الصادق الرزيقي

السودان وشرق أوسط جديد ..!


> لا يمكن قراءة وتحليل موقف السودان من التطورات الجارية في الإقليم وما يجري في بلدان الوطن العربي، بمعزل عن الحقائق التي ظهرت مبكراً لمتخذي القرار، منذ أن بدأت رياح كثيرة تعوي وتعصف بالمنطقة، تنذر بأن التركيبية الجيوسياسية والإستراتيجية بدأت تتغير بالفعل، وما ينشأ من أحلاف جديدة سيغير وجه المنطقة وطبيعتها وهويتها السياسية. ورغم حدوث حادثات جسام بشكل فجائي عنيف منذ نهاية العام 2010 ثم حلول الربيع العربي، كان واضحاً كما الشمس المشرقة، أن هناك مسافة بين الأرض والسماء فوق العالم العربي ستكون هي منطقة التغيير بمعادلات جديدة من حيث قوة الجاذبية والطاقة الكهروسياسية الهائلة، والغيوم الداكنة التي غطت فضاء المنطقة برمتها وحجبت حقائق ومعطيات عديدة.
> وظن كثير من المراقبين والمحللين والمشتغلين بالسياسة ينظرون إلى تحولات منطقتنا على أنها نتيجة حتمية لما ظل يحدث من تفاعلات اجتماعية وسياسية واقتصادية، صاغها الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عام 1992م في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، تنبأ فيه بتحولات مفصلية موالية لدولة الكيان الصهيوني، وستكون لها السيطرة المطلقة على المنطقة بتعاون البلدان العربية معها لتحقيق السلام وبناء تعاون اقتصادي وتبادلات تجارية وفتح أسواق وتبادل منافع وموارد ومد البني التحتية من طرق وشبكات السكك الحديدية من العراق حتي المغرب، ومن طرطوس حتى أقصى نقطة في جنوب الوطن العربي تقف في السودان، ويعتقد جمهرة من المحللين والمراقبين، أن الشرق الأوسط الجديد بات يتشكل على هوى المراد الصهيوني.. لكن المفاجأة ودقة قراءة السودان وتوجهاته متعارضين إلى غير ذلك. فبعد إجهاض ثورات الربيع العربي وقمع القوى الحية في المنطقة، ونشر الفوضى والحروب وجماعات العنف، ظهر أن هناك شرق جديد يتشكل خلافاً لما كانت تحلم به الولايات المتحدة ودولة الكيان الصهيوني. فالأنظمة التي كان يظن أنها ستكون ركيزة التحولات لصالح إسرائيل، إما ذهبت بلا رجعة، أو من بقي منها صار بلا فاعلية. والأهم من ذلك، أن قوى أخرى دولية وإقليمية اقتحمت المجال على حين غرة وفرضت أجنداتها في الواقع الراهن، واستفادت من تقهقر النفوذ الأمريكي وضعف الإدارة الديمقراطية التي سعت في الثماني سنوات الماضية إلى سحب أرجلها من وحول القضايا الدولية والاكتفاء بالظهور المواعظي في المسرح الدولي.
> الرئيس أوباما وصف من قبل بأن خطابه يصلح للتطهر وطلب الصفح، وأنه واعظ أكثر من كونه رئيس حين يتحدث، ولا يقدح ذلك في أنه رجل دولة ومتحدث بارع.. بناء على هذا، فإن الشرق الأوسط الجديد كما تخيله شيمون بيريز وحلم به الإسرائليون، حل محله شرق أوسط جديد آخر كما قال الصحافي الصهيوني إيال زيسر في مقال له كتبه في مطبوعة «إسرائيل اليوم» في أكتوبر من العام الماضي، فهو شرق أوسط جديد بلاعبين جدد حلت فيه روسيا وإيران وحلفائهما محل الولايات المتحدة وحلفائها، وفي مقدمتهم إسرائيل التي تظن أنها الرابح الأكبر من الذي يجري.
> الحقيقة أنه لا يوجد حتى الآن رابح، فالنقاط لم تحسب كلها بعد، والمباراة والسجال مايزالان على الحلبة، وكل الذي يحدث وما هو جارٍ، بالقطع لن يولد من مخاضاته شرق أوسط كما كانت تشتهي دولة الكيان الصهيوني، ولا يعني ذلك على الإطلاق أن ما يحدث نتيجة إيجابية، فالمنطقة العربية تنحدر بقوة إلى القاع، واللاعبون الجدد في الساحة بغرض تحويلها إلى منطقة نفوذ لقوى أخرى ستواجههم مصائر هي ذاتها التي حدثت من قبل لواشنطن، جعلتها تتراجع للوراء.
> والذي يهمنا نحن في السودان، هو تعاملنا مع الأحلاف الجديدة الناشئة. فمن الواضح أن التحالف التقليدي المصري الخليجي خلال ثلاثة عقود او أكثر بدأ يتصدّع، فمصر تقف اليوم خارج الدائرة التي تتحرك فيها المملكة العربية السعودية، وبدأت أصوات في داخل المملكة ودوّل الخليج تتحدث عن تقاطع الموقف المصري مع الموقف الخليجي من الأزمة السورية وتعاملها في الملف اليمني، وعدم صدور أي رأي قوي يعتد به من القاهرة في الاعتداء على مقار البعثات السعودية في إيران وما تلاه من قطع العلاقات، بجانب ذلك فإن التحالف السعودي والخليجي مع عدة دول عربية وإسلامية، يقابله في الطرف الآخر شبه تماهـٍ مصري مع الحلف الإيراني الروسي، خاصة في ما يتعلق بالوضع في سوريا واليمن. ولأول مرة بدأت في وسائل الإعلام أحاديث صريحة من الخليجيين والمصريين حول تباعد الخطى واختلاف المصالح وإعادة تعريف من هو الصديق الذي ينبغي أن نقف معه، ومن العدو الذي نتوحد ضده. كما في حالة بشار الأسد والحوثيين.
> السودان في خلاصة هذا القول، لا يقف عند مفترق طرق، بل اختار موقفه وحلفه وصفه، وسط أجواء ملبدة بالغيوم الداكنة، بالرغم من مصطلح الشرق الأوسط عندما أنتجته الدوائر الاستعمارية وصار مصطلحاً سياسياً وجغرافياً محدداً، لم يلحق السودان به ووضع خارج دائرة تعريفه، لكن مهما كان فإن السودان اليوم في قلب الحدث وبؤرته، فماذا كسب وسيكسب؟ وهل سيخسر رهاناته، أم تعود عليه بريع وفير.. ويزداد كيل بعير؟!.