جعفر عباس

تهمة مرفوضة ودفاع متماسك (1)


قبل عامين أو ربما خمسة أو عشرة أعوام، غادرت مقر إقامتي في العاصمة القطرية الدوحة مع عائلتي في الإجازة الصيفية، وقبل التوجه إلى المطار قررت أنني لن أكون بحاجة خلال الإجازة إلا إلى نحو ألفي ريال قطري كانت معي، وخبأتها في مكان أمين في البيت، في تقديري، وسافرنا وعدنا بالسلامة، وظلت تلك النقود مخبأة في المكان الأمين نفسه، أعني أنني فشلت في تذكر المكان الذي تركت فيه النقود، وظللت أفرك رأسي وأقلب البيت فوق تحت عدة مرات بلا طائل ثم تخليت عن محاولات العثور عليها.
تلك الثروة الطائلة التي كاد فقدانها أن يقودني إلى قسم الحالات الطائلة الذي تسمى «الطوارئ»، هي التي ألهمتني فكرة هذا المقال. فقبل أيام قليلة كنت أنقل كتبا قديمة من رفوف مكتبة «كحيانة» أحتفظ بها في غرفة النوم (لأن وضع المكتبة في غرفة الضيوف يجعلها عرضة للسرقات من قبل الأصدقاء، من باب المعاملة بالمثل لأنني لص كتب محترف، ولكنني أمين، فأسرق عدة كتب من شخص أو عدة أشخاص، ولا يكتشفون الأمر عادة إلا عندما أعيدها).
المهم انفتح كتاب وسقطت منها مئات الريالات القطرية. نظرت إليها بحقد ثم قمت بتمزيقها إلى قطع صغيرة وألقيت بها في سلة القمامة.. ستقول إن أبا الجعافر إما «مجنون رسمي»، وإما صار غنيا يلعب بالفلوس،.. لا هذي ولا تلك، وكل ما هناك هو أن تلك النقود لم تعد متداولة بعد أن قامت السلطات القطرية بتغيير العملة الورقية قبل بضع سنوات وانقضت المهلة المحددة لتغيير العملة القديمة.
وقبل شهر تقريبا عدة من إجازتي الشتوية (ستقول إن أبا الجعافر مثل الأوربيين يذهب إلى مناطق دافئة في الشتاء وطقسها معتدل صيفا، وستكون على حق بنسبة 50%، لأنني أذهب إلى السودان كل شتاء، لأنّ زيارته في الصيف، شروع في الانتحار والانتحار حرام)، المهم عدت من الإجازة، والى يومنا هذا لم أجد رزمة من المفاتيح من بينها مفتاح المكتب، وعدة نسخ من مفتاح السيارة ومفاتيح غرف البيت.
كثيرون يعانون من آفة نسيان الأمكنة التي تركوا فيها أشياء مثل المفاتيح والنظارات والموبايل وطقم الأسنان، ولكن تلك الآفة صارت مصدر صداع يومي لي، ومشكلتي الكبرى هي النظارة، فلأنني أعاني من قصر النظر فإنني أفضل النظر إلى الأشياء القريبة جدا، من دون نظارات، وأن أقرأ المطبوعات من دون نظارات.. ولكن كل شيء يقع على بعد مترين مني يصبح جزءا من درب التبانة، ولا بدَّ من عدسات صناعية للنظر إليه.. وهكذا أخلع نظارتي عدة مرات في اليوم ثم أنسى أين تركتها وقد يستغرق مني العثور عليها عدة ساعات، وحدث أكثر من مرة أن غبت عن العمل لأنني لم أجد نظارتي.. وما يجعل المشكلة أكثر تعقيدا هو أنني لا أستطيع البحث عن النظارة من دون استخدام النظارة.. وحاولت علاج هذه المشكلة باقتناء أكثر من نظارة ولكن المشكلة هي أنني لا أتذكر أين وضعت النظارات الاحتياطية.. ومشكلة النسيان هذه جعلتني عرضة للتجريح والإساءات، فكلما فشلت زوجتي في العثور على شيء ما حملتني مسؤولية ضياعه: كروت المستشفى.. كونترول التلفزيون.. رقم تلفون عمتها.. والأنكى من كل ذلك هو أنه كلما سألتها عن مكان شيء ما اتهمتني بالخرف والتخريف، وهي تهمة ظالمة لأنها تعتقد أنه ليس من مسؤوليتها تذكر أي شيء وتستخدمني كموبايل أو كمبيوتر لتخزين المعلومات والأرقام.. وبصراحة فقد صرت أشك بالفعل في قواي العقلية وأعتقد أنني أصبت بالخرف «المبكر» مما جعلني أجري بعض البحوث العلمية حول هذا الموضوع.