منى ابوزيد

أوجاع معنوية ..!


«أكبر درس تمنحه لنا الخبرة هو أننا لا يجب أن نثق بالخبراء».. روبرت سيسل..!
كان لـهارون الرشيد طبيب نصراني، سأل معاصريه عن مكان الطب من القرآن والسنة فقالوا: لقد جمع القرآن الطب في نصف الآية «كلوا واشربوا ولا تسرفوا…».. وجملة من حديث «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء» فقال «لم يُبقِ قرآنُكم ونبيُّكم شيئاً من طب جالينوس» ـ الطبيب اليوناني الشهير – ..!
معظم أمراض العصر المزمنة مثل داء السكري وضغط الدم وأمراض القلب… إلخ .. والتي أثبت الطب الحديث أن أسبابها المباشرة تدخل في معنى «ولا تسرفوا» متفشية في بلادنا .. وسبعون بالمائة من أصحاب تلك الأمراض المزمنة في السودان يسافرون إلى مصر والأردن لتلقي العلاج بحسب بعض التقارير..!
التفسير الظاهر والمتفائل هو أن ثلاثين بالمائة من مرضى الأمراض المزمنة بالسودان يفضلون العلاج محلياً.. بينما التفسير الواقعي هو أن الذين يسافرون طلباً للعلاج في مصر والأردن هم الفئة القادرة أو المستطيعة مع المشقة، بينما يبقى غير المستطيعين مُكرهين لا أبطال..!
لا شك أن التشخيص والعلاج المتطور هما ضالة المرضى الذين يشُدّون الرحال طوال العام إلى الخارج.. إنما يبقى تطوير سلوك الطبيب نفسه في التعامل مع المرضى هو ضالتنا الكبرى.. المريض السوداني يشُد الرحال إلى الخارج وهو على يقين تام بكفاءة الطبيب السوداني، وبأن معظم الأخطاء الطبية المحلية لا تحدث عن قلة خبرة أو ضعف مهنية، ولكنها ظروف بيئة العمل في السودان..!
وهو على يقين – أيضاً – من أن ما يظنه ويحسه هو كمريض ليس على قائمة أولويات مواطنه الطبيب السوداني – المتضرر دوماً من ظروف العمل – بعكس الطبيب المصري والأردني الذي يعلم جيداً مقومات نجاح السياحة الطبية..!
أباطرة الطب يقولون إنه ما من حقيقة جازمة في الطب.. وفقهاء القانون الطبي يقولون بأنه ليس علماً منضبطاً.. فبينما قد تحدث مضاعفات معينة لدى مريض إثر إجراء جراحة ما، قد لا تحدث ذات المضاعفات لدى مريض آخر أجرى ذات الجراحة على يد ذات الطبيب وفي ذات الظروف.. لذلك تجد أن القانون الأمريكي ـ مثلاً ـ يفرض مبدأ «الإذن المبني على العلم الكامل» أي أنه يعرض على المريض كافة المعلومات المتعلقة بالإجراء الطبي قبل الشروع فيه بما في ذلك المضاعفات التي قد تترتب عليه قلّت أو كثرت ..
بينما يترك القانون الطبي البريطاني الأمر لتقدير الطبيب.. فهو الذي يحدد ما يتعين شرحه، بحسب تقديره لمستوى وعي مريضه بالمسائل الطبية والصحية.. لكن هذه المسؤولية التقديرية لا تعني أبداً أن يتجاهل الطبيب أسئلة المريض أو أن يصادر خياراته.. فالعمل على تبديد شعور المريض بالقلق أو الخوف جزء من واجب الطبيب..!
ترى أين يقف سلوك الطبيب المحلي من مثل هذه المناهج السلوكية ياترى؟! اعتقد أن «فقه المعاملات الطبية» في بلادنا بحاجة إلى معالجات منهجية تتزامن مع تدابير مكافحة الأخطاء الطبية ..!