في محلية الخرطوم من المتوقع أن يحدث في محليات الولاية الأخرى على ضوء إعلانات منتشرة في الصحف في ذات الخصوص.
thumbnail.php?file=mostanadat alfajer 234794875

شوقي عبد العظيم
صحيفة اليوم التالي