جعفر عباس

كسلان بس فنان


أستمتع كثيراً بقراءة بريد القراء في الصحف الإنجليزية لأن أصحاب الرسائل يناقشون الصحيفة في مختلف الشؤون ويطرحون آراء وملاحظات قيمة حول هذا الشأن أو ذاك، ومعظم المساهمين في تلك الصفحات من المشاهير الأعلام، ولو نشرت صحيفة عربية رسالة لأستاذ جامعي أو شخصية عامة معروفة في بريد القراء فإنه يعتبر ذلك إهانة بالغة ويصاب بعقدة نفسية ويتوقف عن الإرسال والكتابة.
غير أنني لاحظت عبر سنين طويلة أن بريد القراء في صحيفة الأهرام المصرية يكاد يكون الاستثناء الوحيد من تلك القاعدة، فبريدها اليومي يحمل في المتوسط نحو ثماني رسائل من كتاب وقراء معروفين ومغمورين. صحف المهاجر العربية أيضاً لا تجد حرجاً في نشر رسائل لأسماء مشهورة في زوايا «البريد» ولكن الأمر يقتصر عندها على رسالة أو اثنتين. ما علينا، نعود إلى «الأهرام» التي أكتفي في معظم الأحيان بقراءة بريد قرائها، وأستعرض معكم رسالة توقفت عندها كثيراً قبل حين من الدهر.
صاحب الرسالة يقول إن أحد معارفه كان موظفاً حكومياً، كرّس سنوات خدمته للتهرب من العمل، وأثبت كفاءة عالية في هذا المجال، بحيث انه عندما أحيل إلى التقاعد بعد عشرات السنين من «عدم» الخدمة، كان لا يزال موظفاً صغيراً، ذلك لأن عبقريته الفذة في ممارسة الكسل والتهرب من الواجب أكسبته إعجاب رؤسائه، فلم ينعموا عليه بترقية كي لا يثقلوا كاهله بأعباء وظيفية حقيقية.
والحكاية لا تنتهي هنا، فصاحب الرسالة يقول إنه بعد بضع سنين من تقاعد صاحبنا الكسول، أتاه ابنه، أي أن ابن الرجل الكسول، أتى إلى قارئ الأهرام ليطلب منه مساعدته للالتحاق بوظيفة في الإذاعة. وبالتحديد في البرنامج الموسيقي. ولماذا اخترت يا بني الإذاعة وهذا البرنامج بالذات في هذا المنعطف الحاد من تاريخ أمتنا الباسلة؟ إجابة الشاب الباحث عن وظيفة كشفت أنه ورث عن والده الكثير من المواهب. وكما ذكرنا أعلاه فقد كان والده كسولاً عصامياً.
برر الشاب رغبته في الالتحاق بالبرنامج الموسيقي في الإذاعة بأن والده أبلغه بأن ذلك البرنامج يقدم فاصلاً موسيقياً متواصلاً من الثانية عشرة من منتصف الليل حتى الثامنة صباحاً، وكل العمل المطلوب هو أن يأتي شخص ليقول «والآن نقدم لكم فاصلاً موسيقياً يبقى معكم حتى الصباح». طيب يا ابني وما هو دورك في كل هذا؟ ما هو العمل الذي ستؤديه؟ يا عمي أبي قال لي إنني لو التحقت بالبرنامج الموسيقي، يجب أن أطلب العمل في النوبة الليلية التي لا يرغب فيها بقية العباد، وبالتالي ما ان يبدأ الفاصل الموسيقي حتى أتمدد على أريكة مريحة وأشبع نوماً، وبالتالي سأتقاضى راتباً نظير النوم في الإذاعة!
ألا توافقونني أن هذا الشاب وأباه «عباقرة» وواقعيون. ما الحاجة إلى أن نتفانى جميعاً في العمل طالما أن غيرنا يقومون به على أكمل أو أتعس وجه، وطالما أن الحكومة – أي حكومة – تعطي جميع الموظفين الرواتب التي قسمها الله لهم؟ عزيزي القارئ هل يتوقف العمل عندما تكون مريضاً أو في إجازة؟ هل يتعرض العالم إلى الانهيار الاقتصادي خلال العطل الأسبوعية والعامة؟ ان العمل المقيد بساعات رسمية هو أسخف ما أنتجه العقل البشري، ولهذا فإنني من أقوى مؤيدي «الكتاب الأخضر» للقذافي، وخاصة تلك الفقرة البليغة التي تقول «شركاء لا أجراء» لأنها تعطيني الحق في أن أصبح صاحب عمل وليس مجرد أجير من عبدة «آخر الشهر»، وكشريك في العمل يصبح من حقي أن أعمل على كيفي وأن أتغيب بكيفي وأن أتقاسم مع الآخرين نتاج العمل «على داير المليم».

jafabbas19@gmail.com