الصادق الرزيقي

«50» ســنـــة ..!


> في لحظة من لحظات الإغرار والزهو بصولجان السلطة، قال العقيد معمر القذافي ذات يوم في اجتماعات مؤتمر الشعب العام، وهو أعلى سلطة تشريعية ليبية في زمانه، قال: «إن جده أبو منيار عاش مائة وعشرين عاماً، وإن أباه مات وعمره قد تجاوز المائة عام بعامين، وأنه من عائلة معمرين ..!فسرت كالنار في الهشيم مقولته وتناقل الشعب الليبي يومها نادرة أن القذافي- وكان في الثاني والستين من عمره- تبقت سنوات طويلة من عمره إذا مد الله في أجله، وربما سيحكم ليبيا خمسين سنة مقبلة ..!!
> لم يكن الأخ العزيز حامد ممتاز، الأمين السياسي للمؤتمر الوطني، يختال بالسلطة ويتبختر بها، وليس في زهو القذافي وانتفاشته كما الطاؤوس، عندما قال لصحيفة «القدس العربي» إن المؤتمر الوطني يمكنه أن يحكم لخمسين سنة مقبلة، دعك من خمس وعشرين سنة.، فقراءته للمشهد السياسي ومستقبل العمل الحزبي والأحزاب السياسية السودانية، قادته إلى امتخاض نتيجة افتراضية مفادها أن الحزب الحاكم والممسك بزمام السلطات ولجامها وخطامها، سيمكث مكانه في جفن الحكم وهو نائم خمسين سنة مقبلة بالتمام والكمال، عام يقع على حافر عام قد سبق، ولم ينسَ أن يربط ربطاً وثيقاً بين البقاء ورضى الشعب والجماهير، وهو المعنى النوراني الذي غاب عن القذافي الذي كان يعتقد أنه مثل لويس الرابع عشر هو الدولة ..!
> بقاء المؤتمر الوطني في السلطة أو ذهابه منها، أمر مرهون بنجاعة قيادته للبلاد ومدى جديته في الاهتداء إلى ما تريده جماهير الشعب السوداني ورضائها عنه، والشعب السوداني من الصعب على حزب إرضاءه وقيادته مهما كان دهاء هذا الحزب وقدرته على تقديم صورته وصناعة بريقه الخاص، لقد سبقته إلى هذا الشعور غير الدقيق، أحزاب كثيرة في العالم. فالحزب الشيوعي السوفيتي كان يظن أن التاريخ انتهى عنده، فالصراع حول السلطة والتناحر الطبقي قد انتهى بقيام الثورة البلشفية والمجتمع الاشتراكي والملكية الاجتماعية المشاعية لوسائل الإنتاج، وبداية عصر البروليتاريا، وظن الفضويون الذين ألهموا قادة كُثر مثل فيدل كاسترو وجوزيف بروس تيتو وكيم إيل سونغ ومعمر القذافي وغيرهم من قادة التيارات الاشتراكية الذين غرقوا في اليوتوبيا السياسية المجنحة، بأن الأنظمة القادرة على انتهاج الاشتراكية، ستصل إلى عصر الجماهير وستبقى خالدة في السلطة بانتفاء أسباب الصراع البشري حول أدوات الحكم والسيطرة على الشعوب، لأن الشعوب ستكون واعية وقادرة وهي التي تحكم نفسها بنفسها.
> توفر الفرص للأحزاب لتبقى طويلاً في السلطة، لابد أن يمر عبر طريقين لا ثالث لهما، إما أن تعيش وتبقى وهي تحكم بالحديد والنار كما هو الحال في الدول المتبقية من الصخب والجلبة الشيوعية السابقة مثل كوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وبوليفيا وفيتنام ولاوس، ثم الديكتاتوريات الإفريقية وفي العالم الثالث التي عاشت بالسليقة الهمجية للسلطة، أما الطريق الثاني، فهو التخلي عن النزعة الاشتراكية كما هو الحال في الصين والمزج بين الاشتراكية واقتصاد السوق لتحقيق النهضة والرفاء الاقتصادي بالاتكاء على عكازة التبرير الواردة في المثل الصيني «ليس المهم لون القط، المهم أن يصطاد الفئران»..
> إذا كان المؤتمر الوطني يستطيع مخاطبة قضايا الجماهير واستشراف المستقبل وتقديم أنموذج لحكم راشد، ويحافظ على بيضة الدين والوطن، ويهتدي للشعارات التي تحرك الجماهير وتدفعها للعمل والإنتاج والتعاضد والاعتصام بحبله، يمكنه أن يحكم خمسين سنة أجيال وراء أجيال..
> وإذا كان قادراً على بناء منظومة من برامج سياسية واجتماعية تجعل من السياسة والاشتغال بها، منهجاً للإصلاح الشامل وتغيير وجه السودان من بلد يقبع في أسفل قائمة الدول النامية والنهوض بهم من حال التكلس والقعود والتخلف التنموي والاقتصادي، وجعل تطلعات الشعب تحط على مناط الثريا، يمكن أن يحكم لخمسين سنة قادمة وربما تزيد..
> وما نيل المطالب بالتمني، كما يتمنى السيد ممتاز، إنما تؤخذ الدنيا غلابا، وهذا ما ينتظر الحزب الحاكم وعليه أن يتغلب على تحديات الحاضر والمستقبل، فسهل العلا في السهل والصعب في الصعب.. فلابد دون الشهد من إبر النحل..