تحقيقات وتقارير

التاكس النهري.. ذكرى أسطول نقل تلاطمته الأمواج.. فص ملح وذاب


أثناء أزمة المواصلات العامة منتصف العام الماضي، حملت الأخبار نبأ تدشين ناقل نهري يربط بين أجزاء العاصمة أُطلق عليه التاكس النهري.. الاسم وحده كان كافياً ليجذب اهتمام الناس الذين ضجت بهم المواقف صباحاً ومساءً في انتظار المركبات التي عجزت أن تسعهم لا في غدوهم ولا في الرواح.
كان نبأ التاكس النهري ليس صاعقاً فحسب، إنما مثيرا لنوازع وحنين لتاريخ غابر خلدته أغنيات أشهرها (من الأسكلا وحلا) التي أكدت دون أدنى ادعاء بالشك أن وسائل نقل نهري كانت تجوب الخرطوم في حقبة ليس ببعيدة، ويمكن إعادتها ولو بدون أغنيات ليقين قاطع بنضوب إناء الشعر الرصين عند سكان ملتقى النيلين، فصارت القوافي مسدسات يشهرها المغنون بحناجرهم.

خيبة أمل
حينها كانت الأرض شديدة الخصوبة لإعلان خبر التاكس النهري والأذن شديدة الحساسية لسماعه، ففي ظل عسر غير مسبوق وندرة لا مثيل لها في المواصلات – بحسب وصف محمد إبراهيم (طالب بجامعة الخرطوم) – تبقى مثل تلك الأخبار ترياقاً يمنح المواطنين الصبر ويعزيهم بالسلوى ليحين الفرج.. أما حقيقتها فلا أحد يركض خلفها، المهم هي أخبار رائعة ومفرحة للمواطن. ويضيف محمد إبراهيم أكثر الذين فرحوا بخبر تدشين التاكس النهري كانوا هم الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة، فجميعهم نظروا للأمر من عدة زوايا أولها أنه يخفف عليهم عنت المواصلات التي تهدر وقتهم على مر أيام الأسبوع، والأمر الثاني تمثل في أن وجود ناقل نهري يمنحهم برهة للتخفيف عن كمد المحاضرات والدروس التي يتلقونها خلف جدران ضيقة، لكن عدم تجاوز المشروع محطة التدشين والأخبار الصحفية قتل الأحلام جميعها، وجعل أكثر المواطنين لا يثقون في أخبار كثيرة يتم رفد الوسائط بها.

تصريحات ذائبة
دون شك كان خبر تدشين التاكس النهري هو حديث مجالس شهر أبريل الشهير بالشطحات والأنباء الصاعقة، لكن أحداً لم يشكك في حديث عبدالرحمن الخضر والي الخرطوم السابق، حين أوضح خلال رحلة نيلية لتدشين الناقل النهري “إن الولاية تخطط لإنفاذ حزمة متكاملة تشمل – إلى جانب النقل النهري – القطار المحلي والبصات بسعاتها المختلفة”.
وأضاف: إن كل أطراف النقل تبذل فيها جهداً متسارعاً عبر عدة محاور، تتمثل في تواصل عمليات استيراد القطع النهرية والبصات، بالإضافة للأعمال الجارية في تشييد 13 مرسى للنقل النهري أكتملت منها خمسة مراسٍ، كما يجري العمل في سبع محطات للقطار المحلي في الخط الشمالي الذي يبدأ من الجيلي وحتى الخرطوم، ورغم وضوح حديث الخضر وتأكيده على أن الناقل النهري أصبح واقعاً لكن مواطنين كثر يصفون اليوم ذلك التصريح بأنه فص ملح وذاب.

شركاء في التصريحات
خمسة مراس نهرية يجب أن يبلغ عددها (13) لاحقاً إلا أن المواطن اليوم لا تقع عينه على الخمسة التي أُنجزت دعك من الـ (13) المتبقية على طول (400) كلم هو طول الشواطئ النهرية – بحسب تصريح الدكتور أحمد قاسم وزير البنى التحتية والمواصلات في ذلك اليوم – حيث أضاف قاسم حينها “إن مشروع النقل النهري يستهدف في خطته الاستراتيجية جميع الشواطئ”. وقال “إنه تم حتى الآن التخطيط لإنشاء 84 مرسى وترتبط جميع المراسي بمناطق وجود المواطنين بكثافة، ومربوطة بخطوط المواصلات، ولو أن التصريحات أخذت مأخذ الجد يوم تدشين التاكسي النهري، نجد أن المواطن لا يزال يتمسك بها، وهو أكثر توقاً ليس للتاكس النهري فقط، بل للقطار وللبصات المذكورة ضمن الوعود تلك.

محمد عبد الباقي
صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد