مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : الوزير الذي لا تنقضي عجائبه


أعترف بأني مقل جداً في الكتابة عن الأشخاص والثناء عليهم خاصة أولئك الذين يشغلون مواقع عامة، والسبب وراؤه فلسفة ربما تكون على صواب أو خطأ، وهي أن الدولة توفر كل سبل الراحة وأدوات ووسائل ومعينات العمل للدستوريين وكبار المسؤولين، بما يساعدهم على أداء مهامهم هذا فضلاً عن المخصصات والحوافز الكبيرة والميزات الأخرى من علاج بالداخل والخارج ونحوه، مثل هؤلاء يجب أن يحققوا إنجازات كبيرة وملموسة، وإذا أتى أحدهم بما هو واجب عليه، وأخذ أجره مقابل ما أدى من واجب فلا داعي للإطراء والثناء عليه، كأنما اكتشف ما عجز عنه السابقون، هذا كل ما في الأمر، فالواجب أن نوفر مداد الأقلام للتنبيه إلى الخلل والمخاطر والجزء الفارغ من الكوب لكي يكمل النقص، أو ما نراه تقصيرًا بحاجة إلى معالجة..

لكنْ ما بالكم بشخص كان وزيرًا ملء السمع والبصر، وحينما كان كذلك، كان مثالاً نادراً للعفة والنزاهة، والاستقامة، والذهد، ونحن حينما نكتب عن هؤلاء إنما نكتب عن قيم اندثرت، ونبل أوشك أن تغيب شمسه، وسجايا أضحت بمكان الأطلال في وقتنا الراهن. نكتب عن هذه القيم تحفيزاً، وليس إطراء لمن لا يستحقون.

هذا الوزير السابق خرج من الوزارة كيوم دخلها، لم تبدُ عليه إلا علامات التعب والإرهاق رغم أن وزارته التي كان يشغلها يمكن أن يصبح شاغلها في يوم واحد فقط من أثرى أثرياء السودان..

بعد أن ترك الوزارة وسلم سيارة الحكومة، منذ ذلك الحين ظل يستغل سيارات الأجرة حتى يومنا هذا)، وكم كان يراه أهل الحي يستغل الركشة والمواصات العامة..

علمت أن الرئيس البشير أهدى له سيارة تكريماً لدوره السابق، وسلمه أحد معاوني الرئيس مفتاح السيارة فاعتذر بلطف عن أخذها، وأقنع الرئيس بوجهة نظره وتبريره للاعتذار، وعندما تم اختياره لمنصب حكومي آخر قبل السيارة للعمل الرسمي وما أن انتهت مدته سلمها لوزارة المالية قبل انقضاء فترة السماح القانونية، فقيل له إن أمامك مهلة ثلاثة أشهر لتسليم السيارة لكنه رفض المهلة وعف عن السيارة الحكومية رغم أنها حق قانوني، ورغم حاجته الماسة لها..

حكى لي أحد أعيان جزيرة توتي أنه في عهد الديمقراطية الثالثة كان الرجل وزيراً لوزارة الأشغال، وعندما تأثرت الجزيرة بالفيضان، حمل الوزير 10 آلاف طن من الاسمنت المتحجر الذي كان يقبع بالمخازن، ودفع بها لأهل توتي لعمل حواجز، وبالصدفة وجد الوزير هناك زعيم المعارضة علي عثمان محمد طه، فأمسك بيده، وخاطب الجماهير قائلاً: باسم الحكومة والمعارضة نعلن تبرعنا بهذه الأطنان من الأسمنت، لأنه ملك للشعب السوداني، والشعب السوداني يوجد في صفوفه من يؤيد الحكومة وفيه من يؤيد المعارضة…

قبل أيام قليلة تعرض لنقد من بعض قوى المعارضة لأنه حصل على تكريم من وزير الدفاع الإندونيسي، أثناء مشاركته في فعالية هناك بدعوة من أكبر طريقة صوفية في آسيا، وقام هو بإهداء التكريم للرئيس البشير، فرد في تبريره أن التكريم هو من قائد القوات الإندونيسية وهو عبارة عن درع القوات المسلحة، ورأيت أن البشير قائد القوات المسلحة السودانية هو أحق مني بهذا التكريم، كما أشعر أني مدين له بالكثير..

هذا الرجل سبق أن كتبت عن بعض سجاياه العجيبة، وفي كل مرة أسمع عنه ما يحملني الى الكتابة عن هذه المواقف والقيم التي يحملها ذلك الخليفة عمر حضرة.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…

نبضة أخيرة :

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.