حوارات ولقاءات

القيادي بالمؤتمر الوطني محمد الحسن الأمين :الحكومة زادت الأسعار بذكاء شديد حتى تقول إنها لم تفرض رسوماً


الزيادة الأخيرة التي فرضتها الدولة على أسعار الغاز أعادت البرلمان مجددًا لخانة الاتهام بالتبعية للجهاز التنفيذي وتنفيذ رغباته والتصفيق للقرارات الصادرة ضد ناخبيه رغم أن البرلمان الحالي حاول دفع هذه التهمة عنه برفضه للقانون الذي تضمن الزيادة في الموازنة التي أجازها مؤخراً وذهب في إجازة، غير أن الجهاز التنفيذي عاد للبرلمان بفرض زيادة على أسعار الغاز بلغت (200%)، حول هذا جلسنا مع القيادي بالمؤتمر الوطني ونائب رئيس البرلمان السابق محمد الحسن الأمين الذي دفع التهمة عن البرلمان معتبراً أن الزيادة تمت بذكاء من الجهاز التنفيذي، وفي سياق هذا الحوار الذي تناول الكثير من الموضوعات، اعتبر الأمين أن تعميم طلب الكشف عن حسابات الصحفيين في البنوك استهداف غير صحيح، وستكون عواقبها ليست حميدة مشيراً أن طلب كشف الحسابات البنكية يتم بعد توجيه اتهام أو على الأقل تكون هناك شبهة قانونية، كما وصف الأمين من يطالبون بحل الحركة الإسلامية بأنهم أشخاص لصيقون وليسوا أصيلين ودخلوها على حين غفلة ومن ثم بدأوا يتحدثون عن حلها، هذا وغيره من القضايا.

ـ إلى أي مدى البرلمان قائم بدوره الرقابي دون تأثير عليه؟

أي برلمان يكون التمثيل فيه بثقل كبير للحزب الحاكم مقابل عددية متواضعة للمجموعات المعارضة والمستقلة، طبيعي يكون البرلمان والحكومة لحد كبير نسخة متقاربة لأن القرارات تسير بإرادة حزبية سواء في تشكيل الحكومة ووضع سياساتها وبرامجها وتعيين قياداتها وتبعًا لذلك يصبح للحزب وضعه داخل البرلمان، وكل ما يعرض من قرارات يفترض يكون مر عبر الحزب بتكويناته المختلفة فذات الأشخاص تجد منهم هو في الجهاز السياسي للحزب أو البرلمان أو الجهار التنفيذي، بالتالي أي برلمان كقاعدة عامة في مثل هذه الظروف لا تكون له ذات القوة والإرادة والنفاذ بالنسبة للدور الرقابي والتشريعي.

ـ ما الكيفية التي تصدر بها التشريعات؟

التشريعات في غالبها تأتي بمبادرة من الحكومة عبر مجلس الوزراء يصوغها وزير العدل وتقدم وهي تكون مدروسة سلفاً في الحزب ومقرر فيها ومن ثم تأتي للجهاز التنفيذي وبعده التشريعي، وقد تحدث بعض المفارقات إذ تكون بعض القوانين غير مقبولة لدى المجموعة الموجودة داخل البرلمان، وقد تفلت بعض الأخطاء ويتم تصحيحها في الجهاز التشريعي، وقد يسلط الضوء على بعض الهفوات في الإعلام أو أحد المنابر يتبناها البرلمان ويصححها لكن لا يتم عمل بثقل حزبي كبير داخل البرلمان.

ـ من حديثك كان وجود الجهاز التشريعي عملية شكلية لإكمال أجهزة الدولة؟

لا ليس كذلك، البرلمان وهو أحد الوسائط الثلاثة، السياسي، والتنفيذي، والتشريعي وهو قائم بدوره التشريعي والرقابي تماماً، وقد لا يعلم الكثيرون أن البرلمان خلال مناقشته الميزاينة الحالية رفض قانونا تضمن زيادة في بعض السلع منها الغاز.

لماذا لم يسقط البرلمان هذا القانون واكتفى برفضه؟

طبعاً نحن في هذه الحالة حزب واحد لا نصوت على القانون ونسقطه، لكن عندما يكون البرلمان غير موافق على القانون يتم سحبه، وهذا ما حدث في القانون، لأن إسقاطه فيه هزيمة سياسية، ونحن كتلة سياسية واحدة ولا نسقط أنفسنا، وهذا ما أشرت إليه في بداية حديثي أن الدور يختلف عندما يكون لديك ثقل حزبي كبير فأنت توازن بين مصلحتك السياسية ثم إن البرلمان ليس في تحدٍّ مع الحكومة التي هي حكومة الأغلبية التي داخله، وبالتالي من المصلحة أن تظهر هذه الحكومة بالضعف أو الأخطاء الجسيمة والكبيرة رغم هذا يتم تصحيح الأخطاء وتعديل القوانين، والجانب الرقابي ومحاسبة الوزراء بطريقة جيدة ومعقولة، حتى لا تستفيد المعارضة سواء داخل أو خارج البرلمان، يعني تعالج الأمور بحيث لا تحدث شرخاً في بنية الدولة بصورة عامة وأنا مسيطر على غالبها.

