حوارات ولقاءات

البروفيسور “إبراهيم غندور” وزير الخارجية في حديث خاص لا ننتظر من علاقاتنا مع العرب ثمناً ولا مبادرة أوروبية بشأن السلام في السودان


هو ثالث طبيب تبعثه رئاسة الدولة لعلاج أمراض علاقات السودان الخارجية وثاني طبيب أسنان يستخدم الحشوة وتجميل الأسنان وقتل الجذور وأخيراً خلع الأضراس والأسنان، وهي ذات مهنة وزير الخارجية الأسبق د. “مصطفى عثمان إسماعيل”.. ولكن اختصاصي المخ والأعصاب د. “حسين سليمان أبو صالح” فقد جاء لمنصب الوزير في فترة صعبة وعصيبة عاشها الرجل داخلياً قبل الخارج .. وإذا كان ثلاثة من الأطباء قد انتدبوا لعلاج مشكلات السودان مع العالم الخارجي، فإن اثنين من المحامين ترافعوا من قبل عن السودان هما الشيخ الأستاذ “علي عثمان محمد طه” و”علي كرتي” الوزير السابق .. وبين هذا وذاك تظل وزارة الخارجية هي الحقيبة الأهم والأكثر بريقاً في مجلس الوزراء.. حينما هبط البروفيسور “إبراهيم غندور” من القصر كمساعد للرئيس لشؤون الحزب بعد الانتخابات الأخيرة.. أدرك العالم أن حقبة جديدة وسياسات أخرى سينتهجها السودان من عصر المواجهة وفظاظة اللغة.. وقسوة التعابير إلى عصر نعومة اللغة وخشونة المفردات أحياناً .. وواقعية طبيب الأسنان الذي لا يزال يحتفظ بمقعده في كلية طب الأسنان بجامعة الخرطوم، ولكن أخذته الرحلات والأسفار والمؤتمرات.. وإذا كان د.”مصطفى عثمان” قد وصف بمهندس عودة علاقات السودان مع العرب والخليجيين، فإن بروفيسور “غندور” هو اختصاصي اندماج وتماهي السودان مع الخليجيين وقطع الصلات مع إيران وانقلاب “الخرطوم”على “طهران” وإدارة ظهرها لها .
كثير من الملفات على طاولة وزير الخارجية الذي كان يعد نفسه لاستقبال وزير الخارجية السعودي ويحزم حقائبه لرحلة لبلاد الأتراك.. ولكنه تحدث لـ(المجهر) طويلاً حول كل الملفات والأسئلة التي لم يتبرم منها ولم يطلب كشط أجوبته لحسابات خاصة، لأن “غندور” سياسي واقعي.. يملك موهبة الحوار مع الآخر أي كان الآخر.. ماذا قال الرجل الذي صمت كثيراً والآن يتحدث.
{ عدت أخيراً من “بروكسل” وقالت الخارجية إنها فتحت صفحة للحوار مع الأوربيين ما هو أفق هذا الحوار؟؟
-أولاً هذا الحوار يأتي بعد انقطاع سنوات طويلة.. تقريباً آخرها عام 1999م.. حوار بهذا الحجم وهذا التفاعل الدعوة وصلتنا قبل فترة من الاتحاد الأوروبي وتمت تلبيتها، وشملت اللقاءات تقريباً كل قيادة الاتحاد الأوروبي التنفيذية، بدءاً من مفوضة العلاقات الخارجية والسلم والأمن السيدة “فريدرك موقرني” وزيرة خارجية ايطاليا السابقة.. ومعاونيها لاجتماع استمر لساعات طويلة ناقشنا كل القضايا ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها فيما يهم الاتحاد الأوروبي قضية الهجرة إلى أوروبا وقضية اللاجئين والإرهاب.. وفيما يتصل بالسودان قضايا العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي وقضايا العلاقات الثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي وقضايا ديون السودان الخارجية وقضية الحصار الأمريكي، وقضية انضمام السودان لمنظمة التجارة الدولية في كل ذلك حدثت تفاهمات كبيرة جداً .
