مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : عباقرة المؤتمر الوطني


أشرنا أمس في الحلقة الماضية إلى أن أكبر وأعظم الأخطاء الاستراتيجية القاتلة التي وقع فيها عباقرة المؤتمر الوطني الذين أمسكوا بخطام الإدارة الاقتصادية ، هي إضاعة أفضل وأثمن فرصة على الإطلاق، كان يمكن أن تكون بمثابة طوق النجاة للاقتصاد الذي صعق بعد انفصال الجنوب، لكنهم للأسف، أهدروا تلك الفرصة الثمينة، حينما أهدروا (100) مليار دولار هي عائدات النفط ، كان يمكن أن يتم توجيه المبلغ لدعم الزراعة والصناعة، لكنهم خدعوا أنفسهم والشعب والقيادة حينما توهموا أن السودان صار دولة بترولية وآن لهم أن يحلموا بمقعدهم في منظمة الأوبك، وتراءى لهم ألا حاجة للسودان بالزراعة والصناعة المحلية، طالما أنهم قادرون – بعائدات النفط – على استيراد كل شيء، بما في ذلك القمح.
المهم الآن الفأس وقعت في الرأس، وقد حدث ما حذر منه الخبراء الحقيقيون من أهل الدراية والمعرفة، ويحمد لعباقرة (الوطني) أنهم اعترفوا بعد خراب مالطة بأن السبيل الوحيد للخروج من شبح الانهيار الاقتصادي، هو دعم الإنتاج الزراعي والصناعي، وقد جاء ذلك في خطابات المسؤولين بمن فيهم الرئيس نفسه، لكن حتى هذه الحظة، فإن الواقع المرير يجافي التصريحات تماماً، حيث جاءت موازنة2016، ورأينا كيف كان دعم الدولة للزراعة زهيداً متواضعاً جداً إذ لم يتجاوز ال(2%) من الموازنة، بينما نصيب الدفاع والأمن 65% ، ثم جاء قبل يومين الدور على الصناعة التي تلقت صفعة قوية بفرض رسوم إضافية عليها وزيادة (محترمة) في الجمارك، ومنع الدقيق عن مصانع (المعجنات)، والنتيجة توقف (60) مصنعاً ومع ذلك يقولون إنهم يدعمون القطاعين الزراعي والصناعي، أي أنهم يفعلون عكس ما يتفوهون به، ودون حياء.
الواقع بكل إسقاطاته المؤلمة بات يؤكد حقائق جديدة، من بينها أنهم أدركوا الآن خطل نظرياتهم وضحالة تفكيرهم، بينما الاقتصاد في (الغرغرة)، يغالب سكرات الموت، ولم يعد أمامهم إلا أن يمدوا أيديهم العابثة إلى جيب المواطن رغم علمهم التام بأنه أصبح أفرغ من فؤاد أم موسى، فلجأوا الى زيادة أسعار السلع والخدمات، فكانت زيادة الغاز في وقت تدنت فيه أسعاره عالمياً حتى وصلت الحضيض، ولجأوا إلى فرض الضرائب الإضافية، والجمارك والرسوم التي سبقت الإشارة إليها، وكذلك زيادة فاتورة المياة بنسبة 100%، وبقية السلع والخدمات تنتظر دورها.
المشكلة أنهم سدوا كل سبل (الإنقاذ)، وأدركوا ألا مخرج لهم من إسعاف الموازنة المنهارة إلا بالتسلل إلى جيب المواطن، عن طريق زيادة أسعار السلع، لكنهم لا يعترفون بأنهم فعلوا ذلك لأنهم (انعصروا) بل يكابرون ويبررون هذا (التسلل) إلى جيب المواطن، بأن الدولة تريد أن تحرر أسعار الكذا، وكذا، وأنها تريد أن تخرج من سوق هذه السلع لتجعل التنافس حراً بين أهل القطاع الخاص، والتزاماً بسياسة السوق الحر، وكأنهم طبقوا سياسة تحرير السوق أول أمس، ولم تكن سارية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي ..والله إنه ليشق علينا والناس أجمعين هذه التبريرات الميكافلية الفطيرة التي لا تحترم عقلاً، تشق علينا أكثر من هذا الفشل الذريع الذي استوحل فيه جهابذة الاقتصاد (الوطني)، – يا ناس هي غرقانة وركبتو في راسا، انزلوا عشان تطلع -…اللهم هذا قسمي فيما أملك….
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.