ـ من أين تستمد زيادة الغاز شرعيتها بعد رفض القانون الذي نص عليها في الميزانية؟

الحكومة وضعت الزيادة بذكاء شديد بحيث تقدر تقول إنها لم تفرض رسوماً، إذ قامت بسحب الدعم من سلعة الغاز بعد أن كانت تصل للمواطن بسعر مخفض كما هو الحال في السلع المدعومة طبعاً، سحب هذا الدعم وتحرير السلعة من حق الحكومة، لكن القانون لا يسمح لوزارة المالية بوضع رسم إضافي لرفع سعر السلعة لأنه سيكون في هذه الحالة إيرادات إضافية يجب أن تصدر بقانون، لكن ما تم في سلعة الغاز وزارة المالية سحبت دعم السلعة وأصبحت تصل بسعرها الحقيقي في السوق العالمي والسبب عدم وجود التمويل الكافي لدعم السلعة، نعم المواطن تأثر بالزيادة.

ـ هل تعني حتى إن كان البرلمان منعقدا لن يستطيع فعل شيء طبقاً لما ذكرت؟

ليس كذلك، في اعتقادي إن كان البرلمان منعقداً كان سيتم سحب الدعم بالتدريج ولن يحس به المواطن ونحن نعتبر زيادة سعر السلعة لضعفين يمثل صدمة كبيرة بالنسبة للمواطن، وهذا ما أزعج الأخ رئيس البرلمان وقام باستدعاء وزيري المالية والطاقة، لكن قرار الرئيس بموافقة وزير المالية في هذه الزيادة يبدو أنه سبق.

ـ لكن قرار الزيادة لم تتم الإشارة فيه بأنه صادر بمرسوم جمهوري على ماذا استند؟

الزيادة تمت بقرار وزاري ونوقشت في وزارة المالية في إطار المعالجات الطارئة، وبالتأكيد أيضًا نوقشت في القطاع الاقتصادي للحزب وتم رفعها للوزير الذي أخذ موافقة الرئيس عليها والدستور أجاز لرئيس الجمهورية وضع زيادات على بعض السلع دون قانون، وهنا المسألة ليست وضع رسم وإنما سحب دعم من هذه السلعة، وإن كان تم وضع رسوم تكون مسألة غير قانونية ودستورية لأن الميزانية قانونياً لا يجوز المساس بها إلا بالرجوع للبرلمان، لكن ما تم رفع دعم.

ـ أليس من الخطأ أن تتم هذه الزيادة في غياب البرلمان؟

هذا ليس قانوناً، لكن في الإطار الرقابي العام والتأثير على المواطنين كان يفترض قبل إعلانها يتم الاستئناس برأي البرلمان أو الهيئة البرلمانية الموجودة وهذا لم يتم.

ـ كيف وافق رئيس البرلمان عليها؟

وافق بعد التوضيحات التي تمت، وأعتقد على مضض باعتبارها أصبحت أمراً واقعاً كغيرها من الزيادات التي قبلها، نحن في النهاية حزب وجهة واحدة لا يمكن أن تكون فيها آراء متضاربة.

ـ ألا توافقنا أن الشكل شبه الأحادي للبرلمان عطله عن القيام بدوره؟

كما ذكرت لك مسألة وجود ثقل كبير للمؤتمر داخل قبة البرلمان جعل الأمور تسير دون وجود أصوات معارضة كثيرة لأنك كنائب تكون شخصاً ملتزماً بما يقرره الحزب وإن كان لك رأي في أي قرار تعرضه في إطار الحزب لأن التعديلات تتم في إطار الحزب وبعدها يصبح داخل البرلمان أمر حزب، لذلك أي وقفة ضد الميزانية تعني إسقاط الحكومة، وهذا يعني وقوف النائب ضد حزبه وهذه مسألة في غاية من الخطورة، ومن الأشياء التي نحاسب عليها في الحزب أن وقف الشخص ضد مرشح الحزب، أو رأي جماعي تمت إجازته في الأطر القيادية للحزب.

