عبد الجليل سليمان

حكاية المُستاء والمنفرجة


يأتي الآن، ليقول أنا مستاء، وإن شراكتنا مع المؤتمر الوطني سيئة جدًا، ويمكن أن نبحث لها عن اسم آخر، إنه السيد الحسن بن السيد مولانا محمد عثمان الميرغني الختمي، الذي أفرحني وسرني تصريحه ذاك الذي ورد ضمن حوار أدارته معه الزميلة بالسوداني (لينا يعقوب)، ومصدر فرحي وسروري وغبطتي أن الرجل ظل ينفخ فينا إبان (عسل) حزبه مع المؤتمر الوطني بعبارات مثل سنحل مشاكل السودان في (181) يومًا، وسنحكم البلاد عام (2020)، فيما يقول حامد ممتاز أنهم سيمكثون (25) سنة أخرى، وهكذا ظل (مولانا الصغير)، يتحفنا ويشنف آذاننا بمثل ذلك الغناء السياسي الرقيق والشفيف، حين كنا – نحن – “نحن الواقفين على خطوط النار” كما يقول محمود درويش، نسخر من كل هذا و من عبارات كان الرجل يطلقها على مناوئيه في الحزب العجوز الكهل، فيصفهم بـ (الدواعش)، ويطرب (ناس المؤتمر الوطني) أيما طرب حتى يكادوا – كعادتهم – يعرضون ويرقصون وسباباتهم وعصّيهم صاعدة إلى عنان السماوات، مفارقة للأرض.
الآن، يخرج الرجل من القصر إلى مكتبة في دائرة الميرغني ببحري، ثم يأتي إلى ثالثة السوداني، ويحاول الالتفاف على ما صرّح به، فيقول “مستاء لأننا لم نستطع تحقيق ما كان من المفروض علينا تحقيقه في (180) يومًا، (نقصها يوم)، لقد وعدنا الناس بإحداث تغييرات حقيقة على أرض الواقع، لكننا نحقق واحدًا على ألف مما ننوي”.
يا رجل، أنت حسن الظن بنفسك، وسيئ الظن بالمواطنين، أكنت تعتقد أنهم صدقوا ما قلت بخصوص إمكانية حل مشاكل البلاد والعباد في أيام معدودات؟ هل تظن أن على رؤوسنا (قنابير وطرابيش وطيور)، كلا سيدي، لم يصدقك أحد، بل كانوا مِنك يسخرون، صدقني.
لكن لا عليك، فالمشوار أمامك مُنبسط وممدود، ابدأ بحزبك ثم تعال إلى وطنك، الإصلاج يبدأ من البيت، هذه قاعدة ذهبية، خذها عني أنا العبد الفقير إلى ربه، نصيحة خالصة لوجه الله تعالى، لا نريد منكم مقابلها جزاءً ولا شكورا.
ثم إنك يا مولانا، لا ترهق نفسك، ولا تكبدها مشقة تغيير اسم الشراكة بين حزبك والوطني الحاكم، فقط اعملوا مع شظايا وبقايا الأحزاب الهلامية المتحركة كأشباح في ساحة سياسية فاضية (فيما عدا) الوطني الحاكم وبعض (الحركات) المسلحة، اعملوا على اجترح نظام ديمقراطي تداولي حقيقي، بدءاً من أحزابكم ثم إلى النظام السياسي برمته، حينها يمكنك أن تتحدث مليّاً، أما وأنت وحزبك في حالتكما الراهنة، أظن أن عليكم العمل في صمت، أو حديث (جميل)، عوضًا عن هذا الذي تنتجون حتى ظنناكم عضو أصيل في الحزب الحاكم، حيث صرتم تتحدثون مثلهم تمامًا، فيما جرت عادتكم كختمية واتحاديين، أن تتمهلوا كثيرًا وحد الملل، حتى إذا غامت عليكم الأمور واستشكلت واشتدت عليكم الأزمات واستحكمت، لم تكونوا تصيحون في الناس (مستائين، مستائين)، بل كنتم تقرأون في لياليكم المشحونة بالبخور و(فتة الرز)، كنتم تقرأون (المنفرجة) وتبتهلون بها الله سبحانه وتعالي، فاقرأها معي سيدي الآن، وكل شئ ينفرج بإذن الله: “اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج/ وظلام الليل له سُرجٌ حتى يغشاه أبو السُرج/ وسحاب الخير له مطرُ فإذا جاء الإبان تجي/ وفوائد مولانا جُمَلٌ لشروج الأنفس والمُهجِ/ ولها أرج محي أبداً فاقصد محيا ذاك الأرَجِ/ فلرُبما فاض المحيا بِبُحور الموج من اللجَجِ/ يا رب بهم وبآلهم عجل بالنصر وبالفرج/ وأختم عملي بخواتمهم لأكون غداً في الحشر نَجِيِ”.