جعفر عباس

شتان ما بين جعفر وهاري بوتر (1)


على مدى بضع سنوات لم يكن لي شغل ولا شاغل سوى قراءة روايات هاري بوتر للكاتبة البريطانية ج. ك. (جوان كاثلين) رولنغ، وبينما كان الملايين يصطفون أمام المكتبات في أوروبا وأمريكا للحصول على الجزء الرابع من الرواية كنت مثل حبيبي المتنبي أنام قرير العين هانيها بعد أن كلفت ولدي الذي كان وقتها في بريطانيا بالوقوف في الصفوف بدلاً مني والحصول على نسختي، وإرسالها إليّ بالبريد السريع، وقد فعل ذلك مشكوراً مما حدا بي إلى تعديل وصيتي بحيث تكون نظارتي وساعتي أيضاً من نصيبه. قد يثير كل ذلك عجب البعض لأن هاري بوتر أساساً رواية للأطفال، ولكن ما البأس في ان يقرأها شخص مثلي كان محروماً في طفولته من أشياء كثيرة، فباستثناء بعض الألعاب الكهربائية مثل النينتندو والبلاي ستيشن، لم يكن لدي ما أتسلى به على عهد الطفولة، ولكن حتى تلك الألعاب كانت عديمة الجدوى لأنها لم تكن توجد إلا في مخيلتي ولأنني لم أتعامل مع الكهرباء إلا بعد أن بلغت سن اليأس الشبابي.
لم أتعلق طوال حياتي بعمل روائي من عدة أجزاء مثل تعلقي بسلسلة روايات هاري بوتر، مع أن كل ما فيها شطح خيال طفولي يحوم بك في عالم السحر، وأعجبت بالمؤلفة رولنغ التي كانت إلى ما قبل ثلاث سنوات من إصدار الرواية الأولى من السلسلة تعيش على الضمان الاجتماعي مع ابنتها الصغيرة (نحو 250 جنيها استرلينيا في الشهر)، فقفز رصيدها المصرفي إلى أربعين مليون إسترليني خلال ستة أشهر.
وتذكرت كتابي الأول «زوايا منفرجة»، الذي أصدرته في دولة قطر. نعم يا جماعة فبسبب عقدة من علم الرياضيات الذي كاد أن يطيح بمستقبلي فإنني أسمي الأعمدة الصحفية التي أكتبها بأسماء الزوايا في علم الهندسة وظللت أكتب «زاوية منفرجة» في الصحافة المحلية في قطر منذ عام 1990. ثم صرت أكتب «زاوية حادة» في صحف مهاجرة وسودانية، وزاوية معكوسة في مجلة سعودية، ولما جاء الدور على الزاوية القائمة في صحيفة «أخبار الخليج» غلب الطبع التطبع، وصارت القاف في «قائمة» غينا.
المهم أنني لمست إقبالا على «الزاوية المنفرجة» التي ولدت على صفحات جريدة الشرق القطرية ثم تبنتها الوطن القطرية فجمعت بعض المقالات المختارة في كتاب يمثل عصارة فكري المضطرب، وقوبل الكتاب بترحاب شديد وكتبت عنه العديد من الصحف في منطقة الخليج وبحر الشمال، وجلست في البيت عدة أيام لأقوم بحصر التركة وتقدير الثروة التي ستهبط عليّ من مبيعات الكتاب وسبل إنفاق تلك الثروة وإذا ما كنت سأكتفي بزوجة ثانية أم أتزوج بالجملة، وبعد بضعة أيام اتصل بي مدير الشركة التي تتولى توزيع الكتاب وقال وصوته يغرّد فرحاً إن مبيعات الكتاب فاقت كل تقدير وطلب مني زيارة مكتبه لتسلم الدفعة الأولى من نصيبي من عائدات بيعه، وذهبت إليه مصطحباً صديقاً يعمل في الشرطة ليحرسني من كيد اللصوص والنساء، فالنساء كما قال الشاعر علقمة بن عبدة الفحل:
يردن ثراء المال حيث يجدنه
وشرخ الشباب عندهن عجيب
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله
فليس له من ودّهن نصيب
ولعنت إبليس، وقلت إن أم الجعافر التي يا ما افتريت عليها في مقالاتي أولى بالثروة المرتقبة، ولن تستطيع حتى نبيلة عبيد أن تتقاسمني معها، وذهبت لمقابلة مدير الشركة التي كانت تتولى توزيع كتابي ذاك.
وغدا بإذن الله نسمع منه وعنه.

jafabbas19@gmail.com