هيثم كابو

“حاوية” على عروشها


* في الوقت الذي استقبلت فيه إدارة الموانئ البحرية وفود الخبراء الذين تفوح من أجسادهم (روائح العطور الباريسية النفاذة) لحضور مؤتمر الحاويات الثامن كان ميناء بورتسودان يستقبل بحفاوة بالغة سفينة تحمل مواشي نافقة بقيت بالبحر لمدة شهرين بعد رفض كل الموانئ استقبالها؛ ليفتح لها ميناء بورتسودان أحضانه من على البعد ولكنه لم يستطع عند وصولها مد يده لمصافحتها إذا أن (الروائح الكريهة) المنبعثة منها كانت قد عمت الأرجاء ولوثت الفضاء..!
* مؤتمر الحاويات (الثامن) الذي رعاه مشكوراً وزير النقل يعتبر نوعاً من (الرفاهية الزائدة عن الحاجة) فقد جاء تحت شعار (تطور إدارة وتشغيل الحاويات في ظل المنافسة العالمية)، وهو (عنوان فضفاض) بعيد عن واقع الحال عندنا، ولكن علينا توفير الدهشة لحين معرفة محاور المؤتمر التي تستهدف (مجالات تحديات البنية التحتية لصناعة النقل بالحاويات والتطورات التكنولوجية واستخداماتها في الموانئ الذكية وسوق النقل البحري بالحاويات “بالتركيز على شرق وجنوب أفريقيا” وإسهمات المناطق اللوجستية في تطوير موانئ الحاويات والأساليب الحديثة لتنمية الموارد البشرية في مجتمع الموانئ والآثار المترتبة على تطبيق المعاهدات الدولية المنظمة لصناعة النقل البحري.
* بالله عليكم ماذا نستفيد نحن من مؤتمر تقدم فيه (14) ورقة عمل من مختصين وخبراء من داخل وخارج السودان بمشاركة خبراء من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري طالما أن أسئلة بسيطة وبديهية وبعيدة عن مناطق (التقعر والمصطلحات العلمية المطاطية والأوراق الأكاديمية) لا تزال حاضرة..؟
* تنعقد (المؤتمرات الإنشائية) وينسى أهل الموانئ قضايا مصيرية كوصول حاوية من (العيار “الدماغي” الثقيل) لميناء بورتسودان قبل فترة تحوي بداخلها 645 كيلوجراماً من (الحشيش السيوبر كامل التقطير و”التزييت” والتركيز) تفوق قيمتها 20 مليار جنيه سوداني، وللأسف ظلت الحاوية بالميناء لمدة شهر كامل دون أن يتم فحصها جمركياً لأن أحداً لم يقترب منها رغم أن الحاوية وصلت عبر خط نقل يتبع لشركة معلومة ولديها وكيل في السودان..!
* وإن نسي الناس المخدرات فإنهم يذكرون جيداً أن لجنة الصحة بالبرلمان كشفت عن وجود «21» حاوية إلكترونية مسرطنة بميناء بورتسودان تتبع لـ(جهات مجهولة) ظلت قابعة بالميناء لفترات طويلة؛ والمؤسف حقاً أن المسؤولين بسبب عملهم التقليدي وعدم ضبطهم لحركة التفريغ هناك لا يعرفون لمن تتبع تلك الحاويات الآن، وكل ما يملكونه من معلومات (الشكية) بعبارات من شاكلة (باقية لينا مغصة) و(ميتة وخراب ديار)؛ وغيرها من عبارات العجز والضعف التي رددها مسؤول الإعلام بهيئة الموانئ عند زيارة لجنة النقل بالبرلمان..!
* لا يختلف عاقلان على خطورة هذه الحاويات التي تحتوي مواد مشعة ومسرطنة؛ ولكن المهم حقاً كيف تصل حاويات ويتم تفريغها وتظل متحكرة بالميناء وتحتل مساحة مقدرة وتتعدى فترة السماح القانونية وتمضي السنوات ليتحول وجودها لخطر حقيقي على السكان؛ وإدارة الميناء لا تعرف أصحابها حتى تتم محاسبتهم ويتحملوا تكاليف إبادتها لتطل عبارة (جهات مجهولة) بعنقها من جديد، و(مؤتمرات الخبراء تنعقد بلا جديد)..!
* تنعقد (المؤتمرات الترفيهية) وتنفض وينسى الجميع أنه قبل أكثر من عام ضبطت السلطات ببورتسودان (5) حاويات معباة أعلافاً بها أكثر من (13) مليون قرص مخدر تفوق قيمتها (338) مليون جنيه من مادة (الكبتاجون) المعروفة في أوساط المتعاطين والمروجين والمراقبين والمهربين باسم (أبو هلالين) التي يبلغ سعر الحبة الواحدة منها (25) جنيهاً؛ وتمت تبرئة المتهمين من (مخلص ومن قام بتحويل مبلغ التخليص وأصحاب الرخصة وشركة الشحن) لأن (فوضى المعاملات) جعلت السوري (رأس الأفعى) يبعث ببضاعته من الخارج والكل يعمل على خدمته هنا وهو يتابع بالهاتف من تركيا؛ وإن كانت المخدرات التي ضبطت داخل جوالات الذرة الشامية وقتها حملت ديباجة كتب عليها (ذرة علفية إنتاج لبنان الوزن 80 كلغ تاريخ الانتهاء 2015)، فإن السؤال المهم كم من الكميات من تلك (الذرة الشامية الخاصة بضبط الدماغ) تم تخليصها وغزت الأسواق..!
* الرجاء قبل (الثرثرة في المؤتمرات) ضبط الميناء وحركة الحاويات وإعادة صياغة اللوائح فيكفي المجتمع ما تسرب له من مخدرات صنعت مشاكل مزمنة، ويكفي البلاد ما فيها من أمراض لا تنقصها السرطنة.
نفس أخير
* الأولويات أهم من الثانويات!