زهير السراج

تقاليد جامعة الخرطوم !!


* قرأت بيان طلاب الدفعة ۹۹ (الصف الثالث) بكلية الطب، جامعة الخرطوم حول الأحداث الأخيرة التي تطورت من ازعاج أثناء الدرس، الى فصل الدفعة بكاملها من الكلية في سابقة عجيبة وغريبة لم أشهد لها مثيلاً في حياتي كوني أستاذاً جامعياً على مدى عشرين عاماً، وكوني كنت طالباً بجامعة الخرطوم وشهدت وربما ارتكبت بعض حالات الإزعاج ورأيت كيف يتصرف المحاضرون والإداريون، وكوني صحفياً تصلني معلومات وشكاوى كثيرة عن حالات مماثلة، وكوني أباً لطلاب في سن الدراسة الجامعية التي تجعل البعض يتصرف بنوع من التمرد وعدم الانضباط.. وهي تصرفات كثيرة الحدوث في كل جامعات العالم، ويمكن معالجتها بالطرق التربوية بما يحقق المنفعة العامة ويدرء وقوع الضرر بقدر الإمكان، وهو مبدأ تربوي تهتدي به كل المؤسسات الأكاديمية وتحاول جاهدة أن تلتزم به قبل أن تلجأ إلى الحلول القانونية والعقوبات التي تنص عليها لوائح الانضباط والسلوك مع إتاحة كل الفرص الممكنة للدفاع عن النفس لضمان وقوع أقل ضرر ممكن !!
* أسوأ ما يمكن أن يواجهه المحاضر هو الإزعاج الذي يصدر من بعض الطلاب بالحديث أو بالحركة أو بأي شكل من الأشكال، لأنه يؤثر على التركيز ويربك سير الدرس.. إلخ، ويجب عليه في هذه الحالة التصرف بهدوء والتعامل بالطرق التربوية المعروفة، أو اللجوء إلى الطريقة التي يراها مناسبة لإعادة الهدوء والنظام واستمرار سير الدرس بشكل طبيعي حتى نهاية الوقت المحدد، بدون أن يضطر الى طرد طالب أو الانسحاب من المحاضرة أو الدخول في مشادات مع الطلاب قد تؤدي الى حدوث عواقب أخرى!!
* من أهم العوامل التي تحقق الانضباط أثناء الدرس الثقة المتبادلة بين الطالب والأستاذ، والطريقة البسيطة في تعامل الأستاذ مع طلابه بدون تعالٍ أو استعلاء، ومقدرته على إضفاء الحيوية وتحفيز الطلاب على المتابعة بوسائل متنوعة مثل إلقاء بعض الأسئلة أو اللجوء إلى سرد الطرائف القصيرة ذات الصلة بالدرس أو بالجو العام للمحاضرة.. إلخ، مع حفظ المسافة التي تحقق الاحترام الكامل بين الطرفين، بالإضافة الى العوامل الأكاديمية المعروفة مثل الإعداد الجيد للمحاضرة، وعدم الظهور أو التظاهر بمعرفة كل شئ ما يجلب عليه السخرية والاحتجاج !!
* الحيثيات التي وردت في بيان الطلاب تشير الى حدوث إزعاج قاد الى انسحاب المحاضر وامتناعه في اليوم التالي عن إعادة الدرس كعقوبة لما حدث، ثم اجتماع الطلاب مع نائب العميد تمخض عن تقديمهم لاعتذارات مكتوبة، إلى أن فوجئ الجميع بصدور قرار من نائب العميد للشؤون الإدارية بفصل جميع طلاب الدفعة، وإصدار الطلاب لبيان يكررون فيه الاعتذار ويطلبون إلغاء العقوبة الجماعية وتزويد الجزء الخلفي من قاعة المحاضرات بوسائل تدريس (بروجكتر ومايكرفونات خلفية) ترفع قدرة الجالسين في الصفوف الخلفية على الاستماع والرؤية بشكل أفضل فتتوقف الاحتجاجات والإزعاج، ثم يوجه البيان اللوم الى أجهزة الاعلام على تناولها المشين للأحداث وتعميق الأزمة بين الطلاب والإدارة!!
* كما ترون فإن هذه المشكلة وتوابعها (التناول الإعلامى)، لا تبرر بأي شكل من الأشكال الفصل الجماعي للطلاب، ولا يوجد في القانون أو اللوائح أو الأعراف ما يؤيد ذلك، ولا يمكن لجامعة أن تفصل دفعة كاملة بسبب إزعاج تسبب فيه بعض الطلاب، وكان من الممكن أن تنتهي المشكلة بمعالجات بسيطة في وقت مبكر قبل أن تتطور إلى أزمة، وصدور قرارات تعسفية وإصدار بيانات، وتصبح حديث الجميع، وهو ما يدعو إلى التساؤل: أين ذهبت التقاليد الجامعية العريقة لجامعة الخرطوم، وما هى الأسباب؟!