هيثم كابو

د. أبو سن وحروف مليانة إرادة


* وصلتني رسالة معبرة وعميقة من صديقنا الحبيب د. كمال أبو سن استشاري جراحة وزراعة الكلى قبل أكثر من عام بعنوان (العلم قوة) إبان فترة قضيته الشهيرة، أنشرها اليوم كاملة بعد أن قال القضاء كلمته، وغداً بإذن الله أعقب عليها لما فيها من رسائل ودلالات:
* تفتحت عيناي على الدنيا فكان والدي المثل الأعلى.. تعلمت منه الصبر والمثابرة والتواضع وطيب المعشر والمجاملة وروح الفكاهة والصرامة والاعتزاز بالنفس من غير تكبر.. وتعلمت منه الصبر على الظلم وملاحقة الظالم وإحقاق الحق والسعي وراء الحق حتى يتحقق.. وفوق هذا وذاك تعلمت منه أن لا أفقد (أعصابي) وثقتي بنفسي وأن لا أستعجل النجاح والنتائج، وأن لا أفقد الأمل بل أسعى لتحقيقه.. وأن أكون طموحاً وأن يكون طريقي لذلك الجد في العمل وسهر الليالي في طلب العلم فهو القوة التي بها ينماز الفرد عن القطيع.
* أصر أبي أن يصنع مني رجلا وأنا طفل.. فرعيت الأغنام وأنا ابن السادسة وصررت وخللت وسربت وقطعت العشب وحصدت العيش وقلعت الفول ورفعت التقنت وقرعت ماء الزرع وحلبت الضرع.. واستخدمت الواسوق والنوريق والكوريك والطورية والملود والشاكوش والقدوم والمقلام والمنشار.. وركبت ضهر الحمار.. وكان أكلي الجراد والبنبكي والحُنبك وطير الجنة والقيديلي والهدهد والقمري الدباس.
* حفرت المطمورة والجدول وأبوعشرين.. حشيت وكدبت أول بيت وآخر بيت.. ركبت تلكي في الساقية.. ولقطت الخدرة والبامية.. وزرعت شلخت بالجراية والسلوكة.. وكان غداي بالمفروكة.. وفطوري ملوحة والويكاب وملاح الروب وأم تكشو والموليتا وتبش الضهرة ولسان الطير والكداد… زرعت عجور.. زرعت خيار.. والبنضورة والسبروق وبصلاً أخدر وفجلاً أبيض وجزراً أصفر.. ربيت جداد.. ربيت حمام…
قريت الخلوة.. عملت شرافة.. شديت كرامة.. وغسلت اللوح.. كبرت شوية.. دخلت مدارس ابتدائية.. ثانوي عام وثانوي عالي… قريت حنتوب… وزمن حنتوب جامعة كبيرة ورحلة مثيرة… أستاذ كعورة وهاشم ضيف الله. .والسلاوي بعلمو يداوي.. والعباسي وأستاذ حنين.. وعبد الحميد الفضل.. وأستاذ شبرين.. والطيب عبد الرحمن وآخرين… وعم عبدو ورفاسو.. وسوق مدني وجلاسو.. فول أبو ظريفة (وراس النيفة).. وود المقلي وعمي عتيبا.. وحنتوب الحلة.. وحسن الشاطر الصول الماهر.. وعنجة الدابي وود ضيف الله.. ومعاهو نجومي وأبو الكليك.. الكنتريريس والدروة والتكيلات.
* دخلت الجامعة.. الخرطوم مافيش نوم… استذكار ليل ونهار.. منارة ودار.. أساتذة كبار.. عبد الله الطيب مدير الجامعة.. الضو مختار وعقليتو اللامعة.. منقوش للتشريح.. وحداد كروم للتوليد.. والقوني كمان.. وسعد الفاضل.. وأستاذنا جريس.. وأولاد النعيم وعنبر الحريم.. وفي الجراحة عبد العال.. وكمان ياجي وزاكي الدين.. وفي الأطفال ابنعوف وزوجته حياة.. وعلي عبد الساتر وعلمو الوافر.. علم الأمراض.. رياض بيومي وأستاذ بيومي.. وبروف سكر سكر في الفيسيولوجي.. وأستاذ منشد أكلنا البلدي في الامتحانات.. أساتذة هنود سها ولها.. وفي القروب كوثر ومها.. علم تشريح.. وعلم أمراض.. وجراحة أطفال.. وعظام.. ونساء ورجال.. وطول مشوار.. في الاستذكار أنيس والرازي والبغدادي.. والرابطة تنادي كأجمل نادي.. دخلنا صغار بطموح وآمال… بقونا رجال وسترنا الحال.
* اتخرجت وادرجت في الدايات وأم درمان… والخرطوم سهر ما نوم… عالجنا صغار وعالجنا كبار… مناطق شدة ما بتتعده… فيها العزازي وسوق النادي… والشيخ عبد المحمود… طابت لي بلوود… وبلاد بره سويد نرويج دنمارك فنلندا… أمريكا… النمسا, سويسرا… وكندا كمان… فرنسا بعيدة وسنغافورا… وشي نيجيريا وحبشة وجنوب أفريقيا… وأيرلندا وهولندا… وقول بريطانيا أرض العلم الهانية… سكنت مكاتب مريت بتجارب… وجمعت مكاسب… علوم ومناقب… وأكلت كفيار شرمبس وحبار… وجيكن كومار… (وقعونج مامون) من مريض مفتون ممنون… فى بلاد بره… جالست كبار… ملوك وشيوخ وناس أحرار… وعرفت الدنيا وطعم المنية… لمريض مسكين.
* رجعت الدار.. دفعت ضريبة علاج أهلي.. وقلت عديل بلدي ولا ملي بطني… لقيت ترحيب لقيت تحنان…
وفي غفلة من الزمان… جونا كلاب… عيونا حمر… سنونا صفر… حلبوا الناقة في الشنقاقة… وتوهموا بسذاجة غذاها الحقد والحسد أن بإمكانهم حلب جهد والدي والعباقرة من أساتذتي والمؤسسات التعليمية المحفورة في وجدان الشعب السوداني بعظمتها وعطائها والتي شكلتني وسفري وغربتي… حاولوا حلب كل هذا الجهد إلى العدم… باءوا بالفشل فضحك عليهم الزمن وهربوا إلى المجهول تطاردهم يد العدالة الطويلة ولهم أقول العلم قوة (Knowledge is Power) والجهل ضعف ومصيبة وقديما قالوا الجاهل عدو نفسه.
د. كمال أبو سن
لندن
نفس أخير
* عزيزي د.أبو سن: دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى يوم الساعة.