الطيب مصطفى

إنها المسخرة ورب الكعبة !


بدون أن يطرف له جفن وكأنه الحاكم بأمر الله أعلن د.محمد الأمين خليفة عن (ترتيبات لتسليم حكومة دولة جنوب السودان توصيات ومخرجات الحوار الوطني خلال الأيام القادمة بعد أن دعا إلى توحيد الدولتين في إطار بلد واحد كبير) !!!
كل هذا يحدث من وراء الشعب السوداني المكلوم والمغلوب على أمره بل من وراء مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان ومجلس الوزراء أو حتى وزير الخارجية الذي يفترض أنه المعبر عن علاقات السودان مع الدول الأخرى بعد أن نصب رئيس لجنة السلام والوحدة بالحوار الوطني محمد الأمين خليفة نفسه الحاكم المطلق الذي لا معقب لحكمه والناطق الأوحد باسم الشعب السوداني والذي يفتي ويقرر في أخطر القضايا الوطنية.
حوار منقوص لم تشارك فيه قوى سياسية معتبرة ولم يجز حتى الآن من الجمعية العمومية للأحزاب السياسية التي انخرطت في الحوار الجاري الآن والمفترض أنها ستقرر في شأن هذه التوصيات رفضاً أو قبولاً أو تعديلاً وبالرغم من ذلك يعلن الرجل أنه سيسلم تلك (التوصيات) إلى حكومة جنوب السودان وليس إلى حكومة السودان.
يبدو أن محمد الأمين خليفة وحزبه، المؤتمر الشعبي ، لم يتعلما رغم (المرمطة) التي تعرضا لها من تجربة الإنقاذ التي تجاوزت ربع قرن من الزمان .. أقول لم يتعلما من الدروس والعبر ما يكفي لردعهم عن منهج التحكم في مصير البلاد والعباد كما لم يتعلما ما يقنعهم بإخطار السلطة المطلقة التي تعتبر البلاد كلها مجرد قطعة أرض مملوكة لأصحاب تلك السلطة بشهادة بحث تقرر في شأنها كما تشاء وبما تشاء.
بالرغم مما حدث في دولة الجنوب من مذابح وحرب أهلية تدور رحاها حتى اللحظة جعلت المتقاتلين من أطراف الصراع يأكلون لحوم بعضهم بعضاً مما أوردته وكالات الأنباء وبالرغم من الفشل الذي جعل شعب الجنوب يفر بالملايين من (أرض الميعاد) التي لطالما حلم بها وصوت بالإجماع في سبيل استقلالها وبالرغم من اتفاقية نيفاشا المشؤومة التي أجّجت الصراع في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وبالرغم مما جرته وحدة الدماء والدموع بين الشمال والجنوب على مدى نصف قرن من الزمان في حرب أهلكت الحرث والنسل لا يزال بعض قصار النظر يرزحون في رمضاء الماضي الكئيب لا يستطيعون فكاكاً من قيده المشؤوم.
بربكم هل من عاقل في هذه الدنيا يمكن أن يفكر في ضم بلاد بلغت من الضنك والبؤس درجة أن يهجرها أهلها فراراً من الموت الذي يتخطفهم والجوع الذي يهلكهم والحروب التي تفتك بهم ؟
من هم أولئك المجانين الذين يختارون ان يزيدوا من اعبائهم واحمالهم وحروبهم واوجاعهم غير بعض الحمقى من قياداتنا السياسية التي ادمنت الفشل ، وكاننا (ناقصين) ضيقا في العيش وحروبا تقض مضاجعنا وفقرا ينقص حياة مواطنينا وتخلفا جعلنا نتذيل دول العالم او نكاد ؟
رغم ذلك يأتي من يفرض علينا أجندته الغريبة ويقرر بالنيابة عنا وكأننا أثاث في منزله يحركه حيث يشاء.
محمد الأمين خليفة يظننا نحمل (قنابير) على رؤوسنا حين يعقد المقارنة بين السودان ودولة جنوب السودان من جهة وبين كل من الألمانيتين واليمنين ناسياً أو متناسياً او متجاهلاً ان شعبي الدولتين لم يقررا الانفصال بموجب استفتاء لتقرير المصير كما حدث لشعب الجنوب إنما فصلت الدولتان بعمليات قيصرية جراء الاختلاف الايديولوجي بين حكامهما بعيداً عن شعوبهما فكانت كل من المانيا الغربية واليمن الشمالي تتبنيان النظام الراسمالي بينما كانت المانيا الديمقراطية واليمن الجنوبي تابعتين للمعسكر الاشتراكي الشيوعي وبمجرد أن انهارت الشيوعية اندمج شعبا الألمانيتين وحدث شيء مشابه لشعبي اليمنين، أما شعب جنوب السودان فقد اختار الانفصال وخاض حروباً ضد الشمال بدأت في عام 1955 بما عرف بتمرد توريت قبل استقلال السودان ولن ننسى أحداث الأحد الدامي التي أشعلها أبناء الجنوب في قلب الخرطوم عام 1964 وأحداث الإثنين الأسود التي انفجرت عقب مصرع قرنق في الخرطوم عام 2005 أي بعد 50 عاماً من أحداث توريت.
ما الذي يجعل البعض يتجاهلون التاريخ ويعملون على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء بعد أن احتفل الجنوبيون باستقلالهم منا والذي لم يحتفلوا به عندما نال السودان استقلاله عام 1956 حين قالت نخبهم (لقد استبدلنا سيدا بسيد) أي استبدلنا الانجليز بالشماليين؟!
منطق غريب ذلك الذي يجعل رجلاً في وعي وخبرة محمد الأمين خليفة يتكئ على حجج واهية لدرجة أن يتحدث عن النيل الذي يضمنا وأن أمن الشمال لا يتجزأ من أمن الجنوب بالرغم من علمه أن الجنوب كان ولا يزال أكبر مهددات الأمن القومي السوداني، أما النيل فإنه يجمعنا مع مصر التي يعتبر انضمامنا إليها أكثر فائدة بما لا يقارن مع الجنوب سيما وأننا كنا دولة واحدة في كثير من حقب التاريخ.


‫3 تعليقات

  1. الله يهدينا ويهديك يا شيخ
    ولا نقول الا ما يرضى الله…………حسبنا الله ونعم الوكيل

  2. تسرع الاستاذ الطيب مصطفى في الرد قبل أن يقرأ الفقرة التي تخص جنوب السودان، فقد جاء في الخبر المنشور بالجرائد أن الجزء الخاص بالوحدة بين الدولتين والتي اقترحها البعض في مخرجات الحوار الوطني سوف تسلم لدولة جنوب السودان وليس كل مخرجات الحوار الوطني، محمد الامين خليفة يحمل من الحكمة ما لا نجده في ألف من السياسيين الموجودين في الساحة الآن، (ولدته أمه) فقد انحرفت الانقاذ بعد ذهاب هذا الرجل الزاهد التقي الورع والسياسي المحنك. ليته يترشح للرئاسة لنفخر به رئيسا لنا