تحقيقات وتقارير

محاسن عبد لله … حكاية صحافيّة نجت من الاختطاف


دائماً ما كنت ألعب دور الراصدة لضحايا المغامرات وقصص الموت التي تحيط بها روائح البارود والدماء والخطف وإعدامات داعش ولم يدر بخلدي يوما باني ساكون احدى الضحايا التي تكتب قصة نجاتها من الاختطاف وبراثن الموت من قبل المتفلتين بدارفور في رحلة شبيه بافلام الاكشن.
تحركت بنا الطائرة تمام التاسعة والنصف صباحا، واستغرقت ساعتين قبل هبوطنا في مطار الضعين ومن ثم اقلتنا السيارات الي منزل والي الولاية أنس عمر الذي رحب بنا ترحيباً حاراً، وبعدها مباشرة تم عقد ورشة عن الحوار الوطني وفي المساء توجهنا الي المركز الذي يقع في قلب المدينة حيث الاحتفال الرسمي، وشارك فيه بالغناء الفنانون محمود تاور ووليد زاكي الدين وشموس ابراهيم وجميعهم جعلوا الجميع يتمايلون طربا، فيما قدمت فرقة الاكروبات السودانية عددا من العروض التي نالت الإعجاب كما تغنى الفنان الدارفوري عبد الرحمن زيارة، تحدث بعدها الوزير الطيب حسن بدوي عن دور الثقافة والفنون واهمتيهما في السلام والاستقرار والامن وتحدث السيد الوالي مُؤمِّناً على حديث الوزير.
في صباح اليوم التالي غادر وزير الثقافة الطيب حسن بدوي للخرطوم فيما كانت وجهتنا نحن الي (عديلة وام راكوبة) حيث كانت في انتظارنا سيارات (اليوناميد) بقيادو رئيس البعثة في الضعين مستر لاندنق ووزير الثقافة بشرق دارفور، وبفقتنا سيارات الجيش التي كانت على استعداد لتأمين الطريق، وصلنا الي (ام راكوبة) تلك المنطقة التي شهدت صراعاً دموياً عنيفاً في فترة ما والان يقيم فيها جيش العزل وسمي بذلك لانه يعزل قبيلتين متناحرتين، من بعدها قدم الفنانون عدداً من الفواصل الغنائية التي وجدت تفاعلاً شديداً من الجنود ثم غادرناهم الي (عديلة) التي كانت قد شهدت ذات المعاناة وصلنا اليها ووجدنا ذات الكرم والحفاوة وتوجهنا صوب مكان الاحتفال الذي شهد تدفقاً كبيراً من اهل المنطقة وقدم الفنانون عددا من الفواصل الغنائية كما قدمت فرقة الاكروبات عروضاً ادهشت الجميع.
غادرنا (عديلة) مساء بسيارات اليوناميد تحت حماية الشرطة وقد داهمنا الليل في تلك الفيافي، ثم عرجنا في طريقنا الي منطقة (أبو كارنكا) حيث تفقد القادة المنطقة قبل ان نعود ادراجنا الي الضعين حيث إقامتنا.
في صباح اليوم الثالث وبعد تناولنا لوجبة الافطار كانت سيارت اليوناميد جاهزة لتقلنا الي منطقة (ياسين) التي تقع غرب الضعين وكان في مقدمة الوفد المعتمد وعدد من المسؤولين ورئيس بعثة اليوناميد ووفدنا الثقافي. كان اليوم دافئاً ونحن داخل حوش بيت الوالي الكبير وتناولنا وجبة الإفطار ثم توجهنا صوب السيارات التي كانت في انتظارنا ولكن هذه المرة من دون حماية من الشرطة او الجيش وعندما سألنا عن السبب قيل لنا ان الوضع الامني مستتب في طريق تلك المنطقة عكس المناطق الاخرى.
