الصادق الرزيقي

حسم التمرد


> تزامن العمليات العسكرية الأخيرة للقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في دارفور وفي قلبها وبؤرة انطلاق التمرد في منطقة جبل مرة في 2003م، مع حملة مسعورة للحركات المتمردة وعويل لا ينقطع، والجميع يرقب الخطوات الجادة لقيام الاستفتاء على الوضع الإداري لدارفور، هل ستبقى على ما هي عليه الآن، أم يتم الرجوع إلى الوضع القديم بقيام إقليم واحد كما كان سائداً حتى العام 1994م.
> وكان من الواضح أن الحركات المتخذة من بعض مناطق جبل مرة أوكاراً لها، تعمل على التحريض ضد الاستفتاء، وتنوي القيام بعمليات سريعة لتخريب او منع قيام الاستفتاء بالإيحاء للجميع في الداخل والخارج أن دارفور غير آمنة ولا يمكن قيام هذا الاستحقاق الوارد في وثيقة الدوحة، وظلت حركة عبدالواحد نور وهي أكثر الحركات تواجداً في مناطق جبل مرة أن بقاءها في قمم الجبل وكهوفه وهضابه العالية سيعصمها من السيل الجارف للقوات المسلحة، وستكون بمنأى عن أية تحركات عسكرية، ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه المناطق الجبلية بعيدة ويصعب الوصول إليها لوعورة الطرق وأسباب أخرى لم تكن خافية على التخطيط العسكري ، ومنها أن حصار هذه المناطق يكون ذا فائدة كبرى لمنع تمدد الحركات وقواتها خارجها، والحيلولة دون وصول إمداد عسكري وتشوين إليها، والتحكُّم في مداخل ومخارج جبل مرة الممتد طولاً حوالي مائتي كيلومتر من الجنوب الى الشمال، وبعرض يزيد عن الثمانين كيلومتراً من غرب الجبل إلى شرقه، وجبل مرة منطقة شاسعة تقع في ثلاث ولايات جنوب وغرب وشمال دارفور.
> وتحينت القوات المسلحة تساندها القوات النظامية الأخرى التي شاركت في العمليات الأخيرة، الفرصة لتضرب بقوة وبحسم كبيرين، انتهت بها من أسطورة أن مناطق جبل مرة لن تقهر ولن تصل إليها يد الحكومة، وساعد تحول الواقع السياسي وانحسار التمرد في كل مناطق دارفور وضعف الحركات المتمردة وإعراض الناس وإحجامهم عنها، خاصة موردها التجنيدي من الشباب والمقاتلين، ساعد ذلك على تسهيل مهمة القوات المسلحة، فقد كانت الحركات والمتمردة تجد بعض التعاطف في السابق من السكان المحليين لظروف معلومة، لكن الآن انتهى ذلك التعاطف النسبي إلى غير رجعة، وانكشف زيف التمرد وبانت عوراته، وفقد كل ما يمكن أن يسنده، وتعاظمت الرغبة في السلام وتخلخلت الصفوف المتمردة ودبت الخلافات بين قياداتها وقواتها، وصارت كلمة السلام والاستقرار هي العليا مع انخفاض وانحدار لغة الحرب والقتال.
> إذا كانت المتغيرات العسكرية على الأرض حاسمة لصالح الحكومة وقاصمة للتمرد، فإن المتغيرات السياسية والاجتماعية التي تجري في دارفور هي أكثر حسماً ووضوحاً، فكل الشعارات المرفوعة من المتمردين خلال ثلاثة عشر عاماً مضت، لم تجلب إلى دارفور إلا الخراب والدمار، ولم يجنِ منها المواطن خاصة من نزح منهم أو لجأ الى دولة تشاد أو وجد فرصة للهجرة بعيداً، غير الحسرة والخسران والضياع، لقد توقفت، بل تدمرت مشاريع التنمية والخدمات على قلتها في دارفور، وتراجعت مؤشرات النمو والاستقرار، وانكسرت دورة الحياة الطبيعية وخرجت دارفور بكاملها من دورة الاقتصاد الوطني كما يقول المحلل والكاتب الكبير الدكتور خالد التجاني النور، وعديد من الدراسات والتقارير المحلية والدولية التي تصدر عن وكالات الأمم المتحدة وبعثتها المشتركة مع الاتحاد الإفريقي ( يوناميد).
> خسرت دارفور زمناً ثميناً وأرواح عزيزة ودماء غالية، وكلفت الحرب أموالاً طائلة كان يمكنها أن تجعل من الولايات الخمس (فراديس) جديدة في قلب إفريقيا جنوب الصحراء، وخسر النازحون حياتهم الرغدة الكريمة، وصاروا مشردين في معسكرات النزوح وسحقت المروءة والشهامة، وسلبتهم أغلى ما يملكون، فهم ينتظرون عطايا المنظمات وفتات الإغاثات، وينتظرون بلا جدوى سراباً كانت تمنيهم به قيادات التمرد الغارقة في الأوهام في الفنادق الفخمة في العواصم الأوروبية وفي بلدان إفريقيا المجاورة.
> تزامنت هذه العمليات مع قيام الاستفتاء، نزع من الحركات أنيابها وأسنانها وألسنتها وجعلها تولول وتصرخ وتصيح بأعلى صوتها دون أن يسمعها أحد، في وقت يمضي فيه الاستفتاء إلى غاياته ليختار مواطن دارفور خياراته الصحيحة ووضعه الإداري الذي يريده، فاختياره سيتم دون أن يؤثر عليه أحد او تهده بندقية متمردة ..!