{ ما هي العقبات التي تحول دون التفاهم ؟؟
-كانت العقبة الحصار الأمريكي على السودان واتفقنا أن نمضي معاً لرفع الحصار عنا .
{ رفع الحصار (ساكت) دون مناقشة واتفاق على القضايا الجوهرية سبب الخلافات بينكم والدول الغربية؟
-لا توجد قضايا جوهرية بيننا والغرب.
{ هل قضية الحرب والسلام في السودان ليست من القضايا الجوهرية؟
-هذه القضية تعرضوا لها ولكننا قدمنا شرحاً وافياً عن جهود الحكومة في قضية السلام، وأكدنا بأننا الحكومة الوحيدة التي ظلت تتفاوض مع التمرد وحامي السلاح على مر الدهور، ولا توجد دولة أخرى قد فعلت ذلك، ولكن السلام أمر ثنائي بين الحكومة والحركات المتمردة.. البعض لا يريد السلام .
{ هل حدث أي تفاهم بينكم والاتحاد الأوروبي حول هذا الملف؟
-نعم هناك تفاهمات واضحة جداً ولو قرأت بيان الاتحاد الأوروبي وأرجو أن تعود إليه في هذا الأمر كان واضحاً جداً.
{ هي إشارة فهمت منها أن الاتحاد الأوروبي قد يضطلع بدور في تقريب وجهات النظر؟
-لا .. لا هذا لم يعرض على الأقل حتى الآن .. لكن الأوروبيين التزموا بأنهم سيعملون على إكمال السلام في السودان.
{ وماذا عن قضية حقوق الإنسان في السودان؟
-لم تناقش هذه القضية بأي تفاصيل هم سكتوا عنها وربما يكون السكوت دليل رضا على التقدم الذي حدث في هذه القضية .. فقط تمت الإشارة لها بطريقة عابرة.. رغم ذلك أكدنا التزامنا بكل ما علينا من التزامات دولية السودان موقع عليها، وبالتالي لم تشهد قضية حقوق الإنسان حيزاً في نقاشنا.
{ هل يمكن حدوث (فرز) في المواقف بين الولايات المتحدة والموقف الأوروبي وأين نقاط التلاقي والاختلاف بشأن السودان؟
-ربما يحدث ذلك في المستقبل لكن الأوروبيين شعرنا أنهم أكثر جدية وانفتاحاً على حل القضايا العالقة وهم مستعدون للعب دور لحل القضايا العالقة بيننا والولايات المتحدة.
{ التطابق بين المواقف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مفترق طرق؟؟
-لا أعتقد ذلك .. هم حلفاء. ولكن الاتحاد الأوروبي أكثر انفتاحاً على مسألة حلحلة أي إشكالات بالحوار.
{ قرار مجلس الأمن الدولي الأخير فيه تناقض بين ما تقول وما هو ماثل أمامنا من حقائق؟
-قرار مجلس الأمن الأخير الدور فيه ليس للاتحاد الأوروبي وإنما هناك دول بعينها وراء القرار، وإذا أشرنا للدول الأوروبية الموجودة في داخل مجلس الأمن ستجد أنها بريطانيا وفرنسا فقط .. التي تقود وزر محاولة حصار السودان .. وهذه مواقف بريطانية فرنسية ظلت ثابتة على الدوام .
{ وما قيمة المواقف الأوروبية بمعزل عن دولتين مثل فرنسا وبريطانيا يعتبران الأكبر نفوذاً في القارة الأفريقية والأكثر اهتماماً بالقضية السودانية؟
-قطعاً أوروبا (28) دولة ولها وجود في كل المؤسسات الدولية وأي دولة تكسبها لجانبنا هذا مكسب كبير .. حوارنا مع فرنسا وبريطانيا أيضاً سوف يستمر.
