منصور الصويم

ميرغني جوجوي


رحل الأسبوع الماضي في مدينة نيالا الرجل الخلوق والحرفي الفنان والنقابي المتقدم، ميرغني جوجوي. وجدت خبر رحيله في إحدى صفحات أبناء نيالا على موقع “الفيسبوك”، لحظتها أصابني حزن ثقيل، فميرغني – في رأيي – إحدى الشخصيات النادرة جدا وذات الإسهامات الحرفية والنقابية والاجتماعية الكبيرة في مدينة نيالا، وكامل ولاية جنوب دارفور. معرفتي بالراحل تعود إلى منتصف الثمانينيات، وقتها كنت طفلا، وكان هو شابا في مقتبل العمر، فتح ورشة جديدة للحدادة الخفيفة “تصنيع الأثاث المنزلي والشبابيك والأبواب ومستلزمات المدارس… الخ”، وكان والدي – رحمه الله – قد سبقه بأعوام قلائل في ولوج نفس المجال، وكان هذا مدخل تعرفي به، وبتجربته المختلفة، وذلك يعود إلى إعجاب والدي بهذه الروح الشبابية التجديدية الفنانة التي بدأ يضخها “جوجوي” في مهنة “الحدادة” بالمنطقة الصناعية – نيالا.
أول ما لفتني إلى الراحل الكبير – وأنا طفل – كانت طريقته في ارتداء زي مخصص للعمل، فهو أول فني – مهندس، على الإطلاق، أشاهده مرتديا “أبرول” العمل الأزرق، صورة تختلف تماما عن ما هو سائد وقتها من انتشار للأزياء المتسخة بالزيوت والشحوم وسخام السيخ والحديد؛ التي كان الكل ودون فرز يرتدونها، داخل المنطقة وحتى خارجها، وهم عائدون إلى منازلهم.. إذن الرجل – حسب ذاكرتي – أول مؤسس حقيقي للوجه الحضاري في المنطقة الصناعية – نيالا، وهي لمن لا يعرف إحدى أكبر المناطق الصناعية في السودان، وأكثرها غنى وثراء أيضاً.
الشيء الآخر الذي لفتني في تجربة المعلم الكبير الراحل “جوجوي”، خلافا لابتسامته المشعة دائما؛ تلك الآلات الجديدة التي بدأ استخدامها في منطقة نيالا مع افتتاحه لورشته الحديثة، آلات سهلت العمل كثيرا على المعلمين والصبية، أذكر منها آلة لثني الصاج الثقيل وتقطيعه، وأخرى لتقطيع المواسير، وكلها تصنيع محلي، ومن يقوم بتصنيعها، المهندس ميرغني جوجوي، بنفسه.
في علاقته بالعمل النقابي، أسهم الراحل ميرغني جوجوي بأدوار كبيرة، بل أكاد أقول إنه أول من جدد في روح النقابات الحرفية بمدينة نيالا، وجعلها لصيقة بهموم ومشاكل العمال الصغار، وساعد في أن يتسنم إداراتها عدد مقدر من الفنيين و”المعلمين”، الذين على ما يبدو لم يكن العمل النقابي ضمن أولياتهم، أو لم يكونوا على دراية بأهميته.. وهنا في هذه الدائرة يتلاقى الراحل مع والدي، إدريس الصويم؛ في جانب الاهتمامات، فكلاهما كان مهموما بالآخر وحقوقه وقوته في حال وحدة الكلمة نقابيا.
رحم الله الراحل ميرغني جوجوي، وأحسن إليه، بقدر ما قدم لزملائه ولمهنته ومدينته نيالا.