مقالات متنوعة

محمد سيد احمد : مواصلة للقراءة في المقارنة الأمريكية لـ «حروب السلام» في الماضي الأوروبي والحاضر الإسلامي بين طهران والرياض


> مواصلة لما أشرنا له أمس بشأن الرؤية الامريكية لـ «حروب السلام» على النحو الذي جرى في الماضي الاوروبي والمقارنة بينه وبين ما يجري في الحاضر الإسلامي الحالي بقيادة كل من طهران والرياض، فقد ذكر عميد مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكتر فالى نصر، في مقاله الذي نشره على الموقع الالكتروني لمجلة «فورن بوليسي» بتاريخ 22 يناير الماضي، ونشرت دورية «دايجست» الشهرية الصادرة عن مركز سلام للدراسات الاستراتيجية بالخرطوم في عددها الاخير ترجمة عربية لها تحت عنوان «الحرب في سبيل السلام»، ذكر أن الصراع بين السنة والشيعة برز كتصدع كبير في سياسات الشرق منذ الحرب الأمريكية على العراق، وذلك على النحو الذي أجج الصراعات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وأدى إلى التطرف وآفة ما تسمى دولة الخلافة الإسلامية المزعومة في الشام والعراق، إضافة إلى تصاعد التوترات بين إيران والسعودية حتى صارت بمثابة الاصطدام الأكبر بينهما كمتنافسين إقليميتين خلال عقود.
> ويشير فالي نصر إلى أن الموقف الشائع الذي يتكرر في الغرب الأوروبي والأمريكي، هو أن هذا عداء عمره «14» قرناً بين السنة والشعية في العالم الإسلامي ونحن لا نفهمه، وقد قال الرئيس الامريكي باراك أوباما أكثر من ذلك في خطابه حول حالة الاتحاد بالولايات المتحدة، حيث وصف الشرق الأوسط بأنه منطقة متجذرة فيها الصراعات التي تعود إلى الف سنة منصرمة! وبالطبع فإن المعنى الضمني غير الحقيقي لذلك، هو أن هذا النوع من السياسات ذات الطابع الديني هو صراع تجاوزه الغرب منذ فترة طويلة ماضية.
> ويضيف فالي نصر أنه صحيح أن الهويات الشيعية والسنية تشكلت بسبب الخلافات الدينية الإسلامية قبل قرون مضت، ولكن يجب عدم استبعاد خروج الطائفية عن السيطرة كعداء قديم يتحدى المنطق الحديث، حيث أن فورة العنف الحالية في الشرق الأوسط هي ظاهرة حديثة وناتجة عن سياسات وأولويات معاصرة، وعلاوة على ذلك فهي لا تتجلى في الميادين اللاهوتية الغامضة وإنما في الساحات السياسية الراهنة، فالطائفية الحالية هي عاصفة شاملة، وهي نتاج لعوامل عديدة موجودة في المنطقة، وقد وُلدت هذه الآيديولوجية الطائفية الإسلامية الحديثة في ثلاثينيات القرن الميلادي العشرين الماضي في العالم الإسلامي، وهي تدعو لإنشاء دولة إسلامية مثالية مبنية على القانون والشريعة كدواء شافٍ يتطلع إلى الدين من أجل الحداثة المثالية.
> ويشير الخبير الأمريكي فالي نصر إلى أن الدولة الإسلامية ليست مجرد فكرة عامة، حيث أنها تتطلب الأخذ بالمفاهيم الشيعية أو السنية للإسلام، فلكل من الشيعة والسنة نهجهم وتفسيرهم وممارستهم الخاصة للإسلام، وبالتالي فلن تكون هناك دولة إسلامية غير طائفية، وفي منطقة الإسلام فيها مهم جداً للسياسة، فمن الحتمي أن يكون السؤال الحاسم هو «ما معنى الإسلام ومن هو المسلم؟»
> ويضيف فالي نصر أن الزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني تعلم هذا الدرس بطريقة صعبة، بعد أن قاد الثورة الإيرانية التي أطاحت الحكم الشاهنشاهي الإيراني السابق، واعتبر نفسه حينها زعيماً لكل المسلمين، لكنه رُفض من قبل عدد متزايد السنة باعتباره زعيماً للشيعة، بينما امتلأ الشيعة بالأمل والفخر به، وكما هو معلوم فقد استجاب الرئيس العراقي صدام حسين آنذاك لتحدي ثورة الخميني بطرد الشيعة من صفوف حزب البعث، وقتل رجل الدين الشيعي العراقي محمد باقر الصدر.
