الصادق الرزيقي

مأزق المعارضة


> قوى المعارضة الداخلية التي أعلنت عن تكوين سياسي جديد أمس، بدار حركة الإصلاح الآن، تحت اسم (قوى المستقبل للتغيير)، عليها أن تدرك أن التكتلات السياسية المعارضة التي تكونت من قبل منيت بفشل ذريع في برامجها، ولم تحقق شيئاً من أهدافها، فاستنساخ تجربة سبق وأن جُرِّبت، لن يفيد كثيراً، لأسباب عضوية وبنيوية في جسم التكوينات التحالفية التي تنشأ للضرورة والاصطفاف، ولعوامل سياسية وفكرية تجعل من القواسم المشتركة بين هذه القوى السياسية والتنظيمات معدومة. فإسقاط النظام والانتفاضة الشعبية ضده، لا يقوِّي عود هذا التكتل السياسي الجديد الذي ينظر إليه بأنه متنافر الأفكار ومشتت الرؤى والخطوات.
> لقد توعد وهدد السيد الصادق المهدي في مناسبات كثيرة منذ ستة وعشرين سنة ولم يزل، وأسرج كل خيول الأحلام، لإسقاط النظام عبر الانتفاضة الشعبية، وأطلق العديد من المسميات والتعريفات لانتفاضته الشعبية وطرائقه لمحو آثارها ومواراتها وركلها إلى غياهب الظلام والتاريخ، ولكن كل ذلك لم يحدث، ورجع إليه صدى صوته، ومن قبله ظل التجمع الوطني الديمقراطي المعارض من بداية عهد الإنقاذ حتى مواراة جسد التجمع في التربة النيفاشية، يُبشر السودانيين بقرب التخلُّص من نظام الإنقاذ واقتلاعه من جذوره بالرهان على العمل المسلح والانتفاضة المسلحة أو المحمية بالسلاح، ولم تفلح الحرب الهوجاء للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق في هزيمة الخرطوم حتى جاء به السلام ثم ذهب وذهبت بعده الحركة كما جاءت، وحاولت القوى السياسية المعارضة في فترات مختلفة بأشكال وتقليعات وتهيؤات وتشكلات متنوعة، أن تنتهج ذات النهج وحصدت خيباتها، ولم تفلح الحركات المسلحة في دارفور ومناصريها ودعواتها لعضويتها في الخرطوم وتحالفها مع مجموعات سياسية أخرى في إسقاط النظام، وكذا فعلت الجبهة الثورية وقطاع الشمال وتحالف الإجماع الوطني وشياطين أخرى من الساحة المعارضة، في الوقت الذي كان فيه غالب الإخوة الذين أعلنوا تجمع قوى المستقبل، هم جزء من السلطة القائمة ومن كبار كهنتها وعُرابيها.
> على القوى السياسية السودانية وخاصة المعارضة، أن تستفيد من تجاربها وتجارب غيرها، لقد أُتيحت فرص للم الشمل عبر الحوار الوطني، وقاطعت هذه المجموعات الحوار لأسباب معلومة تتعلق بمواقفها ورؤيتها للحوار وليس في ذلك غضاضة، لكنها لا تستطيع إعادة عقارب الساعة للوراء والرجوع للمربع الأول، للمواجهات والصدامات والانتفاضات. فباب الحوار مفتوح والإرادة متوفرة، وهناك سانحة للتفاهم السلمي المشترك بين السودانيين. فالتحشيد بغرض إنجاح انتفاضة شعبية لإسقاط النظام، لا تتوفر شروط نجاعته ونجاحه، نظراً للواقع السياسي الذي نعيشه، ولعله لا يفوت على فطنة قادة قوى المستقبل. فالسلطة القائمة كسبت من الحوار الوطني في الداخل كما ربحت الكثير في الخارج، وهناك أحزاب وتنظيمات مهما كان حجمها كبيراً أو صغيراً، ومهما كانت قلة حيلتها، قد شاركت في الحوار وأصبحت جزءاً من عملية سياسية جارية، قوامها الحوار، وخرجت الحكومة وأحزابها من الحوار وهي متماسكة، وبجانبها صف طويل من مؤيدي عملية الحوار ونابذي العنف السياسي والانتفاضات.. فبينما تربح الحكومة مربعات جديدة، تتراجع قوى المستقبل للتغيير للوراء، وبين قادتها أشخاص مستنيرين ومفكرين ومثقفين وقادة رأي يستطيعون قراءة الواقع السياسي والاجتماعي بدقة، ويدركون ديناميكيات التغيير السياسي في البلاد.
> نحن أمام مرحلة سياسية جديدة، حقبة ما بعد الحوار، فلتهدأ قوى المستقبل قليلاً وتصوب بصرها ونظرها نحو مستقبل البلاد، وهو لا يحتمل المزيد من التشنجات والتلويح بالخروج للشارع والتحدث بلغة العنف والإسقاط، ولم يبقَ في الوطن شبر ليس فيه ضربة سيف أو طعنة رُمح، ولم يبقَ في جسده وروحه مكان لنصل جديد يريد طعن خاصرته. تحركوا بالحوار والمنطق وأساليب العمل السياسي النظيفة والخطاب السياسي الصريح، حتى نجتاز هذه المرحلة ونبلغ مرحلة التداول السلمي للسلطة..