حيدر المكاشفي

مويتك على قدر فلوسك


أخشى ما بات يخشاه الناس بعد أن شرعت هيئة المياه فعلياً في زيادة رسومها بنسبة مائة في المائة، بعد أن شرعها لها مجلس الولاية التشريعي، أن يصل بنا الحال بعد حين إلى الدرجة التي يتدنى فيها نصيب الفرد من الماء إلى بضعة كيزان لشرابه، وكم جردل لاستحمامه وغسيله وأية استخدامات أخرى، مع أننا الأغنى في مجال الموارد المائية، ولا شك أن أكثر من ستعاني من ذلك هي الشرائح والقطاعات الضعيفة وما أوسعها وما أكثرها، وسيدخل الماء ضمن القائمة المعروفة «بصلاية وشوية سكر وحبة زيت»، فعندها لن يكون غريباً أو شاذاً إذا سُمعت جارة وهي تخاطب جارتها من فوق الحائط «يا فلانة عليك الله أديني كوز موية لو سمحتي، مويتنا قطعت وأبو الأولاد لحدي هسي ما صرف»، وما يزيد من قتامة المأساة، إضافة إلى الفاتورة التي أضحت مدمجة، كهرباء وماء في آنٍ معاً، تدفعهما سوياً أو أن يغدو بيتك مثل عش الصقور لا موية ولا نور، كما يقال عن الحي الذي يفتقر لهذه الخدمات الأساسية المهمة «حي الصقور لا موية لا نور»، ولا ننكر هنا أن مثل هذا الإجراء معمول به في بعض البلدان، ولا ننكر أيضاً أنه الإجراء الأكثر ناجزية وفعالية في تحصيل فاتورة الماء التي فشلت كل الطرائق والوسائل السابقة في تحسين مستوى التحصيل والارتفاع به إلى السقوفات التي تنال رضاء المسؤولين، ولكن بلدنا ليس مثل بلادهم التي تفوقنا في الكثير، كما يبقى من العسير جداً الجمع بين خدمتين لم يجمع الله بينهما، إضافة إلى كل ذلك العسر في الحصول على الماء الذي يقول فيه عزّ من قائل: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، فإن الماء بهذا المعنى يبقى سبباً أساسياً للحياة والبقاء، وليس بأية حال سلعة للشراء تحصل عليها بقدر ما تملك من فلوس «مويتك على قدر فلوسك»، هب مثلاً أن حاجتك اليومية من الماء تقدر بحوالى ألف لتر، ولكن ما معك من فلوس لا يمكنك إلا من الحصول على نصف هذه الكمية، فلك بعد ذلك أن تتصور ما يمكن أن يسببه هذا النقص بالصحة العامة والبيئة وصحة الفرد، علماً أن الفرد السوداني لم يحدث أصلاً أن نال نصيبه المفترض من المياه بالقياسات العالمية، فما بالك به بعد هذا التضييق الذي إن احتمله الناس في الكهرباء أو أية خدمة أخرى، فلن يكون بمقدورهم احتماله في الماء، ولهذا الأفضل للحكومة أن توسع عليهم ولا تضيق قبل أن يزداد ضيقهم بها، وذلك بإيجاد المعالجة والمعادلة التي لا تحرم مواطناً من الحصول على كفايته من الماء بسبب ضيق ذات اليد.