عبد الجليل سليمان

لا أحد يدفع ضرائب


“أضحوا كقيل ابن عمرو في عشيرته/ إذا أهلكت بالذي سدّى لها عاد”، وحين تتأمل الذين صاروا محل رأي واستشارة في هذه البلاد، تتذكر أقوال شاعر اليمن (الأفوه الأودي) كلها، خاصة ذاك الذي أوردناه أعلاه.
و(قيل ابن عمرو) ناصح ومستشار لملك يمني قديم، يقال إنه كان يشير إليه بأمور ما إن تورد البلاد والعباد التهلكة حتى يتراجع عنها وينكرها، فصار مضربًا للمثل لكل من يؤتي به لأخذ رأيه في الأمور العامة والخاصة باعتباره (مستشارًا وحكيمًا) وهو غبي لئيم، وهكذا فالناظر إلى حال البلاد يجد أرتالًا من هؤلاء يزجون مشوراتهم الخائبة ويتحدثون خُطبهم البائرة، فيما أهل الرأي السديد والخيِّر، لا يكاد أحدًا ينتبه لوجودهم.
ولأنه دومًا “تبقى الأمور بأهل الرّأي ما صلحت”، فإنها بالضرورة ما أن تتولّى فـ “بالأشرار تنقاد”، ومن مقولات الأشرار التي ظلت تُنتج على مدى عقود، أن بعض شركات القطاع الخاص، ما إن ترفع أسعار سلعها التافهة وخدماتها الرديئة الوضيعة، حتى تصرخ في أذن الحكومة والمواطن “نحن ندفع للحكومة الضرائب، والمواطن لو ما عايز خدمتنا يتخارج”، حتى تظنهم وقد أضحوا بالفعل كقيل ابن عمرو في عشيرته، ويا ليتهم كانوا مثله، يا ليتهم بلغوا أفق كتفيه، فهم أدنى وأكثر (رخوًا)، إذ أن قيل كان عندما تهلك عشيرته بما اسداه له من نصح عاد عنه، أما هؤلاء فيصرون على أن لا يعودوا عن أفعالهم أو أقوالهم التي لا قيمة لها.
بطبيعة الحال، فإن الهرج حين يبلغ ذروته يأتي أي أحد ليعرض بأي قول لأن الناس (من يخاطبهم من الناس) على الأقل، هم في (ظنه) السيئ طبعًا، لا يفهمون، عاجزون عقليًا، فيما الحقيقة أنه ذلك الرجل.
يقولون بعضهم، نحن ندفع ضرائب للحكومة، لااااااا. أنتم لا تدفعون فلساً واحدًا للحكومة، فقط تتربحون من هذا الشعب بطرق مباشرة وغير مباشرة، وعندما تفرض تفرض عليكم الحكومة (ضريبتها)، تضيفونها على السلعة أو الخدمة – ربما مضاعفة – ليدفعها عنكم المستهلك الأخير، كل أنواع الضرائب يدفعها المستهلك الأخير حتى ضريبة القيمة المضافة.
والحال هذه، فإن المنتجين والمُصنعين والبائعين لا يضعون أسعارًا للسلع والخدمات إلا بعد أن يضيفوا إليها كافة الرسوم والضرائب والجبايات والزكاة والقيمة المضافة، وبالتالي فإن من يشتريها للاستخدام الشخصي المباشر (المشتري الأخير) هو دافع الضرائب الحقيقي نيابة عن كل التجار والرأسماليين والشركات التي تعوي ليل ونهار وترطن (ضرائب ضرائب دفعنا الضرائب)، فلا أحد يدفع ضرائب في هذه البلاد غير (الغلبانين والفقراء).