وتوكلنا على الله واتخذنا اماكن جلوسنا داخل السيارات المتراصة في المكان كانت برفقتي في العربة الفنانة شموس ومنى من فرقة الاكروبات السودانية وزملاء من اعلام المنطقة، تراصت السيارات بصف منتظم وجهتنا الي ياسين في ذلك الطريق حيث تمتد الرمال الكثيفة والاشجار المتناثرة هنا وهناك وطوال تلك المدة كنت امازحهم واقول لهم: “يا جماعة إتخيلو إنو تم اختطافنا من جماعة مسلحة المنظر حيكون كيف؟ ” هنا ضحك الجميع قائلين: “تخيلاتك عجية يا محاسن البلد امان”، ثم رد احد المرافقين لنا: “يا محاسن انتي صحفية بتاعت مغامرة ان شاء الله تمر الامور على خير”.
وصلنا (ياسين) ظهراً وكان في استقبالنا قيادات المنطقة وتمت استضافتنا توجهنا سريعا الي احدى المدارس الكبيرة ووجدنا الجميع في انتظارنا وتم الترحيب بنا ثم قدم البرنامج الغنائي وقدمت فرقة الاكروبات عرضها فيما اهدى مدير بعثة اليوناميد عدد من الراديوهات التي تعمل بالطاقة الشمسية لعينات عشوائية من سكان المنطقة وتناولنا وجبة الغداء وادينا صلاة المغرب وتحركنا.
خرج الجميع لوداعنا فيما كان مستر لاندنق متوتر على غير العادةوهو يطالبنا بالاسراع في المغادرة لان الوقت ليل وربما تكون هناك خطورة، ركبنا سيارتنا وبدأنا رحلة العودة، كان الطريق مختلفاً بعكس الذي اتينا به وكانت السيارات غير منتظمة والسرعة شديدة الامر الذي دعا مستر لاندنق ليأمرها بالتوقف عدة مرات داعيا السائقين بالتمهل والسير في اتجاه واحد وعدم اتخاذ افرع اخرى، كان الظلام شديدا والاشجار القصيرة تحف المكان والرمال الناعمة يجحب عجاجها الرؤية عندما تسبقنا سيارة وكان التتبع على ضوء السيارات التي تناثرت هنا وهناك.
تعبنا ومللنا من طول المسافة و(الدقداق) الشديد، قطعنا المسافات الطويلة وما زلنا نكرر نفس السؤال: “أها قربنا للضعين؟ “لانه ليس هناك معلم بارز نتبين به المكان لاننا غرباء على المنطقة. ولكن كان لنا قول وللاقدار قول آخر ليحدث ما لم يكن في الحسبان لنعيش مشهداً من الرعب كنا نسمع به فقط ونشاهده في الافلام.
عند وصولنا بالقرب من قرية “البطري” تقدمت امامنا سيارة المعتمد والسيارة التي كان فيها الفنانين محمود تاور ووليد زاكي الدين وعدد من افراق الفرقة الموسيقية ودخلت الضعين ونحن خلفهم فجأة دون سابق انذار لحقت بنا سيارة كانت خلفنا وسائقها ييقول لسائقنا : “لازم نرجع ورا لأنو مستر لاندنق اختفت عربته ما ظاهره”، هنا فقط الجمتنا الدهشة.
صمتنا وسادت اجواء التوتر والقلق والظلام الدامس يحفنا ولا شيء غير صفير الريح فطلبت من السائق ان يتصل عليه عبر الهوائي الا ان السائق احبطني ان الهوائي لايعمل ثم قال لنا انه سيوصلنا للمدينة ويرجع مرة اخرىهنا اعترضته قائلة: “ما ممكن زول كان معانا نمشي نخليه، نحنا معاكم حجل بالرجل”، في تلك اللحظات ورد اتصال هاتفي ان مستر لاندنق وصل مقره بامان.
هنا فقط اطمأننا وتأهبنا لدخول المدينة ولكن ظهرت من على البعد سيارة لم تكن واضحة المعالم الا بعد ان اظهرتها اضاءة سيارتنا فتبين ان العربة عليها اشخاص ملثمون يحملون كلاشات وعلى رأس السيار (دوشكا) اقتربوا من عربتنا وترجل عدد من افرادها وسالوا السائق: “من وين جايي” فجابهم: “من ياسين مع المعتمد” فطلبوا منه النزول هنا فقط احسسنا بالرعب الشديد وبعدها مباشرة طلبوا منا النزول وهم يشهرون السلاح في وجهنا وعندها علمت اننا تحت قبضة المتفلتين يريدون نهبنا في تلك الاثناء والسلاح على ظهري مددت يدي ناحية المقعد الخلفي حيث تقبع حقيبتي وهنا احتد الملثم معي الا انني كنت مصرة على اخذها ثم نزلت وهم يحتلون مقعدي فيما غادرت الفنانة شموس التي كانت تجلس في المقعد الامامي والتي تم تهديدها بالسلاح لتغادر الغربة ومن بعدها منى من الباب الامامي.
