الصادق الرزيقي

الطريق إلى لواندا


> تلتئم اليوم قمة دول منطقة البحيرات العظمى في العاصمة الأنجولية لواندا، وهي قمة عادية يبحث فيها قادة اثنتي عشرة دولة في الوسط والشرق والغرب الإفريقي، قضايا الأمن والتعاون المشترك والأوضاع في المنطقة، خاصة في جنوب السودان وإفريقيا الوسطى وبورندي، ويشارك السودان بوفد رفيع يترأسه نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبدالرحمن.
> أهمية هذه المنظمة الإقليمية التي تأسست مطلع تسعينيات القرن الماضي، أنها تُعنى بمعالجة الوضع في منطقة البحيرات العظمى في إفريقيا التي تعج بالصراعات الدامية والحروب والحركات المتمردة أو السالبة، المتسببة في تفاقم النزاعات والصراعات الدامية التي أدت بدورها لغياب الاستقرار وانعدام التنمية، وتعد دول هذه المنظمة الأكثر حاجة إلى السلام والتنمية، باعتبار أن جلها من أكثر بلدان العالم تخلُّفاً وفقراً، وتعاني من مشكلات لا حصر لها في أكثر من مضمار.
> ونحن في الطائرة التي أقلتنا من الخرطوم في معية نائب الرئيس، ونحن نعبر أجواء إفريقيا الوسطى ومناطق شرق الكونغو وقريب منها صدى الأحداث في بورندي وليس بعيداً عن الأجواء التي عبرناها دولة جنوب السودان، وقد تجددت صراعاتها قبل يومين، فإن صورة المنطقة تحتاج من قادتها التوفر على معجزة لحل هذه الأزمات والصراعات، فليس هناك أفق قريب للحل، وتبدو السماء في قلب القارة السمراء ملبدة بغيوم سوداء داكنة وأعمدة دخان كالحة تحجب الرؤية السليمة، وتقلل من إدراكها وإحاطتها بكل ما يجري ويدور.
> بالرغم من أن هذه المنظمة الإقليمية تأسست من سنوات ولديها اجتماعات راتبة على مستوى القمة ووزراء الدفاع والخارجية وأجهزة الأمن ورؤساء أركان الجيوش وأمانة عامة تقوم بالعمل التنفيذي، وتعتزم إنشاء أذرع جديدة للعمل في مجال المرأة والشباب وفضاءات أخرى تهم شعوب الدول الأعضاء، إلا أن هناك صعوبات جمة تعترض طريقة عملها وتعوق تقدمها نحو أهدافها الكبيرة التي أُنشئت من أجلها.
> والسودان كبلد فاعل في مجاله الحيوي داخل محيطه القاري، يمتلك تصوراً معقولاً وربما مقبولاً من دول المنظمة الإقليمية المهمة، وَقاد مبادرات من قبل وفي قمم واجتماعات سابقة للتوصل إلى نهاية تجعل السلام يرفرف بأجنحته البيضاء في المنطقة، وتوجد تقاطعات وطموحات لبعض الدول الفاعلة في هذه المنطقة من القارة، ربما تكون سبباً من أسباب التوتر المستمر، بالإضافة إلى ارتهانات الإرادات السياسية في بعض دول المنطقة لمشروعات سياسية تقودها قوى دولية تعمل على إعادة صياغة وتركيب هذا الجزء من القارة، وتطمع في ثرواته.
> فمنطقة البحيرات الكبرى تعد أغنى بقعة في العالم بثرواتها ومواردها الطبيعية من المياه والغابات ومنتجاتها من الأخشاب، والبترول والماس والذهب واليورانيوم، وبقية المعادن النفيسة، وتعد من الأسواق الصاعدة في العالم وتجمع سكاني ضخم يفوق حجم استهلاكه تجمعات إقليمية في قارات العالم المختلفة.
> فإذا كانت التدخلات الخارجية في شؤون الدول الإفريقية هي سبب شقائها وتخلفها، نهباً للثروات وسلباً للإرادة، فليس من خيار لقادة دول المنظمة وكبار المسؤولين فيها، سوى التفكير بعيداً عن العوامل الرئيسة التي تفتح الأبواب أمام التفكير السليم لمنظومة الحلول التي تنتظرها المنطقة بكاملها والقارة بأكملها..
> في الطريق الى لواندا، ومن خلال نافذة الطائرة المطلة على الغابات والأنهار والبحيرات الضخمة والمدن والسهول والأدغال والسواحل الإفريقية، مرت أطياف من أحلام ووجوه لرموز الآباء المؤسسين، وأبطال معارك التحرير والاستقلال في قارتنا، من باتريس لوممبا وحوكموا كنيتتا وجوليسس نايريري وأحمد سيكتوري وكرامي نكروما وكنيث كاوندا وسام مجرمو وروبرت موغابي ودي بوا الملقب بـ«أبو الجامعة الإفريقية»، فكل هؤلاء قادوا التحرر من ربقة الاستعمار وحلموا بإفريقيا جديدة موحدة ومناهضة وقوية ومستقرة، فأين هي الآن من كل ذلك؟!..