{ لكن السودان تحفظ على قرار مجلس الأمن الأخير؟
-تحفظنا الأول أنه آن الأوان لإيقاف اللجنة نفسها .. والتحفظ الثاني محاولة وضع حصار اقتصادي على السودان فيما يتعلق بقضية الذهب.
{ لماذا أثيرت قضية الذهب؟
-يجب أن نقف عند بعض المعلومات أولاً الموقف الروسي كان داعماً وقوياً لنا .. وكذلك الموقف الفنزويلي وهي رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر.. ثم موقف الصين وأنجولا .. والسنغال ومصر بهذا الترتيب، وبالتالي هذا الموقف تم بعد اتصالات بيننا وبين الوزراء المعنيين بهذه الدول، وكذلك السفراء المقيمين في الخرطوم.. لقد تواصلت مع الوزير السنغالي والأنغولي وقد أكد الاثنان دعمهما للسودان وقد صدق الوزراء فيما يقولون من خلال موقفهما داخل مجلس الأمن .. الأمر الثاني لم نتحدث للسفير الأمريكي وسيف القرار مسلط علينا .. أرادنا أن نعمل على إسقاط القرار ثم بعد ذلك نبعث برسالتنا بأنه ما كان لهذا القرار أن يقدم .. لأنك لا يمكن أن تقود حواراً مع شخص أو حتى تلومه وعليك قرار مسلط هذا يعني أنك على استعداد للحوار وتقديم تنازلات.
{ تماهي السودان مع الموقف العربي وخاصة السعودية لم يثمر شيئاً في فضاء العلاقة مع الولايات المتحدة أو أوروبا ؟
-قطعاً الأشقاء في السعودية معنيون جداً بقضية الحصار الاقتصادي على السودان، ولكنه يظل قراراً أحادياً أمريكياً مهما فعل الأشقاء يظل القرار بيد الولايات المتحدة الأمريكية.
{ ماذا كسب السودان من تماهيه مع المواقف العربية خاصة على صعيد ترتيب علاقته بالغرب؟
-السودان لا يتطلع في علاقاته مع أشقائه من أجل ترتيب علاقاته مع الغرب أو أي دول أخرى، علاقاتنا مع أشقائنا علاقات إستراتيجية نمضي فيها بهذا الفهم ولا ننتظر فيها ثمناً لا من الأشقاء ولا من أصدقاء الأشقاء.
{ لا نتحدث عن ثمن بقدر ما نتحدث عن مصالح؟
-مصالحنا هي مصالح ثنائية أو جماعية تأخذ كل منها بحقه وفي مكانه ولا نخلط الأمور.
{ تأثرت علاقات السودان أفريقيا بتماهيه مع العرب؟
-لعلك تنظر إلى علاقاتنا بأفريقيا اليوم في أفضل حالاتها عبر التاريخ وأقوى قرار صدر حول الجنائية منذ بداية استهدافها للسودان وحتى الآن خرج من آخر قمة أفريقية في “أديس أبابا”، ويكفي الأفارقة أنهم أعلنوا صراحة إذا لم يستجب مجلس الأمن ومحكمة الجنائية لما يطلبه الاتحاد الأفريقي، فيجب على الاتحاد الأفريقي النظر في خروج جماعي من المحكمة الجنائية، الأمر الثاني لأول مرة يخرج قرار داعم للسودان في ظل المقاطعة الأمريكية، بل أشار إلى أنه يطلب من الدول أن لا تلتزم بهذه المقاطعة. هذا القرار والجنائية كانا قرارين بإجماع ولم تشذ دولة واحدة ولا باعتراض أثناء النقاش .. الآن هناك زيارات عديدة لوزراء الخارجية الأفارقة للسودان آخرهم قبل ثلاثة أيام، وفي الأسابيع القادمة نتوقع زيارة لوزير خارجية السنغال وزامبيا وآخرين وهذا يؤكد مكانة السودان في أفريقيا .
