استشارات و فتاوي

هل يجوز رد الدين بزيادة؟


هل يجوز رد الدين بزيادة؟
فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته، قبل ثلاثة أعوام اشتريت من صديق لي يمتهن التجارة غرضاً بسعر أربعمائة جنيه سوداني (يعادل حوالي المائة دولار في ذلك الزمان). تذكرت الموضوع بعد مرور تلك السنوات، سؤالي كيف أرد دين صديقي؟ علماً بأن المائة دولار الآن تعادل ثمانمائة جنيه سوداني، والغرض الذي اشتريته منه في ذلك الزمان سعره الآن يقارب الألف جنيه سوداني، والله أنا في حيرة من أمري إذ أخشي أن أعطيه أكثر من أربعمائة جنيه وحينها قد تكون ربا أو أعطيه الأربعمائة ولكني أعلم يقينا بأنني سوف أظلمه.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فعليك المبادرة بقضاء ما عليك من ثمن ذلك الغرض؛ لأنك لا تدري متى يفجؤك الموت، وقد قال النبي صلى الله علـيه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدينه) ولا حرج عليك في أن تعطيه الألف جنيه وليس في ذلك ربا؛ لأنه ما اشترط عليك زيادة ولا طلبها، وإنما هو من باب مجازاة الإحسان بالإحسان؛ وقد قال النبي صلى الله علـيه وسلم (خيركم أحسنكم قضاء) عَنْ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بَكْراً. فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمَ، أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ. فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إِلاَّ جَمَلاً خِيَاراً رَبَاعِياً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله علـيه وسلم: «أَعْطِهِ إِيَّاهُ؛ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» رواه مسلم تحت عنوان: باب من استسلف شيئاً فقضى خيراً منه. ورواه مالك في الموطأ تحت عنوان: باب ما يجوز من السلف. قال الخطابي في (معالم السنن): البكر في الإبل بمنزلة الغلام من الذكور والقلوص بمنزلة الجارية من الإ ناث والرباعي من الإبل هو الذي أتت عليه ستة سنين ودخل في السنة السابعة فإذا طلعت رباعيته قيل للذكر رباع والأنثى رباعية خفيفة الياء.ا.هـــــ قال ابن عبد البر في (الاستذكار): قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْبِضَ مَنْ أَسْلَفَ شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الطَّعَامِ أَوِ الْحَيَوَانِ مِمَّنْ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا أَوْ عَادَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أو أي أَوْ عَادَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا خَيْرَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى جَمَلًا رَبَاعِيًا خِيَارًا مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَى خَيْرًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْتَسْلِفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ وَلَا وَأْيٍ وَلَا عَادَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ…. ثم قال ابن عبد البر: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا إِنِ اشْتَرَطَ فِي السَّلَفِ زِيَادَةً كَانَ حَرَامًا وَإِنِ اشْتَرَطَ عَلَى الْغَرِيمِ هَدِيَّةً كَانَ حَرَامًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ. قَالُوا وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً لَا خَيْرَ فِيهِ، وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ، قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَهَذَا عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً وَأَمَّا إِذَا أَهْدَى إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ به عِنْدَهُمْ.ا.هــــــ وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ قَرْضٍ وَغَيْرِهِ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِنَ الَّذِي عَلَيْهِ وَهَذَا مِنَ السُّنَّةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْقَرْضِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فِي الْأَدَاءِ عَمَّا عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُهَا سَوَاءٌ زَادَ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْعَدَدِ بِأَنْ أَقْرَضَهُ عَشَرَةً فَأَعْطَاهُ أَحَدَ عَشَرَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْعَدَدِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَحُجَّةُ أَصْحَابِنَا عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً.ا.ه