عبد الباقي الظافر

فصيلة نادرة ..!


أغلقت رانية جهاز (اللابتوب) بسرعة..بدا الانزعاج على معالم وجهها الجميل..انتبه شقيقها الاصغر ياسر للأوضاع الاستثنائية..لم ترد على استيضاحه بغير تعبير (مافي مشكلة) .. هرعت رانية لغرفة نومها في البيت الأنيق وأغلقت على نفسها الأبواب والنوافذ.. كانت تبحث عن عزلة لتخلص لنفسها..الدموع أحيانا تخفف من الأحزان هكذا كانت تعتقد الطبيبة الشابة.. تركت الدموع تنساب على خدها الناعم كيفما تيسر.
الحداثة جعلت العالم بلا حدود.. اغلب الظن لم يكن بوسع رانية ان تتواصل مع ابنة عمها عبير لولا (الفيس بوك).. الصديقتان كغيرهما من أفراد أسرة الطريفي لا يدركوا سبب الخلاف الذي تحول الى مفاصلة كاملة بين الشقيقين..بدا المفاصلة بإغلاق الباب الصغير الذي كان يربط بين المنزلين المتجاورين.. شراء المنزلين كان في حد ذاته قصة.. والدهما تاجر الصمغ العربي إبراهيم الطريفي اشتري المنزل الاول في شمبات ثم اقنع الجار الملاصق ان يبيعه الثاني لانه يريد لابنيه خالد ومدثر ان يعيشا في المستقبل معا.. حينما احتدم الخلاف رحل المدثر بعيدا الى مدينة النيل بعد ان باع بيته الذي ورث عن أبيه.
رانية بين دموعها تذكرت الألفة التي ربطتها مع ابنة عمها..ذات يوم من اعوام خلت جاءها طلب صداقة من عبير مدثر..لم تنتبه وتدقق في الاسم كثيرا وقبلت بالصداقة الاسفيرية.. انتبهت ان الصديقة الجديدة كانت تراسلها بغزارة.. واحيانا تسال عن صحتها.. حينما خالجها الشك وباصابع مرتعشة سطرت رسالة في (الخاص) تسال عن اسم عبير الرباعي..ردت عبير مشترطة إلا يكون ذلك اخر تواصل..ذات الدموع انهمرت وقتها.. شعرت لأول مرة بانها تخالف وصية والدها الذي حذرهم من التواصل مع العدو.
امام إلحاح عبير لم تستطيع رانية ان توصد الباب امام ابنة عمها .. بدأت تتجاهل الرد على رسائلها في (الخاص) .. لكنها كانت حريصة دوما على قراءتها..عبير كان منطقها ان الجيل الجديد يجب الا يدفع ثمن الماضي ..كانت تقول لصديقتها رانية دعينا نفتح صفحة جديدة بلا كراهية .. المنطق قوي وجذاب ولكنها كانت تخشى غضب والدها..التسوية اقتضت ان لا تتجاوز العلاقة المدى الإسفيري..لا زيارات ولا لقاءات عابرة ولا حتى محادثات هاتفية.
بدا صوت نحيب رانية يرتفع.. انتبه شقيقها الأصغر طرق على الباب ولكن لا مجيب..هرع الى والدته ولكنها وجدها مشغولة بفاصل من الونسة والقطيعة الهاتفية..أخيرا قابل والده العائد من صلاة العشاء.. الوالد انتبه لاضطراب الابن.. أخيرا توقفا الرجلان امام الغرفة المغلقة.. بدا الوالد يتوسل لابنته بان تفتح الباب.. حينما ارتفع الضجيج جاءت الام سعاد تسعى لمعرفة ما يحدث في الطابق الأعلى.
حينما تم اقتحام الغرفة اندفعت رانية الى صدر والدها عانقته بصراخ هستيري..كانت تردد كلمة عبير أكثر من مرة..أربعة وعشرين عاما من الخصام جعلت الاسم غائبا عن ذاكرة الأسرة..تمالكت رانيا تمزقها ودخلت في التفاصيل «عبير بت عمي مدثر ضربتها حافلة في كبري شمبات ومحتارة لعملية نقل دم مستعجلة « ..بدا العم خالد في رباط جاش حينما حاصرته كراهية الماضي .. ارتجف قليلا حينما أخبرته رانية ان ابنة أخيه تحمل ذات فصيلة الدم النادرة التي يحملها..ارتجف اكثر حينما سمع الخبر.. بدا طيف الصغيرة عبير يطرق بعنف على ذاكرته.. كانت طفلة شقية ورائعة تداهمه من الوراء وتضع يدها على بصره..ببراءة تسأله (عرفتني يا عمو ) ..حينما جددت رانية رجاءها المدعوم بخبرة طبيبة « يا بابا عبير لو ما أديتا من دمك ح تموت»..انتقل ذات القلق الى حاج خالد الذي أمر ابنه ياسر ان يأخذه الى حوادث مستشفى بحري..لحقت به رانيا وتخلفت سعاد.. في الطريق كان الحاج يكثر من قراءة يس حتى لا يحدث السيناريو الأسوأ.