فعلوا نفس الشيء مع العربة التي كانت خلفنا فيما هربت العربة الثالثة مسرعة لتبلغ الحكومة بما حدث،ظللنا جميعنا في الارض لاحول لنا ولا قوة في قمة الدهشة والتوتر لا يُحدث احدنا الاخر ولا ندري ماذا نفعل بعد ان ذُهلنا مما شاهدناه ليمتطي بعدها الملثمون السيارات سريعاً ولم نر سوى غبار سياراتهم، وكنا جوار قرية “البطري” وخرج صاحب منزل وطلب منا الاختباء بالداخل وكذلك زوجته وابناءه مخففين علينا الامر وانفاس الجميع تعلو وتهبط غير مصدقين ما حدث.
قالت الفنانة شموس لـ(السوداني): “كانت لحظة غير متوقعة لأننا ذهبنا لمناطق يقال أنها غير آمنة ولم نتعرض لأذى كانت تجربة صعبة”. بعد دقائق وصلتنا عربة المعتمد لتأخذنا الي مزل الوالي تحت حماية الشرطة حيث كان الجميع منتظر لمعرفة ما حدث وامر الوالي وهو في مقدمتهم بخروج عربات الجيش للبحث عن الجناة، اما نحن البنات اصبنا بحالة من الرعب الشديد وعدم الأمان لاننا كنا على مشارف المدينة قبل الحادث الوقت الذي كان مستر لاندنق يخفف عنا بالرغم من توتره من سرقة سيارات تحت مسؤوليته ووقتها لم تنم الضعين وسادت حالة من التوتر، بعدها بساعات استرد الجيش العربة المنهوبة الاولى فيما تمت سرقة مبلغ 10 آلاف جنية تتبع لمدير فرقة الأكروبات، ليتبرع له الوالي بنفس المبلغ.
صباح اليوم التالي تمت استعادة العربة الثانية التي كانت تقلنا ولكن تمت سرقة هاتف الاستاذ البدري، وفي ذات الوقت عقد الوالي مؤتمراً صحفياً لكشف ملابساتا الحدث وال ان القوات النظامية تمكنت من استعادة العربتين المنهوبتين، ظللنا طول نهار الاثنين في انتظار الطائرة الا انها لم تاتي لاسباب لا نعلما وقالوا لنا ستكون المغادرة غداً ولكن تم تأجيلها لظروف أمنية بعدها اصبنا بحالة من التوتر الشديدبعد الاتصالات المتلاحقة من اسرنا ، وتم تحديد يوم أمس الثلاثاء مواعيد لطائرتنا لنتجه الي الخرطوم ولكن تعثر الامر عليهم ولكن غلب اصرارنا فتم صباح امس نقلنا بسيارات (لاندكروزر) الي نيالا عبر ذلك الطريق الوعر الطويل تحت حماية عربات الجيش وكانت الطائرة في انتظارنا وصلنا في تمام السابعة والنصف في مطار الخرطوم وكان في استقبالنا وزير الثقافة الطيب حسن و الامين العام لاتحاد عمال السودان موسى حماد.

محاسن أحمد عبد الله
صحيفة السوداني


‫4 تعليقات

    1. كل العالم لم يعد مكانا آمنا

      عسى تكون هناك كواكب آمنة في غير مجرتنا

      هدا ما جنته البشرية على نفسها

  1. لافرق بين دارفور والخرطوم كل البلد لا امن لا امان
    الا بيوت الكيزان المحروسة والجماعة في القاعة مع
    الحوار ونثريات الحوار .. بلد عريان في الصقيعة