حوارات ولقاءات

مبارك الفاضل : رجل إذا صمت أثار صمته التساؤلات، وإذا تحدث تضخمت تلك التساؤلات، ليلحقها التأويل على ما يقول، وحتى إذا استراح تهمس الخرطوم


رجل إذا صمت أثار صمته التساؤلات، وإذا تحدث تضخمت تلك التساؤلات، ليلحقها التأويل على ما يقول، وحتى إذا استراح تهمس الخرطوم بأن إستراحته لا تخلو من دهاء التدبير، إنه السيد مبارك الفاضل المهدي أكثر القيادات السياسية نشاطاً وقدرة على إحداث الاختراقات في الحياة السياسية السودانية، فقد ظل على هذا الحال طوال العقدين الأخيرين متنقلاً بين مراكز ومحطات معارضة الإنقاذ بمستوياتها في مراحلها المختلفة، وسبق أن جمع في فترة من الفترات بين أمين التجمع الديمقراطي المعارض ومساعد رئيس الجمهورية عبر اتفاق مشهور بينه وبين الحكومة وقعه في العام 2002م، ساهم كثيراً في تعكير العلاقة بينه وبين زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي منذ ذلك الوقت وإلى يوم الناس هذا، ومبارك من الشخصيات السياسية صاحبة الرؤية التحليلية العميقة والعلاقات الواصلة داخل السودان وخارجه، (ألوان) حاصرته لأكثر من ثلاث ساعات بمكتبه في شارع البلدية بالخرطوم وطرحت عليه حزمة من الإستفهامات فإلى مضابط الإجابة عليها.

حوار: عايدة/ فلسطيني/ الفرجابي

نبدأ بدعوة السيد الصادق المهدي لقيام مؤتمر عام لحزب الأمة خلال عام ما هو تعليقكم على ذلك…؟
الدعوة كانت من مبادرة لبعض الإخوة وهي مرتبطة ببعض المشكلات والخلافات التي نشبت في أجهزة حزب الأمة في المهجر ولقد ذهب وفد يمثل عدد منهم إلى القاهرة يضم حوالي (22) عضواً إجتمعوا مع السيد الصادق هناك, لكن الحديث دار حول الأزمة ككل في حزب الأمة ورؤية الإمام الصادق المهدي كانت تستهدف معالجة جزئية لموضوع المهجر دون غيره, ولكن موقف الإخوة في الوفد كان يرى أن الأزمة هي أزمة عامة وأن أجهزة الحزب الحالية منتهية الشرعية منذ ما يقارب الأربعة أعوام، وبهذا تكون قد بدأت دورة جديدة دون أن يكون لها صبغة شرعية، مع وجود إنقسامات كبيرة داخل الحزب حدثت خلال الخمسة عشر عاماً الماضية ولابد من إعادة اللحمة للحزب.
كيف تعود اللحمة للحزب في ظل غياب الدور الفعلي ورئيسه خارج الوطن لمدة طويلة…؟
إعادة اللحمة تكمن في تنفيذ قرارات اللجنة المركزية التي صدرت في الأعوام 2012م و2014م، بضرورة تجديد الحزب والمكتب السياسي له قرارات في ذلك لكن ظل السيد رئيس الحزب رافض تنفيذ القرارات وظل يستهلك الوقت بدلاً من قيام المؤتمر العام, فالإجتماع الذي ذكرته رغم صدور بيان عن السيد الصادق لكنه لم يتوصل إلي نتائج.
لماذا لم يتوصل إلي نتائج من وجهة نظركم…؟
لم يتوصل إلى نتائج لأن الصادق تقدم بعرض هكذا من قبل لوفد يمثل عدد من فصائل حزب الأمة في نوفمبر 2014م، وهم حينها عرضوا عليه ثلاثة قضايا تتمثل في مصالحة شاملة لا تستثنى أحد, وتنظيم إنتقالي وفاقي ينظم للمؤتمر العام, ومؤتمر عام تنجز من خلاله الإصلاحات المطلوبة لكنه رفض قبول المقترح وهو كان حصيلة جهد من احد عشر فصيلاً من فصائل حزب الأمة القومي.
