عبد الباقي الظافر

خمسين سنة يا مفتري.!


ارتفعت عينا الرئيس نميري إلى ما وراء سقف النظارة الملونة التي يرتديها.. المصريون يطوون البساط الأحمر بسرعة فيما الرئيس على باب الطائرة.. وقتها كان الشعب السوداني قد قال كلمته وأصبح المشير جعفر نميري يحمل صفة رئيس مخلوع.. وقبلها بأيام كان ذات الرجل يستخف بشعبه ويقلل من شأن المظاهرات التي انطلقت.. قال نميري عبارته الشهيرة «مافي زول يقدر يشيلني».. قال عبارته المستفزة وهو متوجه إلى واشنطن في رحلة علاجية.. ولكنه حين عاد لم يجد حتى البساط الأحمر تحت أقدامه.
زار الشاب حامد ممتاز بريطانيا لأول مرة في برنامج علاقات عامة يهتم باستكشاف القيادات الشابة في دول العالم الثالث.. الأمين السياسي للحزب الحاكم من فرط دهشته عند دخوله لندن فتحاً في العلاقات السياسية بين بريطانيا والسودان.. وتحت تأثير الصدمة الحضارية أكد ممتاز من عاصمة الضباب أن بإمكان المؤتمر الوطني أن يحكم خمسين عاماً أخرى.. ولو كان هذا الرجل يجيد الاستماع لاتسق حديثه مع رئيس الجمهورية الذي أكد قبل أيام أن بلدنا هذا ليس ملكاً لحزب أو جماعة.. ولكن يبدو أن حساب ممتاز غير ممتاز.. لا يمكن لجماعة أن تحكم منفردة بلداً لمدة قرن إلا ربع، إلا إذا كان هنالك إحساس بالملكية الخاصة لهذه البقعة الطيبة من الأرض.
الأخ الكريم حامد ممتاز لم تجمع عليه عشيرته في الريف الجنوبي للخرطوم ليمثلها في البرلمان.. ليس وحده ممتاز الذي يخطيء الحساب.. الجنرال عبدالرحيم محمد حسين أكد أن مليوني مواطن في الخرطوم شاركوا في الحوار المجتمعي بولايته.. لكن كل الذين تكبدوا مشاق التصويت في الانتخابات للحزب الحاكم وفي كل أنحاء السودان لم يتجاوزوا الأربعة ملايين نسمة.. حينما كان ممتاز يتحدث في لندن كان الدولار الأمريكي يسجل رقماً قياسياً في الخرطوم.. العملة السودانية انخفضت قيمتها ألف مرة منذ مجيء إخوة حامد إلى السلطة.
متلازمة حامد ظاهرة تلازم كل الشموليين في العالم.. العقيد القذافي سأل شعبه المنتفض عليه «من أنتم».. زين العابدين التونسي لم يفهم الدرس إلا حينما رأى المظاهرات تدق أبواب القصر الرئاسي.. الرئيس حسني مبارك لم يكن يطيق أن ينتظره خليفة على مقعد نائب الرئيس فانتظر حتى استوى عود ابنه جمال ولكن أقدار الشعب كانت أسرع.. حامد ممتاز تحت تأثير السلطة يظن أن الشعب يعيش في نعيم.. وأن كل مواطن بإمكانه أن يشتري منزلاً متعدد الطوابق ويتنقل بسيارة دفع رباعي.. الخدر السياسي يجعل على الأعين الحاكمة غشاوة فيظنون أن الشعب رهن إشارتهم في المنشط والمكره.
في تقديري.. حامد ممتاز لا يكذب.. الأجواء العامة تجعله يستشعر أن الناس كل الناس خلف حكومته.. المسيرات المصنوعة تجعل أهل الإنقاذ يوقنون أنه ليس هنالك رجلاً لا يواليهم في المدينة.. الأرقام المفبركة تحيل الفشل إلى نجاح بامتياز.. أما الأقلام المأجورة فتعتبر ورود اسم السودان في أعلى قائمة الدول الفاسدة مجرد مؤامرة تستهدف الدين والوطن وإن جاء سلفاكير تالياً في ذات القائمة.
بصراحة.. بعد هذا الحديث اقترب حامد ممتاز من إصابة منصب وزير دولة في رئاسة الجمهورية.. بالضربة القاضية فاز حامد ممتاز في الجولة الفاصلة.. مبروك سعادة الوزير.