الصادق الرزيقي

السودانيون الأقزام ..!


> عندما يطالب عامة الناس الحكومة بمعالجة مشكلات الاقتصاد ووضع حد للضائقة المعيشية ومحاربة الفقر وقف الحروبات وتحقيق السلام، فإنهم ينظرون للبائن والشاخص من الحال الذي أغنى عن السؤال، فليس ذلك هو كل الأزمات من مسغبة وعوز ونزوح وقلة الإنتاج والإنتاجية، وتنامي معدلات الفقر. فهذه لها ظلال مفزعة، عندما يترتب عليها ما هو أخطر ..!
> تقارير مخيفة لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة رعاية الطفولة اليونسيف، ومنظمة الزراعة والأغذية العالمية الفاو، ظلت تترى كل عام، حول حالات سوء التغذية والتقزم في العالم، وتحتل بلادنا موقعاً متدنياً في القائمة ضمن أسوأ أربع دول في العالم من ناحية الهزال، وثاني أربع دول عربية في سوء التغذية والتقزم، وضمن دول المؤخرة وسط الأسرة الدولية التي تعاني من هذه الظاهرة المتفاقمة بسبب الفقر ونقص وسوء الغذاء وأمراض مثل فقر الدم «الأنيميا»، ونقص الحديد والسكري والضغط والجلطات وارتفاع الكولسترول والكساح، وتناول الأطعمة العالية السعرات القليلة البروتين والكالسيوم..
> وتعرف اليونسيف التقزم بأنه «نقص تغذية مزمن خلال فترات حرجة من النمو» و«معدلات معيارية لقياس ارتفاع الطفل مقابل السن»، وتضع التقارير الأممية السودان بين الدول التي تنخفض فيها العناية الصحية الكافية بالنسبة للمرأة الحامل أو المرضى، كما يقل فيها الغذاء الجيد بسبب الفقر. فاليمن تصل فيه نسبة التقزم وسوء التغذية إلى 50 % من الأطفال، بينما السودان 40 % بعده مصر 30 % ثم موريتانيا 23 %، وتأتي نيبال ودول إفريقية في أسفل القائمة بنسب متفاوتة من 40 % إلى 60 % .
> ويسبب الهزال وعدم تناول الغذاء الغني بالبروتينات والخضر والفواكهة والحبوب والألبان، في جعل هذه البلدان ومن بينها السودان، هي الأسوأ من حيث ارتفاع معدل التقزم بين السكان بسبب سوء التغذية الحاد GAM و الحاد الشديدSAM.
> إذا أخذنا هذه التقارير، من حقنا أن نخاف على مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة، لأن النتيجة الحتمية للفقر وسوء التغذية، هي ارتفاع معدلات المصابين بسوء التغذية وخاصة الأمهات في مرحلة الحمل، والأطفال حتي سن الخامسة وهي مرحلة النمو الحقيقية، وسنكون شعب من الأقزام ضعاف البنية قصيري الطول مصابين بهزال وضعف شديدين في البنية الجسمانية وليسوا أصحاء بما يكفي، وهذا ربما وحده يفسر ومن سنوات لبعض المشتغلين بمسائل الطفولة والأمومة والتعليم، ما هي أسباب قلة أحجام الأطفال خاصة التلاميذ في المدارس والطلاب في الجامعات بحيث لا تتناسب أعمارهم مع أحجامهم وأطوالهم مقارنة بالأجيال التي سبقتهم أيام الرخاء والصفاء القديمة.
> لانريد الخوض في الجوانب العلمية والطبية والصحية المتعلقة بهذا الجانب والمجال الحيوي، لكن نريد الإشارة الى دور الحكومة في مواجهة هذا الخطر الذي يتهددنا. فبرنامج محاربة الفقر والتنمية الاجتماعية والرعاية الصحية الأولية والاهتمام بالصحة الإنجابية ومراعاة الأم والعناية بالطفولة، هي من صميم واجبات الحكومة، بجانب معالجة الاختلال في الاقتصاد. فتحسين الأوضاع المعيشية كفيل بمعالجة الأسباب والعوامل التي تؤدي الى سوء التغذية، وأهم من هذا كله تحقيق السلام ووقف النزاعات التي ينتج عنها الفقر والعوز والنزوح وقلة الزاد.
> صحيح للحكومة جهود مكثفة لاحتواء هذه الظواهر، وأكثرها لا يعلمه الرأي العام ولا يحسه في مجالات تخصصية ضيقة، لكن التقارير التي تقوم بها فرق المسح الحكومية او تقارير المنظمات التابعة للأمم المتحدة وما يعكسه الواقع أمر يثير الارتعاب، فانتشار الأمراض واتساع نطاقها وسوء الخدمات الطبية وهجرة الأطباء والكوادر العاملة في مجال الصحة، وضمور الميزانيات والأموال المخصصة لمحاربة الفقر والحد منه وتوفير الغذاء الجيد والتوعية والإرشاد الصحي وعدم توفر الماء النظيف يجعل من الصعب التنبوء بما سيكون عليه الحال للأجيال اللاحقة وهم أطفال الآن في سن النمو.
> تصوروا نحن السودانيون المعروفين بالطول الفارع والأجساد القوية الصلبة، سنكون بعد عقد او عقدين مخلوقات قزمية ضئيلة الحجم لا تكاد ترى!.. لماذا لا تتبنى رئاسة الجمهورية برنامجاً ملزماً وإجبارياً في الصحة الإنجابية وجعل الرضاعة طبيعية من الأم والاهتمام بصحة الحامل، وتوفير الغذاء الجيد وحث الجميع على ثقافة غذائية كالتي كان عليها الآباء والأمهات والأجداد؟..

(اما قبل – صحيفة الإنتباهة)