يوسف عبد المنان

الرفع المتقطع!!


ليت المالية تحلت بالشجاعة والإقدام على تنفيذ سياسة رفع الدعم بالباب وتعديل مشروع الموازنة العامة جهراً وعلناً حتى يستريح المواطنون من حالة الدعم واللا دعم.. لن نطالب وزير المالية باحترام القانون.. ونعني بالقانون ميزانية الدولة التي أجازها البرلمان.. وقبل أن يصل نواب الولايات إلى دوائرهم البعيدة استغل الوزير ثغرة صغيرة وكلمة رفع الدعم عن المحروقات لتعزيز سياسة الإصلاح الواردة في الخطاب الذي قدمه الوزير للبرلمان واتخذه حجة على النواب، باعتبار أن خطاب الوزير أو حتى المذكرة التفسيرية هي جزء من مشروع الموازنة الذي يفترض أنه أرقام يجب الالتزام بها. بيد أن الحكومة ممثلة في المالية لا تأبه كثيراً للقانون شأنها شأن كثير من مؤسسات الدولة التي لا تحترم القانون ولا الدستور.
أمس، أعلن وزير المالية “بدر الدين محمود” عن قرارات مرتقبة لتحرير عدد كبير من المنتجات والسلع في إطار سياسة الحكومة والتوجه الإصلاحي للدولة.. لم يستطع وزير المالية الحديث جهراً وبشجاعة عن السلع والمنتجات التي سيصدر قرار بتحريرها.. طبعاً القرار سيستند إلى (الكلام العام) الوارد في خطاب الوزير للبرلمان وترفع الحكومة دعمها عن السلع التي هي غير معلومة لأن الوزير يأخذ الحكمة من والي الخرطوم الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” حينما سأله الصحافيون عن الزيادات المرتقبة في فاتورة المياه بالولاية فأنكر ذلك.. وهرع الصحافيون يكتبون عن نفي الوالي وأخذت أحدهم الحماسة وهاجم زملاءه ووصفهم بالمغرضين بعد أن حصحص الحق وقطعت جهيزة قول كل خطيب.. ولم تمض (48) ساعة حتى أطلت الزيادات من قبة المجلس التشريعي.
السيد وزير المالية لم يحدثنا عن تحرير المحروقات من الجازولين والبنزين لأن المواطن هو الذي يدعم هذه السلع الآن من جيبه (المقدود)، وقد تدنى سعر برميل النفط إلى (25) دولاراً بينما جالون البنزين بمبلغ دولار ونصف الدولار، أي أن المواطن يشتري برميل النفط من الحكومة بمبلغ (65) دولاراً التي تعادل ضعف السعر العالمي وزيادة.. ولو أقبلت وزارة “بدر الدين محمود” على رفع دعم المواطنين للجازولين والبنزين فإنها ستعجز عن الوفاء بالتزاماتها العديدة نحو موظفي الحكومة.
البعض يطالب المالية باحترام قانون الموازنة الذي يتمسك المراجع العام بمحاسبة صغار الموظفين والوحدات الحكومية حينما تتصرف في بنود غير مخول بالصرف منها، ويعدّ ذلك تعدياً على المال العام، لكن المراجع العام لا يستطيع أن يقول المالية تعدت على قانون الموازنة، و”الطاهر عبد القيوم” المراجع العام يعلم جيداً أن تعدي المالية على القانون (شعراً ما عندو ليه رقبة) كما يقول المثل.. والبرلمان نفسه حينما حاول بعض أعضائه التوقيع على طلب استدعاء الوزير وقطع إجازته والدعوة لاجتماع طارئ، تذكر البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” أن البرلمان الذي كان رئيسه الشيخ “حسن الترابي” قد تم تسريحه في رابعة النهار الأغر بقرار رئاسي وقال “سبدرات” قولته الشهيرة وهو يعين في منصب رائد المجلس الماضي: (أنا دبابة وضعني الرئيس لحماية البرلمان)، بيد أن “سبدرات” اليوم قد أصبح دبابة بلا ذخائر وطائراً بلا أجنحة وجنرالاً بلا جيش!! ولا يستطيع “سبدرات” ولا أساتذة القانون في البرلمان الحديث عن مشروعية صدور قرارات (تعدل) في مشروع الموازنة العامة، لأن السيد “بدر الدين محمود” قادر على إنفاذ سياسات وزارته (بالقطاعي).
وحينما يفقد تاجر الجملة ثروته يصبح تاجر قطاعي.. ثم صاحب كنتين.. وأخشى على “بدر الدين” من أن يصبح صاحب “طبلية” في آخر المطاف.


تعليق واحد