{ هل صحيح أن ملف العلاقة مع دولة الجنوب انتقل من القصر للوزارة؟
-ملف العلاقة مع الجنوب تحكمه اتفاقيات .. ولكن في ظل العلاقات الثنائية هو ملف خاص بالخارجية ولدينا السفير “عبد الله حسن عيسى” مديراً لإدارة الجنوب بالخارجية، وهو رجل معروف لكن هناك اتفاقيات وقعها الرئيسان وهناك لجنة عليا تسمى اللجنة العليا للعلاقة مع جنوب السودان، يرأسها الرئيس ومقررها مساعد الرئيس ويتابعها النائب الأول للرئيس، ونحن أعضاء فيها وهذه اللجنة لها لجان فرعية ووزارة الخارجية مسؤولة عن أحد هذه اللجان، وهناك وزراء آخرون مسؤولون عن لجان أخرى.. هناك تسع لجان ولجان فرعية.
{ الوضع الطبيعي أن تصبح الخارجية هي المسؤولة عن هذا الملف؟
-نعم الآن نحن مسؤولون عن العلاقات الثنائية وتقاريرنا تصلنا من السفارة.. وأمس سفيرنا شارك في مؤتمر الإيقاد وأصدقاء الإيقاد بنيروبي الذي دعت إليه الولايات المتحدة.
{ هل عاد الملف للخارجية مؤخراً؟
-الملف أصلاً في الخارجية لكن هناك اتفاقيات ولجنة عليا يرأسها الرئيس، العلاقات الثنائية هي مسؤوليتنا في الخارجية مباشرة.
{ لقد أصبحت الخارجية الآن وزارة لبعض الملفات، مستشار الرئيس د. “عوض الجاز” مسؤول عن العلاقات مع الصين، وأصبح “طه عثمان” مدير مكتب الرئيس مسؤولاً عن العلاقات مع الخليج ووزير الدولة بالقصر “الرشيد هارون” مسؤولاً عن العلاقة مع الجنوب، ماذا تبقى للخارجية من ملفات؟
-ضحك بروفيسور “غندور” وقال أولاً فيما يتعلق بأن السفير “طه عثمان”مدير مكتب الرئيس مسؤول عن العلاقة مع الخليج هذا ليس صحيحاً .. الرئيس من حقه ابتعاث مساعديه ومستشاريه لكل الرؤساء في الدنيا، وقد حملت عنه خلال فترتي بالخارجية ثلاث عشرة رسالة لثلاثة عشر رئيساً .. وأحمل عنه في الأيام القادمة رسالة لرئيس كبير .. وفي هذا الإطار كلف الرئيس مدير مكتبه بمتابعة رسائل كثيرة وعلاقات مع بعض دول الخليج.. العلاقة على المستوى الثنائي بين الدول مسؤولية الخارجية عبر سفاراتنا في تلك الدول. نفرق بين علاقة ورسالة بين رئيس ورئيس وملك وبين علاقة ثنائية بين بلدين وقد انتهجت أمس زيارة وزير الخارجية السعودي.
أما قضية الصين هذه لجنة قديمة عمرها (5) سنوات كان رئيسها مساعد الرئيس د. “نافع علي نافع”، وقد عقدت ثلاثة اجتماعات في عهده ثم ترأستها أنا عندما أصبحت مساعداً للرئيس وعقدت (5) اجتماعات عندما كنت رئيساً لها، ومهمتها التنسيق ثم التنسيق ثم ترأس اللجنة السيد الرئيس شخصياً، ود. “عوض الجاز” نائباً له بدرجة وزير، ولما كان من غير الممكن دعوتها أي اللجنة بتلك الدرجة .. تكريماً له ودعماً لتكريم الصينيين له منحه الرئيس درجة المساعد ليتابع هذه اللجنة.

 

 

 

المجهر السياسي