جمال علي حسن

قدِّر ظروفك وأُكل نارك


قبل الخبر الذي نشرته صحيفة الرأي العام يوم السبت حول (زيادات ما بعد الزيادات) في أسعار غاز الطهي الذي لن يتحصل عليه أي مواطن إلا بعد تحضير مبلغ مائة جنيه وليس 75 جنيها فقط .
قبل هذا الخبر كانت بعض قُدُور الفول في دكاكين الأحياء بحسب مصادر موثوقة تبيع الفول للزبائن داخل أحياء الخرطوم قبل أن يكتمل نضوجه (فول نص استوا) بسبب ارتفاع أسعار الغاز والفحم أيضاً.. بمعنى أنك لو أردت تناول الفول مستوياً (تتم نجاضو في البيت)..!! ولا أستبعد بعد هذه الكوميديا المحزنة في واقع (المباصرات) التي تجود بها قرائح التجار لضبط حساباتهم أن تفاجأ يوماً بقائمة طعام من النوع المكتوب بقلم (البِق) في مطاعم الخرطوم الشعبية أن يكون هناك (اي تم) جديد اسمه فول (نجيض) بسعر أعلى وفول (نص استواء) بسعر أقل.. فتجارنا في السودان مبدعون في مباصرة أمورهم وضمان ربحهم بتكييف كميات وجودة السلع حتى تتناسب مع الجيوب العامة للمواطنين الذين يتقبلون ابتكارات (قدر ظروفك) بترحيب كبير..
و(قدر ظروفك) هذه ظهرت أول مرة في عالم المساحيق النسائية، لكنها سرعان ما تفشت وأصبحت ثقافة منتشرة لا تتوقف عند تشاركية الزبائن في عبوة واحدة فهذا قد يكون مفهوماً ومقبولا ًلحدٍ ما لكن المشكلة الحقيقية في انتشار ثقافة (قدر ظروفك) في ظل الضغوط والمعاناة هي لجوء التجار لتقليل جودة المنتج من أجل تخفيض كلفته وضمان تحقيق الربح.. هذا هو الخطير جداً .
ويا ليتها (بقت على الفول الني) فهذا يمكن إعادته للنار على قول المثل (الني للنار) لكن ليس نار البائع بل نار المشتري الذي لو أراد أن يأكل الفول فعليه أن (ياكل نارو) كما يقولون.. لكن فكرة تقليل الجودة لتقليل السعر أو التلاعب في الجودة لتقليل التكلفة هي مشكلة عامة تجدها عند مقاول (ما عندو ضمير) يقوم بتنفيذ المباني بمواصفات أقل ليوفر عدداً من أكياس الأسمنت.. وتجدها في أجهزة كهربائية وإلكترونية تباع في السوق في حين أن تصنيفها – بمعايير الجودة – نفايات.. وتجدها في أطعمة مغشوشة وألبان محقونة بالبانسلين ولحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي، تباع لمواطن بالاستغفال والاستهبال، وإطارات سيارات تتسبب في موت العشرات هنا وهناك، اليوم وأمس وغداً ..
(قدر ظروفك) لا تخلو منها أرفف الصيدليات حين يباع مستحضر دوائي بعشرة جنيهات وآخر من المفترض أنه يؤدي نفس المهمة العلاجية لنفس المرض لكنه بمائة جنيه، ويخرج عليك مسؤول ليقنعك بأن كل هذا الفارق الكبير في السعر فقط بسبب اختلاف الشركة المصنعة وليس اختلافا في جودة المستحضر الدوائي!!
(قدر ظروفك) هي إحدى المخرجات الكارثية للضغوط الاقتصادية وغياب السيطرة الرقابية على معايير الإنتاج والاستهلاك في بلادنا .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.