مقالات متنوعة

عبد العظيم صالح : إصلاح الدولة


ظروف قاهرة منعتني من تلبية الدعوة الكريمة التي تلقيتها من الأمانة العامة لمجلس الوزراء لحضور اجتماع مجلس الوزراء الخميس الماضي. الجلسة كانت خاصة واستثنائية وخصصت بالكامل لقضية إصلاح الدولة.
كنت حريصا علي الحضور. ولكنني دخلت الخرطوم. بعد ساعة من بداية الجلسة ..
وكنت بين أمرين إما أن أذهب عملا بالمثل الذي يقول أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي. أو أنصرف في حال سبيلي عملابالمثل الذي يقول (خيرها في غيرها) ..وفضلت الخيار الأخير وفي النفس شئ من حتي.. ومع ذلك فأنا أحمد للأمانة العامة تزويدها لي قبل الأجتماع بأيام بوثائق كافية وتقارير حوت ماتم من خطوات وبرامج حول الموضوع. وهو جهد مشكورللأمانة. وهي امانة ناشطة وفاعلة وظلت عبر سنوات عدة -ورغم تعاقب عدة وزراء ووزراء دولة الا أنها حافظت علي نهجها المؤسسي في اشراك العديد من قطاعات المجتمع في برامجها وانشطتها المتعددة والمستدامه من ورش وندوات وسمنارات تقام بصفة دورية داخل أروقه مجلس الوزراء ولاشك أن هذا (العصف) محمود ومرغوب في ذاته ونتائجه إن لم تكن منظورة أو مشاهدة ولكنها حتما مفيدة وتحقق الغرض المطلوب منها في قيادة الاصلاح والتغيير والتطوير المطلوب لأجهزة الدولة المنوط بها تقديم الخدمة التي ينتظرها المواطن..
قرأت الوثائق باهتمام وتابعت نتائج الاجتماع والتوصيات التي بلغت أكثرمن (15) توصية ربما تكون قد غطت الكثير من مواضع الخلل التي أصابت جسد الخدمة العامة في السودان وانهكته واضعفته بالصورة التي جعلته لا يؤدي المطلوب منه بالشكل الصحيح والسليم.. ومن المفيد القول هنا ان حالة أجهزة الدولة وما يعتريها من علل وامراض هي حالة (مزمنه).وقديمه قدم الإنسان في أرض السودان
تاريخيا ظلت الدولة السودانية. في حاله خصام مع المواطن السوداني الذي عاني من ظلم ومن جور ومن تنكيل وتعسف في جباية الضرائب والرسوم والجبايات
سجل الدولةعبر الازمان (وسخان) ومعيب. الدولة بشكلها الحديث ظهرت مع نظام محمد علي باشا الذي جاء للسودان طامعا في ثرواته فاقترنت فترات حكمه ومن جاء بعده من الحكمدارين بالقمع والتنكيل وانتهاك حقوق الإنسان واتباع سياسة فرق تسد بين القبائل والطوائف.
جاءت الدولة المهدية ولم يكن الدراويش بأحسن حالا من الباشبوزق. وقامت دولة باطشة ومنتهكه لحقوق المواطن. ويحفظ التاريخ الكثير والمثير
وجاءت دولة الانجليز ورغم انها قدقامت ببناء هياكل الدولة الحديثه الا انها لم تخلو من ديكتاتورية واستبداد.
وظل الحال كما هو مع الأنظمة الوطنية التي تعاقبت علي حكم البلاد وحتي الأن وكان من المؤمل ان تقوم الانظمة الديمقراطية بحل المشكله (المزمنه) ولكن حظها العاثر جعلها لاتعمر طويلا
إذن اصلاح الدولة ينطلق في المقام الاول. من اصلاح النظرة للمواطن وأنه صاحب الحق(الأول) والدستوري. وأن العلاقه يجب ان تقوم علي (الاحترام) لا الإذعان.
الصورة الذهنية للدولة في العقلية السودانية تقوم علي أسس عدائيه وظنيه. في الأعماق روح متحفزه لشن حرب لا هوادة فيها.. ربما نجد هنا تفسيرا للسلوك الذي يمارس داخل المكاتب (تعال بكره. شبكه مافي.. طلعوا الفطور. يازول اطلع بره ما تتلامض)..
الروح(البدوية) من الداخل تتولي مهمة التكسير والروح الخارجية (تتم) الباقي في النظرة للمرافق العامة والتعامل. معها بنظرية (مالي ومالا. وحق الحكومة حلال أكله
أي اصلاح لن يكون مفيدا إن اغفل إصلاح العلاقة( البينيه) بين الشخصية السودانية والدولة
هي علاقة ليست علي ما يرام ومضطربة.