مزمل ابو القاسم

الصرف الصحي والبيئة


الأخ الأستاذ مزمل أبو القاسم، تحية واحتراما
أحيي طرحك القوي الجريء، وأحيي صفحاتكم الناصعة وكتابها الرائعين، وصحيفة السودان الشاملة (اليوم التالي). أحييكم وأنتم تتحدثون عن أزمة الصحة والمستشفيات والمياه، الأمر الذي ألزمني أن أسهم معكم في نفس الإطار، آملا أن تتواصل جهودكم لتبني منتدى عام يهدف لحماية البيئة وترقية الذوق العام ومخاطبة المجتمع والمسؤولين، وأثق في حماس اللواء عمر نمر رئيس المجلس الأعلى للبيئة لهذا الطرح، خاصة وأن هذه الأيام نشهد دعوة عامة شعارها أن إيجابي، ردا على الخرطوم تقع في آخر قائمة العواصم غير النظيفة إن صح التعبير والتصنيف.
أنا لست غريبا على صحيفتي، اليوم التالي، إذ سبق أن نشرت لي مشكورة سلسلة مقالات عن حنتوب الجميلة، والشكر للأستاذ نبيل غالي.
وإلى محتوى المقال:
تطبيق قانون صحة البيئة لعام 2001 المعدل في 2009
يتحدث الكثيرون عن النفايات الصلبة والأتربة، وجميل أن تعلو الأصوات التي تتنادى للعمل على نقل القمامة والنظافة العامة. وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي معلومات عن ارتفاع أسعار القمامة في الدول المتقدمة، حيث أصبحت ثروة واستثمارا ناجحا بما وصلت إليه تكنولوجيا فرز النفايات واستخلاص محتوياتها، من معادن وزجاج وبلاستيك وأسمدة، بعد إعادة تدويرها.
ولكن تعاني العاصمة المثلثة من كارثة بيئية غير منظورة، تتمثل في النفايات السائلة، التي يتم ضخها على مدار الساعة دون وازع أخلاقي لتشكل سرطانا ساكنا تحت الأرض، ولا مثيل له في كل أنحاء المعمورة.
ينص القانون على حظر حفر آبار السايفون وأي وسائل صرف صحي تؤدي إلى تلوث مصادر المياه، سطحية أو جوفية، وأي مهدد للأمن الصحي وسلامة البيئة، وهذا القانون يتوافق مع القانون الدولي الخاص بحماية البيئة حيث إن المياه أكبر ناقل للبكتريا والعدوى، وأول متهم في كثير من الأمراض.
ومن ضمن أهداف التنمية المستدامة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP بالتعاون مع حكومة السودان للخمسة عشر عاما المقبلة، ورد في البند السابع، تحقيق هدف حصول الجميع على مياه الشرب المأمونة وميسورة التكلفة والحصول على الصرف الصحي والنظافة ووضع نهاية للتغوط والتبول في العراء وإيلاء اهتمام لاحتياجات النساء عبر دعم وتعزيز مشاركة المجتمعات في تحسين إدارة المياه والصرف الصحي.
إن انعدام شبكات الصرف الصحي أدى إلى استخدام آبار السايفون لرمي الفضلات الآدمية، وهو أمر محرم محلياً وعالميا، وكما هو معروف حتى عهد قريب كانت البلديات تتبنى أسلوب الجرادل في الدوائر الحكومية والمدارس، ولم يكن ذلك أفضل بديل، إنما يدل على أن الأسوأ هو تلويث المياه، ثروة الأجيال القادمة.
واستعيض عنها بتنقية مياه النيل في العاصمة، ولكن ماذا عن المناطق البعيدة عن النيل؟ أقول ذلك وإن الظاهرة تم تصديرها للريف، وإن كثيرا من قرى الجزيرة تحفر فيها السايفونات بجانب آبار مياه الشرب دون دراية وبعد ذلك يتحدثون عن انتشار السرطانات والفشل الكلوي.
دون شك إن الحلول هي وسائل الصرف الصحي المأمونة، وهي متنوعة ومتاحة إلا أنها لم تأخذ أولوية في احتياجات المواطن، شأنها شأن جوانب البيئة الحضرية الأخرى التي يتحدث عنها برنامج التنمية المستدامة نحو العمل على تحقيق المستوطنات، الذي يعنى بالحفاظ على الصحة العامة والموارد والطاقة والخضرة والجمال، انظروا إلى ما أورثنا إياه الإنجليز من منشآت راسخة آمنة متصالحة مع البيئة كالمباني الحكومية والمدارس العتيقة وخير مثال لذلك منشآت مدرسة حنتوب العريقة التي تستحق تسجيلها ضمن أفضل المباني البيئية على المستوى العالمي بسبب أنها سليمة البيئة والبنية لأداء دورها بنجاح، بدليل أن مبانيها تتمتع بالمتانة وبالإضاءة والتهوية الطبيعية، ولم تشتمل على مراوح ولا إضاءة كهربائية وهذه تحتاج لدراسة مطولة.
دعونا نعود إلى موضوع مخاطر الصرف الصحي وأهمية تطبيق القانون.. إن حفر آبار السايفونات آليا بعمق 20 متراً يصعب ضبطه ومراقبته وقد يصل للمياه الجوفية وقد لا يصل في بعض المواقع خاصة “أم درمان”، والمواطن يتعاقد مع المقاول للحفر آلياً أو يدوياً شرط الوصول إلى العين، في ما عدا ذلك لا يعتبر العمل سايفون بالمفهوم السائد.
في حالة الحفر 20م طولياً قطر 8 بوصات حتى الوصول للمياه فإن هذا الأنبوب ينقل أخطر أنواع الملوثات من فيروسات وبكتيريا لا تعيش على الأوكسجين، إلى المياه الجوفية.. كما أن المياه الجوفية لا تتعافى من هذا التلوث ولا بعد عشرات السنين من إيقاف ضخ المياه الملوثة.
إن سكان العاصمة أكثر من 7 ملايين وعدد المساكن حسب آخر إحصاء أكثر من مليون مسكن ومعدل ضخ مياه الصرف الصحي للمسكن الواحد للأسرة المتوسطة لا يقل عن 3م مكعب يومياً.
إن معدل استخدام آبار السايفون في العاصمة لمساكن مسيوري الحال في ازدياد وكل 100 ألف مسكن تضخ في باطن الأرض مياها ملوثة في حدود 300,000 متر مكعب يوميا ترمى بها العاصمة الحضارية دون أي وازع أخلاقي لتلوث ثروة قومية ومياه نقية لا تحتاج لفلترة أو معالجة. بمعنى آخر فإن ما ترمى به العاصمة في شهر هو بحدود 10 ملايين متر مكعب وفي عام بحدود120 مليون متر مكعب ولك أن تتخيل في مدى العشر سنوات ما هو الرقم التقديري “مليار متر مكعب”، وما بالك بالزيادة التي أسهمت فيها حفارات الإخوة من دول شقيقة تخصصوا في هذا المجال، في حين أن السلوك مرفوض عندهم وممنوع عالمياً.
نواصل