هل هناك منطق واضح لرفضه لهذه الحلول في تقديركم…؟
جاء بحجة أن هذه الفصائل قد غادرته، والآن يتحدث عن آخرين ظلوا بمواقفهم معه فالمسألة كلها محورها شخصه وقد عرض عليهم ذات الفكرة بأن يشاركوا في لجان المؤتمر والورش المختصة بذلك تمهيداً لقيام المؤتمر بعد عام, من دون تحديد زمن بعينه, ومن دون ضمانات لقيامة أو بديل في حال عدم قيام المؤتمر ما الذي يجري, بدون تشكيل لهذه اللجان فالحديث كله عبارة عن كسب وقت لا توجد حلول وفي حديثه بداً يقترح تأييد الدستور وطبعاً الدستور به إشكالات كثيرة, وأصبحت كل الصلاحيات فيه بيد الرئيس وهذا يعتبر تحول كبير جدا ً فمنذ عام 1945م إلي 2009م لأول مرة يحول الأمر كله في الحزب بيد شخص واحد، الآن ما رشح من أخبار حول إجتماع القاهرة تم رفضه وقد صدرت بيانات من مجموعة المهجر تدحض هذا الحديث وتقول إن التوصيات هذه غير ملزمة لأحد وعاد الأمر على ما كان عليه.
ما هو وزن هذه المجموعة التي تتحدث عنها…؟
هذه المجموعة هي جزء من أمانة د. إبراهيم الأمين والصادق عمل عليهم إنقلاب كما إنقلب على إبراهيم الأمين من قبل لأنه انتهز فرصة إجازة العيد وعقد مؤتمرا بنادي الأسرة وحضره حوالي عشرين شخصا من الذين حضروا من السعودية وأعاد تشكيل مكتب المهجر وفصل المكتب الذي شكله د. إبراهيم الأمين, إجتماع القاهرة هو حول الصادق وبعض الذين كانوا في أمانة إبراهيم الأمين الذين كانوا هنا في الداخل ومكتب الخارج لا علاقة له بالوضع العام الداخلي.
ثمة من يرى أن مكتب المهجر يسيطر على الأمور في الحزب أكثر من المتواجدين بالداخل ماذا تقول في ذلك…؟
أبداً مكتب الخارج ليس له دور كبير، غير الرأي أحياناً والمساهمة المالية ولا يتعدي دورة أكثر من ذلك.
أين مؤسسات الحزب دورها غائب تماماً دوماً نسمع بالمبادرات من الخارج والمؤسسة محنطة…؟
المؤسسة أصدرت قرارات في أعوام مضت، والمكتب السياسي قبل شهرين أصدر قرارات وكلها تتحدث عن وحدة الحزب وجمع الشمل لكن رئيس الحزب دوماً يضرب بها عرض الحائط وتصبح بلا جدوى لأنه وحده من يسيطر علي الحزب، الآن ورؤساء هذه اللجان من المواليين له والدستور منحه كل الصلاحيات, فقرارات الحزب تصدر من المؤسسات ويتولي تجميدها هو واللجان التي تليه, وهناك مبادرات كثيرة جداً من كبار الأنصار وكبار رجالات الحزب, ولكم أن تعلموا أن مبادرات لم الشمل هذه لها عشر سنوات بلا جدوى، بالتالي الأمر بيد رئيس الحزب وهو لا يرغب في الوحدة ربما لأنه يشعر بأنه لابد من إن الوحدة ستفرض تغيير رئاسة الحزب وهو ما لا يرغب فيه الرئيس الآن وأن النهج الذي سيفرضه التغيير هو نهج جديد بعيداً عن النهج الأبوي المسيطر في السياسية ولم يعد مقبولا وبالتالي هو الآن في مواجهة مع عملية التغيير ولذلك يسعى لتكريس الوضع القديم ليساعده في إدارة الحزب وفق ما يرى من هنا يأتي الرفض للقرارات وقيام المؤتمر العام, وهذه هي الشخصية الأبوية المسيطرة وعندما كثرت عليه التحديات رجع إلي موضوع الإمامة ليتسور بالقضية الدينية في مواجهة التحدي السياسي ومنهج إدارته للحزب فأصبحت الأزمة مستمرة والحوارات للحلول مستمرة من غير جدوى.
