يوسف عبد المنان

الضعين اليوم


حتى أمسية أمس (الأحد) اقتربت لجان الوساطة من الوصول لاتفاق ينهي الحرب الدامية التي نشبت بين بطون قبيلة واحدة في غرب السودان (المسيرية).. وراح ضحيتها أكثر من مائتي قتيل من (البطنين) (أولاد عمران والزيود) كلاهما أبناء عمومة.. من المسيرية (الحجايرة) نشبت بينهما فتنة حول الأرض والعائد الزهيد جداً من البترول.. فحصد سلاح الحكومة الذي ينتشر في تلك البقاع من أرض السودان.. أرواح الشباب حصاد النار للعشب الجاف.. ومنذ أسبوع انتقلت ولاية غرب كردفان بكل رموزها من إدارة أهلية وأعيان ورموز سياسية ووالي وأعضاء حكومته إلى حاضرة شرق دارفور الضعين التي يتوسط (أهلها) لإصلاح ما أفسدته الأيام بين بطون قبيلة المسيرية.. مع أن الضعين نفسها التي تقود الصلح بين بطون المسيرية كانت (ضيفة) على الفولة عاصمة غرب كردفان التي تقدمت أيضاً بمبادرة لإصلاح ما بين (الرزيقات والمعاليا)، أي أن الضعين التي تمسح دموع المسيرية وتجفف دماءهم هي نفسها تحتاج للمسيرية ليمسحون دموعها ويجففون دماءها.. ومنذ قديم الزمان مشكلات الرزيقات يتم حلها في دار المسيرية.. ومشكلات المسيرية لن يستطيع حلها إلا الرزيقات.
الضعين اليوم قد تشهد التوقيع على صلح يطوي صفحة دامية من نزاع الأشقاء والأهل.. وفي مثل هذه الأيام من العام الماضي وقع بطون المسيرية (الزيود وأولاد عمران) على وثيقة مصالحة في مدينة “النهود”.. تلك الوثيقة كتبت على عجل وقبل أن يجف مدادها تجددت الاشتباكات على الأرض وحصدت البنادق مزيداً من الضحايا ولكن الآن ثمة متغيرات على الأرض من حيث وجود إرادة سياسية في غرب كردفان نجحت في الفصل بين المتحاربين وتمت إعادة صياغة الإدارة الأهلية.. ونسجت الإدارة السياسية ممثلة في الوالي “أبو القاسم الأمين بركة”، خيوط المصالحات القبلية في هدوء وبعيداً عن الدعاية السياسية وتهيئة المناخ الداخلي بفرض هيبة الدولة بنشر القوات المسلحة على الأرض.. والحوار السياسي مع أبناء المسيرية الذين كانوا يحملون السلاح ويحاربون الدولة.. وهؤلاء لهم سهم كبير في نشوب الصراعات القبلية وتسخيرها لخدمة أجندتهم.. أغلب أبناء المسيرية الذين شعروا بفداحة الظلم في السنوات التي أعقبت اتفاق السلام 2005م قد عادوا اليوم.. وعاد لهم وعيهم.. بفضل جهود الأخ “أبو القاسم الأمين بركة” مما هيأ أرضية خصبة للمصالحات القبلية التي أرهقت الخزانة العامة.. وبددت المال الذي يذهب اليوم لإيجار العربات والطائرات والوقود واستعدادات الجيش والشرطة بدلاً من بناء المدارس والمشافي.. ومحطات المياه ولكن في مناخ الحرب تتوقف مشروعات التنمية وتذهب الأموال لدرء مخاطر السلاح وإنقاذ الإنسان من شر نفسه.
إذا كانت ولايات الوسط والشمال تشغلها قضايا استثمار الأراضي وتحسين خدمات الصحة.. والاستفادة من عائدات الزراعة والذهب.. وتطوير التعليم.. وإقامة مهرجانات السياحة.. والتنافس في ضروب الرياضة.. فإن ولايات غرب كردفان (تغرق) في أزمات حروب النفس.. وإهدار الموارد المالية الشحيحة في (بنود الأمن) والمصالحات.. وبذلك يتقدم جزء من الوطن ويتقهقر إلى الوراء جزء آخر.. و(يغبش) السياسيون الوعي العام بادعاءات خطيرة عن الظلم والتهميش.. بينما هذه الولايات هي من تظلم نفسها.. وتهميش دورها.. فهل تتعلم ولايات غرب السودان من الدروس المجانية في قيمة وأهمية الاستقرار لتحقيق التنمية.
شكراً للضعين التي تركت حكومتها وظيفتها التي انتدبت لها وشغلت نفسها بعلاج أمراض ولاية غرب كردفان.. وشكراً لدكتور “فيصل حسن إبراهيم” وزير ديوان الحكم الاتحادي الذي أثبت أهليته بهذا الموقع الرفيع وهو يعالج أمراض الولايات وإنسانها مع أن تخصصه في طب الحيوان.