> ويضيف فالي نصر أنه في ذلك الوقت كان الرئيس الباكستاني ضياء الحق قد بدأ يستخدم الدين في السياسة، حيث فرض الزكاة حينها كضريبة دينية إلزامية، لكن الشيعة الباكستانيين الذين شجعتهم الثورة الإيرانية آنذاك، أعلنوا استقلالهم الطائفي ورفضوا الخضوع لتجربة الرئيس ضياء الحق المشار إليها في إنشاء دولة إسلامية باكستانية، وقد استسلم الرئيس ضياء الحق سريعاً وقتها، لكن السنة الباكستانيين الممتعضين رفضوا هذا الاستخفاف وبدأوا في صدامات طائفية عنيفة مازالت محاصرة لباكستان منذ ذلك الحين حتى الآن.
> ويشير الخبير الامريكي فالي نصر إلى أن الايرانيين كانوا دائماً في وضع غير مواتٍ لتصدير ثورتهم إلى العرب والباكستانيين، ولكن جدار الحماية الحقيقي الذي جعل الثورة الايرانية محاصرة كان هو الطائفية، فقد أوقف السنة بقيادة المملكة العربية السعودية العاصمة الايرانية طهران في حدودها، ومن بدأ يظهر في باكستان يظهر للعيان الآن في الشرق الأوسط بعد ان اقحمت الثورة الايرانية الاسلام في السياسة الاقليمية لهذه المنطقة المهمة.
> ويضيف فالي نصر انه منذ الحرب الامريكية على العراق عام 2003م سيطرت المصالح الطائفية على الخطاب السياسي في المنطقة، وضاعفت سلسلة الاحداث التنافس الحاد الذي بدأ منذ ذلك الحين، وفي ذروة الربيع العربي عام 2011 انقسم الرأي العام في المنطقة حول أية أزمة أكثر أهمية وأي قمع للمعارضة أكثر عدوانية، حيث ان السنة في القاهرة والرياض غاضبون على سفك الدماء الجاري في سوريا، بينما ندد الشيعة في بغداد وطهران بالقمع العنيف للاحتجاجات في البحرين، ولم يكن مفاجئاً ان يلجأ الحكام الى الطائفية لافشال المطالب الشعبية بالتغيير، ولكن بالطبع فإن استراتيجية البقاء هذه كانت عالية الكلفة، وبينما تخلصت البحرين من حركة المعارضة التي يقودها الشيعة سقطت سوريا والعراق في حرب أهلية مهدت بدورها لصعود ما تسمى الدولة الإسلامية المزعومة في الشام والعراق، حيث أبرزت نفسها وجيشها الطائفي العنيف باعتبارها سيف السنة ملوحة به في وجه العالم الشيعي والغرب الامريكي والاوروبي، والسؤال هو إلى متى سينتهي هذا؟
> ويجيب الخبير الامريكي على سؤاله بأنه يبدو أن انهيار جدار إبعاد ايران من المنطقة قد تم بموافقة امريكية، وانه قد حان الوقت للتكيّف مع هذه الحقيقة الجديدة المتمثلة في شرق أوسط بحضور شيعي أكثر ودور إيراني أكبر في شؤونه، ولكن لن يكون هناك سلام بين السعودية وإيران حتى يتم قبول هذه الحقيقة المؤلمة للتوازن السياسي الجديد، وفي ذلك الوقت فقط يمكننا أن نتحدث عن إخماد نيران الطائفية الراهنة والمتأججة في هذه المنطقة الاستراتيجية..
وربما كانت لنا عودة.