برأيك ما هو السبب في ذلك…؟
السبب هو الرئيس لأنه الشخصية المفتاحية في كل ذلك هو وحده دون غيره، وهذا ما عقد أمر الإصلاح في الحزب, وبالتالي تعقدت الأمور أكثر لأن الإصلاح يرتبط إما موافقته لهذه الخطوات أو إن يتم تخطيه والتخطي يدخل الأمر في تعقيدات أكبر لأنه سيحدث إنقسامات وهذا ما لا نسعى له بالطبع الآن.
وما هو دوركم في الهيئة الشعبية لتوحيد حزب الأمة….؟
نحن نعمل علي تفادي القرارات الفوقية وبالتالي نريد أن تنشأ كل الحوارات من القواعد حول الدستور وحول هيكلة الحزب وحول أسس الوحدة لأننا نريد الوحدة من القواعد حول كل المفاهيم والقضايا والآن لدينا مثلاً دستور وحد الحزب في شخصية رئيسه فقط وبالتالي لابد من نقاش حول هذا الوضع حتى تعود الأمور إلي نصابها والنقاش يخرجنا من فلان ضد علان إلي القضايا الموضوعية لأن هذا الحزب يملك إرثا كبيرا ونتساءل لماذا حصل هذا التحول الفجائي من دستور محترم يكفل العمل المؤسسي إلي دستور يكرس سلطة فرد.
من الذي يقوم بدعوة الحزب إلى مؤتمر أو يشكل اللجان سابقة الذكر…؟
الرئيس وحده هو من يدعو إلى المؤتمر العام وهو الوحيد الذي يشكل لجانه، وهذا مجاف للطبيعة لابد من أن نؤسس لنظام لان الأشخاص زائلون وتبقي المؤسسات وبالتالي نريد إن نتوافق علي صيغة تكون أمينة على وضع الحزب حال ما حصلت أي ظروف أو فراق لا قدر الله وبالتالي الهيئة الشعبية هذه القصد منها إن تتواثق علي الوحدة وفق أسس جديدة يبنى عليها الحزب من ثم فهي تستطيع إن تتفاوض مع الرئيس بعد ما ترتب الأوراق الأساسية تتخذ القرار المناسب الدعوة لمؤتمر عام أو ترتيبات إنتقالية أو غيرها وهذه وسيلة لكي نتفادى الإنقسام أو القرار الفوقي.
هل تشتمل الهيئة الشعبية هذه على كل فصائل حزب الأمة أم أن هنالك فصائل مازالت ممانعة من الرجوع إلى الحزب…؟
الهيئة تستهدف كل قيادات وكوادر حزب الأمة, هنالك طبعاً بعض القيادات لها رأي آخر بالطبع وهي ربما متفقة حول الكليات قد لا تكون بذات الترتيبات وبعضهم كان يفتكر أنه من الأفضل إن ينتظر رئيس الحزب ربما يصل معه إلى حل لكن بعد إجتماع القاهرة وصل عدد كبير منهم إلى قناعة بالإصلاح والآن هنالك دعوة لإجتماع لنتشاور في الأمر ماذا نفعل, كذلك نثمن بالطبع أي رأي آخر يحمل أهداف يمكن أن نلتقي فيها جميعاً وبالتالي نراهن على أن ينتظم الأمر كل السودان بولاياته المختلفة والآن لدينا وفود في جنوب كردفان وأخرى في النيل الأبيض وكسلا والقضارف والأمر يجري فيه حوار واسع لذلك أجلنا مؤتمر الهيئة الشعبية لنتيح مساحة أوسع للحوار.
