مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : ادفعوا (النثرية) كي ينجح الحوار


في العام 97 بعد التوقيع على اتفاقية الخرطوم للسلام بين الحكومة، و(8) فصائل جنوبية، كانت الفنادق الفخيمة بالعاصمة تستضيف عدداً مهولاً من منسوبي تلك الفصائل الذين إذا رأيتهم داخل الفنادق سبعة نجوم وهم فيما اشتهت أنفسهم ينعمون، لتذكرت حياة أهل الجنة الذين يطاف عليهم غلمان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، كانوا لا يطلبون شيئا، إلا ويجدونه أمامهم قبل أن يرتد إليهم طرفهم، من فواكه وعنب، وشواء وأسماك ولحم طير مما يشتهون، وعصائر طازة لذة للشاربين، فما كان منهم إلا أن يأمروا العاملين بتلك الفنادق، وما على (الغلمان) إلا السمع والطاعة – وأمال إيه مش بقولو السلام تمنو غالي…
وكانت الحكومة في تلك الأثناء تمارس لعبة التدليل بإفراط مع منسوبي تلك الفصائل الذين امتلأت بهم فنادق الخرطوم الراقية يومذاك، الأمر الذي زاد من (دلال) بعضهم، على نحو لا يطاق.. من وحي هذه الأجواء حكى لي أحد الأصدقاء قصة أحد الجنود المقيمين بفندق (المرديان) وكان الجندي كثير الطلبات ومتنوع المذاهب المطلبية، وكان لا يرى أحدا من العاملين إلا ويطلب شيئا، وإن كان لبن الطير لم يتورع في طلبه، حتى أن أحد العاملين أبدى استياء واضحاً من كثرة الطلبات، وطريقة التعامل في طلبها فلفت نظره بأدب:(ياخي والله قلنا الروب عديييييل كدى، كترتها ياخ)، فانتهره الجندي وكاد أن يجهز عليه:(هوي يا ماندكورو، إنت عوير؟ إنت ما عايز سلام دا يتم ولاشنو!!؟).. – ياجماعة دا سلام شنو اللي برهنوه لينا بكباية عصير، ولا قطعة جاتو، دا- .!!!!.،دا سلام الشجعان..
تذكرت هذه الواقعة، وأنا أطالع خبرا نشرته (الصيحة) منسوباً لأحد أركان حرب الحوار الوطني أشار فيه إلى أن هناك جهات تعمل على عرقلة وإفشال الحوار، وفسر ذلك بأن هناك جهات تعطل استحقاقات المشاركين في الحوار، وتريد أن تعطي كل عضو مشارك (نثرية) ألف جنيه فقط، رغم أن المبلغ المحدد أكثر من هذا حيث تقرر ألف جنيه في الشهر الواحد لكل شخص مشارك..القيادي في حوار الوثبة ما (فضل) ليهو شيء إلا أن يقول على طريقة الجندي الجنوبي:(وه إنتو ما عايزين حوار دا يتم ولا شنو )..
من وحي الخبر استنتجت أن ذلك القيادي الذي يحاول ملء الفراغ العريض الذي خلفه الممتنعون عن المشاركة في حوار الوثبة، يمارس نفس الابتزاز الذي كان يمارسه ذلك الجندي الجنوبي، فإذا كان الأخير رهن اكتمال السلام بالاستجابة لطلباته الشخصية من مأكل ومشرب، فإن صاحبنا (بتاع) حوار الوثبة رهن إنجاح الحوار بدفع (النثرية)، وإلا فإن عدم الدفع سيعرقله وفي الحالين أسلوب التهديد والابتزاز واضح وبائن: إما الاستجابة لهذه المطالب الشخصية – رغم تفاهتها وقلة شأنها، إذا ماقورنت بما هو قومي واستراتيجي – أو فإن الأمر لن يتم..
الرجل يقول إن هناك جهات تعرقل الحوار وتحاول إفشاله،، ولما قال بذلك حسبناه سيكشف عن خطر أو أمر جلل يهدد مسار الحوار الوطني ويضع العثرات على طريقه ، فإذا به يحصر المشكلة التي تهدد بإفشال الحوار في (النثرية) فقط، إي والله – والله دا حقو يسموه حوار النثرية بدل الوثبة -..اللهم كبر عقول المتحاورين ، وامنن عليهم بالقناعة واليقين، والتجرد ونكران الذات، وابعد عنهم شر الانغماس في المطالب الشخصية والابتزاز ..آمييييين …اللهم هذا قسمي فيما أملك…..
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.