تحقيقات وتقارير

حرمات الموتى تنتهك في مقابر حمد النيل 700 قبر تجرفها الكراكات تحت إطاراتها.. “الشماسة” يأخذون الأكفان ليصنعوا منها “جلاليب”


مساحة السودان الشاسعة ضاقت عن استيعاب مسجد يعتزم بعضهم بناءه فلم يجدوا سوى الموتى تنتهك حرماتهم وتنبش قبورهم ليُبنى في محلها مسجد ربما لن يجد من يرتاده ليصلي فيه بسبب الطريقة التي أسس بها والمكان الذي شيد فيه، إنها مقابر حمد النيل بأم درمان التي تناثرت بعض جثامين موتاها تحت إطارات الكراكات التي تقوم بنبش القبور بصورة غير مقبولة، “الصيحة” وقفت على الحدث والصور أبلغ من أي كلمات تكتب في هذا الخصوص .
أول أمس (الأربعاء) في حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً دخل لمقابر حمد النيل قلاب تراب وسيشول (آلية ثقيلة) وبدأت الآليات في نبش بعض القبور وبدأ راكبو الآليات في رفع ونقل التراب من بعض القبور ويقومون بردمه في قبور أخرى كأنما يهيأ المكان لبناء شيء ما.
جلابية كفن
يقول المواطن معاذ، وهو شاهد عيان على ما حدث:(عندما شعرت بالحركة ذهبت للمقابر لأستجلي الأمر فوجدت الكراكات تنبش في قبور وتحمل التراب وتلقي به في قبور أخرى وعظام الموتى متناثرة تخت الكراكات يقومون بجمعها في أكياس، فاتصلنا بـ999 فحضروا وذهبوا بنا للقسم الجنوبي بأم درمان فوجدنا مدير القسم برتبة عقيد ثم دخل أحدهم على المدير ويبدو أنه هو من تنبش القبور بأمره فقام رئيس القسم وسلم عليه بالأحضان وهو يناديه بـ(مولانا) ويدعوه للجلوس! وعندما قصصت على العقيد القصة سألني (مولانا) :(انت وهابي)! فقلت له لست وهابياً، أنا مسلم أغير على حرمات موتى المسلمين، وقد جاء أحد الشماسة والتقط كفناً من على الأرض وقال:(حا اخيطو جلابية)!
ويستنكر معاذ المعالجة التي قام بها مدير القسم والتي قال إن بها مجاملة ومراعاة لمنتهك قبور الموتى حيث أمر بإعادة الجثامين وإيقاف العمل. في حين يفترض فتح بلاغات جنائية في مواجهته لأنه انتهك حرمة الموتى ولم يكن معه شخص ليخبره كيف يستر الجثامين، فالقبور تنبش بقرار من جهات عليا في حين أن الفاعل لم يكن يحمل تصديقاً لا من المحلية ولا من الأوقاف ولا من منظمة حسن الخاتمة!
بقرار جمهوري فقط
العقيد “م” الشيخ سامي الشيخ الطريفي الشيخ مقبل وهو (حوار) في ذات الوقت تحدث لـ “الصيحة” وهو لا يكاد يلتقط أنفاسه من الغضب وقال وهو يقص الواقعة (وصلتني معلومة أن هناك كراكة تريد نبش قبر والدي وعمي المدفونين في مقابر حمد النيل فهرولت إلى هناك فوجدت القبرين موجودين وهناك حفرة كبيرة، وهناك دوريات شرطة أوقفت الكراكات وعلمت أن هنالك مقابر نبشت ودفنت جنوب المقبرة وبالسؤال علمنا أن الفاعل أخذ الموافقة من القائمين على المزار الداخلي للمقابر، ينبشون المقابر بغرض بناء مسجد محلها وقد شرعوا في عملهم دون أن يحصلوا على تصريح من أي جهة وحتى محلية أمدرمان وجهت بإعادة الحائط الذي هدم إلى محله ودفن القبور التي نبشت، ويتساءل الشيخ مقبل (كيف تنتهك حرمة الموتى بهذه الصورة؟! وهل المسجد يبنى في مكان المقابر؟ ثم أن المقابر لاتزال ولا تنبش إلا بقرار جمهوري إذا دعت الضرورة القصوى للمصلحة العامة وبحضور قاضٍ شرعي وتكون هناك مقابر بديلة لأن للموتى حرمات وقدسية). فكيف يفعل اسحق ذلك وهو يحمل لقب شيخ؟!
مناظر بشعة
مواطنة شاهدة عيان أيضاً على ما حدث قالت بغضب لا يقل عن غضب شيخ سامي:(الراجل ده نبش القبور وهي ليها حرمتها وجايب ليهو أكياس نايلون يشيل فيها دي كراع ودي يد كيف يجوز الكلام ده؟ دي عملية بشعة.. الزول ده نبش حوالي 700 قبر في مساحة 400 متر وأداهو التصريح الشفهي الشيخ محمد الريح اسحق المسؤول من البنية.
عدة مخالفات
المقابر مسؤولة منها منظمة حسن الخاتمة وبناء المساجد مسؤولة عنها وزارة الأوقاف وتصديقات المباني مسؤولة المحلية فهل يحمل المتعدي على المقابر أيا من هذه التصديقات؟
المدير التنفيذي لمحلية أمدرمان عبد المنعم محمد صالح اتصلنا عليه وطلبنا منه تعليقاً من المحلية على ما حدث في مقابر حمد لنيل ومدى قانونيته وطلبنا منه الكشف عن هوية من قام بذلك الفعل فقال:(ما حدث يعتبر تعدياً صريحاً على حرمة المقابر بدعوى تشييد مسجد في الجزء الشمالي الشرقي من المقابر، ايضاً فيه مخالفة صريحة للتفويض الممنوح اتحادياً لمنظمة حسن الخاتمة، ثالثاً به مخالفة صريحة لقانون تنظيم البناء ولاية الخرطوم سنة 2008، مرتكب تلك المخالفات وكيل نيابة بأم بدة في إجازة بدون مرتب حيث مارس بعض الأعمال التجارية وهو لا يحمل ترخيصا من المحلية ولا تفويضا من المنظمة وبعد استدعائه والتحقيق معه قال انه (أخذ الأوكي) من القائمين على المزار الداخلي لمقابر حمد النيل وقد تم ايقافه عن طريق إدارة مراقبة المباني ولو لم يتوقف سنفتح في مواجهته بلاغاً بالتعدي على حرمة المقابر.
اتصلنا على وزارة الأوقاف طالبين فتوى لما حدث بمقابر حمد النيل فوجدنا فتوتيين لحالتين مشابهتين من دائرة الإفتاء بمجمع الفقه الإسلامي. وفيما يلي نص الفتوتيين:
18 رجب 1433هـ
7يونيو2012م
م ف إ/م ا/ 2012/ فتاوى
السادة الكرام/ اللجنة الشعبية لمنطقة الريداب والتباراب بعد بابكر (شرق النيل)
نيابة عنهم/عباس محمد تبار
حفظهم الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: استفتاؤكم بشأن بناء مسجد في مقبرة مندرسة
بالإشارة إلى استفتائكم عن الموضوع أعلاه، بسؤالكم عن حكم بناء مسجد ومسكن للإمام والمؤذن على قطعة أرض تبين بعد شرائها أنها مقبرة لها اكثر من سبعين عاماً، ولم يوافق أهل المنطقة في إيجاد مكان آخر للمسجد غير هذه القطعة، نفيدكم بأن الدائرة المختصة بالمجمع قد درست هذا الموضوع، وأجابت عنه بالآتي:
الفتوى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
فمعلوم لدى الفقهاء ان المقابر وقف على المدفونين بها، ما دام فيها جزء من عظامهم، فإذا درست تلك المقابر واندثرت ولم يوجد فيها شيء من العظام ولم يدفن فيها أو في بعضها، ولا يرجى أن يعود الدفن فيها في وقت من الأوقات استحالت على ما كانت عليه.
والراجح عند جمهور الفقهاء بطلان وقفها، وتعود إلى الواقف ان كان حياً، أو إلى ورثته ان كان ميتاً، وإن لم يكن له ورثة او كانت أرض المقابر مرصودة من الملك العام، تعود لمصالح المسلمين مطلقاً ويجوز عندئذ الانتفاع بها لأغراض المنافع العامة، كبناء المساجد ونحوها، بعد التأكد من عدم وجود عظام بشهادة أهل الخبرة الذين لهم علم بطبيعة الأرض والمدة الكافية لذهاب العظام.
ثم إنه إذا حفر القبر ووجد به شيء من العظام، فلا يتم حفره، ولا يجوز نقله الا لمصلحة الميت، أو لمصلحة عامة أملتها الضرورة أو الحاجة، كالمسجد مثلاً.