هل وجدتم قبولا في هذا الطرح…؟
أعتقد أن معظم القيادات التي إختلفت ستتفق على أنه لا توجد وسيلة أفضل من أن نوسع قاعدة الشورى والنقاش لنصل إلى رأي جماعي من القاعدة لأن الرأي الصفوي هو ما أحدث الإنقسامات لأن كلا سيعتد برأيه لكن عندما تأتي القواعد وتجاز كل الأوراق واللوائح فذلك يساعد في بناء الحزب, الآن الحزب تدهور وتاريخياً كان متقدما أكثر من الآن, أصبح التنظيم في الحزب متأثراً بالشمولية فهو يهدف إلى الحشد أكثر من النوع والتجويد وفي الخمسينات كنا تنظيم لا مركزي الآن أصبحنا تنظيما مركزيا كانت هناك مؤتمرات لأمناء الأقاليم كل ثلاثة شهور وهذا بدورة طور النقاش والتجويد في الأداء والإبتعاد عن الحشد.
ما الذي ستقدمونه حتى تعيد الأمور إلي نصابها لو أتيحت لكم الفرصة…؟
نحن مضطرون نراجع كل هذه الأسباب التي أدت إلي التدهور فلم تعد التظاهرات واحدة من آليات التفعيل الحزبي , حزب الأمة له أكثر من ثلاث نسخ من الدستور الآن لم نعرف أيهما سارية المفعول حيث لم توجد ولا واحدة منهن موقعة، (تبسم)، ثم قال: ربما النسخة التي وقعها الرئيس هي التي حسم بها خلافه مع إبراهيم الأمين ونسخة أخرى كانت بطرف مسجل الأحزاب لأن الأمر جله قائم علي الحشد وليس على تجويد الأداء.
أنتم بعد إنتخابات 2010م قررتم وحدة إندماجية مع حزب الأمم ألم تكن كل هذه العوائق موجودة.. ولماذا إرتضيتم الوحدة بهذا الشكل وهل تلقيتم ضمانات للإصلاح من رئيس الحزب…؟
والله طبعاً نحن تعرضنا لضغوط شديدة من كبار رجالات الحزب والأنصار وأنتم تعلمون أن في السودان إذا لم تستجب للجودية والصلح ستعزل من مجتمعك والناس بطبعهم يشتغلون بالجودية والصلح ولا يهتمون بالتفاصيل يدفعونك بأن تبارك الخطوة وبعدين المسائل تحل قدام لا يعلمون ما الذي يجري بعد ذلك, وأمام هذه الضغوط كانت إستجابتنا, كذلك من الأشياء التي دفعتنا إلي تلك الخطوة وضع البلد ما فيه مساحة التداول الذي يسمح لك بتأسيس الحزب وانتشاره لأن انتخابات 2010م كانت ظاهرة التزوير فيها لم تتح فرصة للتفكير في نزاهة الانتخابات في ظل نظام شمولي لذلك قررنا أن نركز في عملية الوحدة والبناء وبالتالي أتينا للوحدة.
ألم تكن هناك ضمانات لمجريات الأمور حتى تتوصلون إلى قترة إنتقالية داخل الحزب تتوج بمؤتمر عام…؟
أتينا للوحدة بحسن نية بأن يكون هنالك حوار ونقاش يفضي إلى إصلاح حقيقي لذلك منذ البداية قلنا ما دايرين وظائف بل سنستمر في عضوية الحزب لحين قيام المؤتمر العام لكن عندما فرضت علينا وظائف إضطررنا نقبل بها لكن الطرف الآخر لم ينفذ وعندما جاء للتنفيذ نحن شعرنا بهذه المشاكل وبالتالي رفضنا تولي أي وظيفة وتمسكنا بأن تكون هنالك مصالحة وإستقرار ولا نود أن نكون جزءا من الصراع لأننا بقبولنا للمناصب سنصبح عملياً كرسنا لعملية الانقسام ونحن نود في الأصل الإصلاح ولم الشمل لذلك لم نصل إلي اتفاق وظل الصراع قائما حول الكثير من المفاهيم وفي ذلك الوقت لم يكن الوقت مناسبا لإملاء الشروط من أجل الوحدة.

الوان


تعليق واحد