داليا الياس

تسليك


أعيانا البحث – منذ أيام – عن (سباك)!!.. اتصلنا بجميع الأصدقاء طالبين العون.. وجبنا الطرقات عسانا نتعثر بأحدهم.. وأمضينا حوالي 72 ساعة ونحن نكابد الحاجة الماسة له (لتصريف) مياهنا..!! وحين حالفنا الحظ، وحضر أحدهم لإنقاذنا لم تتجاوز مهمته بعض دقائق وطالب بمبلغ خرافي فاق جميع تقديراتنا، رغم أنه لم يستخدم سوى بضعة أسلاك وخرطوش قديم ولم يعتمد على أى آليات خاصة متطورة.. وكان بإمكان أي منا القيام بما قام به ببساطة لولا تقاعسنا والاتكالية التي يمارسها بعض الرجال تجاه تفاصيل المنزل اليومية هذا إذا كانوا موجودين ولم يطلهم الإغتراب!!
ولكم أن تعلموا أنه لم يمر يومان إلا وعاد الوضع لما كان عليه من ازدراء!.. وكنا حينها قد بدأنا رحلة البحث عن (كهربجي) لينير ظلمة جزء هام من بيتنا.. فبدأنا نبحث إلى جانب لسباك من جديد.. ثم فكرنا أن نلحق بهما فني تكييف لمراجعة مكيفنا المتهالك ودفعه لتخفيف وطأة حرنا القائظ.. وبهذا كانت رحلة بحثنا جماعية لما علمناه من ندرة في هؤلاء الفنيين!
نعم.. هناك ندرة في هذه المهن المهمة.. وإن وجدت فإنها غالبا ما تفتقر للخبرة والمعرفة الدقيقة.. وقد يكون ممتهنها قد سلك دربها فقط بعد أن سدت بوجهه جميع السبل فكانت هي الحرفة الوحيدة المتاحة والتي لا تحتاج لكثير تدقيق أو أوراق رسمية!!
فأين هي الجهات المعنية بالعمل الفني والحرفي؟.. وأين المؤسسات التعليمية الراسخة في التدريب المهني؟!.. وحتى متى ستظل تلك المهن غير مرغوبة ويقابلها المجتمع بكثير من الازدراء والتبخيس والنظرة الاستعلائية؟
ومن منا أصبح – رغم التقدم التكنولوجي – بإمكانه حتى الآن الاستغناء عن الميكانيكا والسباك والكهربجي والنقاش والنجار؟!
ولماذا لم تراوح هذه الألقاب مكانها من قاع المجتمع حيث الانطباعات التقليدية لكون أصحابها غالبا من الجهل والدونية والفقر بمكان؟.. علما بأن المشاهدات والوقائع تؤكد أنهم (كسيبة جدا) ومعدلات دخولهم الشهرية تبز كل المهن البرجوازية!
إن معظم تلك الحرف تمضي نحو الانقراض.. وقد فقدنا ثقتنا في براعة الكثيرين من الأدعياء.. فمتى تلتفت الدولة لهذه الحرف وتعمل على تطويرها والاهتمام بها وإعادة تأهيلها وتفعيلها؟
ومتى يقلع بعض أفراد المجتمع عن تحفظاتهم على هذه المهن المتمثلة في نبذهم وحصارهم اجتماعيا والتعالي عليهم؟!
ثم متى يقبل شبابنا على مثل تلك المؤسسات التي تؤهلهم ويجتهدون في معرفة بواطن تلك الحرف ويعتمدونها مصدرا للرزق وسبيلا للنجاح في حياتهم؟!
أخشى ما أخشاه أن يظل شبابنا يرزحون تحت وطأة العطالة بتعاليهم وعنادهم وجهلهم بأهمية التدريب المهني، ويحجمون عن تسليك أمورهم؟ لنظل نحن بدورنا نجوب الطرقات بحثا عن (سباك) أو غيره لتسليك تفاصيل حياتنا المحتبسة بالمشقة.
تلويح:
نادوا لينا (البنا) يبني لينا الجنة.