ـ كيف يجبر الحزب النائب على الوقوف ضد ناخبيه في البرلمان وهو يقول إنه حزب جماهير؟

نعم، هذا قد يقلل من جماهيريتك وأنت تتخذ مواقف وقرارات تمس المواطن الذي أيدك ومنحك الأغلبية مؤكد هذه مسألة سلبية ستؤثر على ثقلك الجماهيري في المرة القادمة، لكن هناك ظروف اضطرارية قد لا يتفهمها المواطن العادي الذي تأثر دخله الذي لا يتعدى الـ(700) جنيه وهو مقسم على احتياجاته وتأتي عليه زيادة بهذا الحجم تكون مشكلة حقيقية بالنسبة له، وهنا الحسابات السياسية حاضرة في هذه المسألة سلبية تؤثر.

ـ الطريقة التي تمت بها الزيادة اعتبرت استخفافا بوجود البرلمان كجهة تشريعية رقابية؟

نعم، محسوبة على البرلمان الذي أجاز الميزانية قبل فترة وجيزة دون زيادة في الأسعار بل رفض قانوناً حوى رسوماً إضافية على بعض السلع من ضمنها الغاز، بعد أقل من شهر تتم زيادة كبيرة.

ـ ما الذي سيقرره البرلمان في الأموال التي كانت تدعم في الميزانية المجازة؟

نعم، هذه الزيادات كانت لها إيرادات مخصصة للدعم في الميزانية عندما تمت إجازتها والآن أصبح هناك فرق بين السعر الجديد والقديم لذلك البرلمان اعتبر الفرق إيرادات جديدة ومنع التصرف فيها إلا بعد الرجوع إليه باعتبارها أخذت من المواطن لكنها ستعود في شكل دعم مباشر وغير مباشر.

ـ لكن هذه الزيادة تتعارض مع ما طرحه الحزب في برنامجه الانتخابي من تخفيف لأعباء المعيشة؟

هذا الأمر محكوم بالظروف الاقتصادية العامة وليس بفهم أننا نريد زيادة العبء على المواطن ولا يوجد حزب حاكم يسعى لإرهاق مواطنيه بالزيادات بل العكس، لكن ظروفنا الاقتصادية بسبب المقاطعة في ظل التدني في إنتاج سلع الصادر في الموسم السابق وما فقدناه من دخل بانفصال الجنوب، في كل هذه الظروف وغيرها تظل تفرض علينا أن نتخذ قرارات صعبة.

ـ إجازة البرلمان لمشروع تعديل القانون الجنائي الخاص بالتظاهر والتجمعات خلال يوم واحد جعلها كأنها ترتيب مسبق لفرض الزيادات على السلع؟

هذا اعتقاد غير صحيح ربما مصادفة فقط، نعم القانون أجيز بسرعة غير معتادة وصادف نهاية دورة في نفس الوقت يجوز للبرلمان أن يفعل ذلك لأنك إن قدرت حجم الخسائر التي صاحبت أحداث سبتمبر كانت ضخمة جداً، ولا تزال المشكلة قائمة في تقديرها لذلك لابد أن تكون العقوبة رادعة.

ـ إن لم يكن القصد الردع ما الغرض من هذا القانون؟

هناك مشكلة عند قيام شغب يحدث تلف كبير جداً للممتلكات العامة والخاصة، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تقف الدولة مكتوفة الأيدي وهناك تدمير يحدث وتنجم عنه خسائر كبيرة، وعلى الدولة أن تدفع تعويضات لأن التأمين لا يتحمل خسائر الشغب، لتقليل هذه الخسائر، لابد من وضع عقوبة رادعة لكل من يحاول إحداث خسارة في المال العام أو الخاص.

ـ ألا يتعارض هذا مع حق الاحتجاج والتظاهر الذي أقره الدستور؟

هناك خيط رفيع فاصل بين حق التعبير والفوضى، في هذه الحالة لابد من مراعاة الحفاظ على النظام والأرواح والممتلكات العامة والخاصة، والسودان معروف أن أفسحت المجال مثل هذا قد تدخل في إشكالات، لأن الآراء متضاربة منها ما هو مؤيد وما هو معارض، وهناك أشخاص من مصلحتهم أن يحدث تفلت، لكن إن كان هناك ضمان أن تخرج التظاهرة سلمية لا يوجد ما يمنع وتعبر عن مواقفها لكن دائماً لا يستطيع الأشخاص القائمون على التظاهرة التحكم في سلميتها وعدم خروجها على القانون وبالتالي من الأفضل أن توقفها أو تمنعها.

ـ ألا يحرم ذلك أيضاً الأحزاب المعارضة من ممارسة نشاطها الجماهيري؟

هذا لا يحدث، لأن الأحزاب الآن تقيم الندوات في دورها وتهاجم الحكومة ورموزها والصحف تنقل ذلك، وإذا قارنت ماهو متاح من حرية في السودان مع الدول التي حولنا تجد هناك هامشاً واسعاً جدًا يسمح للتعبير عن الآراء.

ـ لماذا البرلمان مقل في محاسبة الجهاز التنفيذي واستجواب الوزراء وإقالتهم إن أخطأوا هل لخوف من حدوث تصادم مع الجهاز التنفيذي؟

استدعاء الوزراء موجود من قبل البرلمان والاستجواب ممكن أن يتم في الأخطاء الكبيرة، وللبرلمان أن يوصى بإقالته بالرغم من أن التوصية بالإقالة غير ملزمة للرئيس، لكن بسبب لمسألة الحزب ذي الأغلبية في البرلمان سيكون هذا سلبًا على الحكومة والحزب لذلك لا نصل إليها، وفي حالة تم الإحساس بأن هذا الشخص أخطأ يطلب منه أن يستقيل بحجة أن هناك تدنياً في الأداء، وهذا ما يحدث دائماً، بدلاً من أن تسقطه في البرلمان لأن ذلك يشكل هزيمة سياسية للحكومة ويكون الحزب سقط نفسه، لذلك تتم المعالجة بطريقة لا تؤثر على الحزب والحكومة تلبي رغبة الجماهير في هدوء.

ـ الحكومة متهمة بحماية الفساد وتكافحه بالتصريحات في الإعلام ولم تتخذ أي إجراء قانوني في مواجهة أي حالة فساد؟

الفساد موجود في كل العالم، ولا تستطيع مكافحته لكن الحديث عن كبر حجم الفساد في السودان للإعلام دور كبير في ذلك، وقد يكون موجوداً أو لا يكون لأن العملية عرضة للبينات.

ـ تعني أن الفساد غير موجود كما يقول حزبكم دائماً؟

الفساد موجود وكشفه يحتاج لمبادرة من المواطن والسودانيون بطبعهم لا يبادرون إن شهدوا فساداً حتى من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تتم المبادرة منهم إلا بعد أن يصبح الأمر غير محتمل، الآن مفوضية مكافحة الفساد جاءت لتكون جهاز مبادرات لأن القانون العادي لا يعطي النيابة الحق في أن تبادر ويلجأ إليها عند حدوث مخالفة قانونية أو فساد، يعني لابد أن يكون هناك شاكٍ لأن النيابة وحدها لا تذهب للتحقيق في الواقعة، بالتالي كانت الحاجة لآلية، لذلك أنشئت المفوضية لتكون مبادرة وتتابع المعلومات التي تظهر في الصحف وتضع حماية للشخص الذي يبلغها بالمعلومات حتى لا يتأثر كما حدث لي عندما قدمت طلب مساءلة عادياً للوزير في أمر اعتبر فيه فساد، وتساءلت كيف نالت هذه الشركة العطاء، كل الصحف وقفت في مواجهتي إلا من رحم الله، طيب كيف أنت تريد أن تكافح الفساد وتقوم بهذه الحملة، بهذه الطريقة تكون أنت تدافع عنه، وإن كنت تريد مكافحته حقيقة خلي الأمور تمشي وتتم الإجابة على السؤال بعدها علق سلباً أو إيجاباً لماذا تكون هناك أتيام لمنع أي محاولة لإجلاء الأمر حتى يخرج للسطح، ما جعل الموضوع يستشري وتدخل رئيس الجمهورية، أنا لا أريد أن أقول هناك اشخاص يدافعون عن الفساد لكنهم يسكتون عليه، في ظل هذا أصبح الذين على حق يصمتون متوجسين كما يقول الإمام علي كرم الله وجهه (سكت أهل الحق على الباطل حتى ظن أهل الباطل أنهم على حق)، بالتالي لابد أن تكون هناك جهة تأمر بالحقوق ومتابعتها وتبرزها، وجهة تعاقب، لكن منع الناس بهذه الطريقة من متابعة الفساد وإظهار مواطنه واحدة من المعوقات، أضف لذلك هي عملية مكلفة وجائز ترتد عليك وتعاقب إن لم تثبتها.

ـ لكن الحكومة تقول من ينادي بمحاربة الفساد عليه أن يثبت ذلك بالمستندات وليس الاشتباه؟

معروف أن اللصوص الأذكياء يصعب تتبعهم ومحاكمتهم لأنهم يرتكبون الجريمة مع علمهم بالقانون ولهم المقدرة على عدم ترك أي دليل حتى يفلتوا من المساءلة والعقاب.

 

 

الصيحة