وعليه: إذا تبين ان هذه المقبرة(موضوع الاستفتاء) من المقابر المندرسة المندثرة، فلا حرج في بناء المسجد ومسكن الإمام والمؤذن عليها بعد تجميع ما يوجد من بقايا الموتى وتحويلها إلى مقابر المسلمين، وقد حول طلحة رضي الله عنه من قبره وحولت عائشة رضي الله عنها من قبرها وحول جابر بن عبدالله رضي الله عنهما – أباه إلى قبر آخر.
هذا وقد سبق أن اصدر المجمع فتويين في ذات الموضوع: بالرقم: م ف إ/م ش ع/14/د2/25هـ بتاريخ: 7 المحرم 1426هـ – 17 فبراير 2005م وبالرقم: م ف إ/ م أ/91/2008م/ فتاوى بتاريخ: 29 رمضان 1429هـ – 29 سبتمبر 2008م (مرفقة).
والله تعالى أعلم
أ.د. إبراهيم عبد الصادق محمود
رئيس دائرة الفتوى العامة
أ.د.عبد الله الزبير عبد الرحمن
الأمين العام
أما الفتوى الأخرى فهي ما يلي:
25 جمادى الاخرة 1431هـ
8 يونيو 2010م
النمرة: م ف إ/ م أ/2010م/ فتاوى
الأخ الكريم / هاني صبري – حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الموضوع: استفتاؤكم عن حكم الصلاة بمسجد يقع فناؤه في قبر (قبة).
بالإشارة الى استفتائكم عن الموضوع اعلاه، نفيدكم بأن الدائرة المختصة بالمجمع قد درست هذا الموضوع، وأجابت عنه بالآتي:
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،
اولاً: النهي عن اتخاذ القبور مساجد:
بناء المساجد على القبور أو دفن الموتى في المساجد منهي عنه شرعاً، وهو من الأمور المحرمة للنهي المغلظ الوارد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في أحاديث كثيرة منها:
1. عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم
2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور انبيائهم مساجد) متفق عليه
قال الشوكاني – رحمه الله تعالى : والحديث يدل على تحريم إتخاذ قبور الأنبياء مساجد، قال العلماء / إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، وربما أدى ذلك الى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية.
3. وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : لما نزلت برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر من مثل ما صنعوا . (صحيح مسلم)
ثانياً: حكم الصلاة في المساجد التي فيها قباب بداخلها قبور:
من خلال الأحاديث المتقدمة يتبين لنا الحرمة المؤكدة لبناء المساجد على القبور، سواء اكانت داخل قباب او غيرها، كما تبين لنا حرمة إدخال القبر في المسجد او محل للصلاة. وهذا الفعل في ذاته محرم لهذه النصوص الواضحة.
أما من صلى في مقبرة فلا يلزمه إعادة الصلاة في قول أكثر أهل العلم، منهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهي رواية عن أحمد.
والله أعلم

أ.د.أحمد خالد بابكر
الأمين العام للمجمع

صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات

  1. مقابر حمد النيل ملك لشيخ حمد النيل رضي الله عنه وارضاه وقظ جعلها مقبرة قبل ان يدفن بها وحسب الفتوى اعلاه فورثته هم من يقرر
    اما مدة بقاء الاجساد قبل تحويلها لغرض اخر فالله اعلم
    ولكن لا تنبش بالكراكة لان في هذا انتهاك
    عموما في زمن بني كوزقاع وعلماء السلطان والوهابية الاغبياء توقع كل شيئ يتم تحليله او تحريمه حسب الهوى ومصلحة الحكام والماسونية