تحقيقات وتقارير

تعدُّد مراكز المعارضة.. هل يكسب النظام ويخسر خصومه؟؟


الرقم (41) هو أبرز ما ركزت عليه صحف الأمس وهي تنقل خبر تشكُّل أو (تبرعُم) جسم جديد للمعارضة، فالرقم يشير إلى عدد الأحزاب والتنظيمات المكوِّنة للحلف الجديد، ويبدو بلغة الصحافة أن الصحفيين وجدوا أن (الخبر) يكمن في هذا الرقم الكبير نسبياً، وليس في نشوء التحالف الجديد في حد ذاته، فأكثر ما قامت به المعارضة من نشاط و(إنجازات) منذ ما بعد اتفاقية (نيفاشا) هو تكوين التكتلات الجبهوية، بدءاً من أحزاب مؤتمر جوبا، التي تحولت لاحقاً إلى تحالف قوى الإجماع الوطني، ثم أحزاب وتنظيمات (الفجر الجديد) هذا الحلف لم يقو على الاستمرار أكثر من بضعة أيام عقب التوقيع عليه في كمبالا، بعدها وعقب شعور المعارضة بضعف تحالف قوى الإجماع في أعقاب خروج حزبي الأمة والمؤتمر الشعبي والحاجة للتنسيق مع القوى المسلحة تكونت (قوى باريس) بجهد عرابها رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” وقادة الجبهة الثورية، لكن هذا الجسم الجديد لم يكن مرضياً لقوى الإجماع لتخوف بعضها من كونه مطيّة لـ”المهدي” لقيادة العمل المعارض، فيمموا جميعاً وجوههم شطر أديس أبابا فكان مولد جبهة معارضة جديدة هي (قوى نداء السودان).. بالمقابل كانت القوى المعارضة التي اختارت المشاركة في الحوار تنتظم في تكتل باسم (قوى المعارضة المحاورة) التي تشظت بدورها وتشكل منها جسم جديد يقوده المؤتمر الشعبي، وبقيت القوى الأخرى التي خرجت من الحوار بقيادة “حركة الإصلاح الآن” التي يتزعمها “غازي صلاح الدين”، الذي نشط في تشكيل هذا التكتل الأخير بضم كيانات موجودة أصلاً هي (القوى الوطنية للتغيير- قوت- الذي يقوده القيادي السابق بالمؤتمر الوطني “فرح عقار”، وتحالف القوى الوطنية التي تمثل الأحزاب المنسحبة من الحوار، بجانب الجناح المنشق من أحزب الوحدة الوطنية التي كانت مشاركة في الحكومة). ويبقى السؤال المحوري في ظل هذا الكم الكبير من التحالفات المعارضة والمتشاكسة فيما بينها على مدى السنوات الماضية: هل تحتاج المعارضة فعلياً لظهور تكتل وتحالف جديد؟ وهل تم تقييم لفاعلية التكتلات الموجودة ومعرفة أسباب فشلها في تحقيق حد أدنى من الإجماع بين مكونات المعارضة يُفضي إلى تنفيذ رؤاها على الأرض والاقتراب من تحقيق أهدافها؟؟ وهل يصب هذا التكتل في مصلحة المعارضة وضرورة وحدتها لإنجاز أهدافها؟ أم أن النظام هو المستفيد من تعدد مراكز المعارضة وجبهاتها؟؟
(1)
تجربة التكتلات المعارضة السودانية لم يحالفها التماسك والتوفيق والنجاح منذ التكتل الأشهر ضد نظام الرئيس السابق “جعفر نميري” الموسوم باسم (الجبهة الوطنية) التي ضمت حزب الأمة والاتحاديين والإخوان المسلمين، رغم النجاح المسلح النسبي الذي حققه هذا الكيان في وصوله بقوات مسلحة إلى قلب الخرطوم لإسقاط نظام “نميري”، ليعقبه فشل العملية برمتها وتبدُّد شمل الجبهة الوطنية ودخول بعض مكوناتها في مصالحة مع “نميري”، ومروراً بتجربة التجمع الوطني الديمقراطي الذي جمع قوى المعارضة كافة ضد نظام الإنقاذ الذي فشل في تحقيق هدفه بإسقاط حكومة “البشير” رغم شنه حرباً على طول حدود السودان الشرقية والجنوبية، ليأتي بعدها مهرولاً للتصالح مع النظام عقب تخلي “جون قرنق” عن التجمع وتوقيعه منفرداً اتفاق سلام مع الحكومة. عقب توقيع اتفاق (نيفاشا) ودخول الحركة الشعبية لاعباً أساسياً كمكون سياسي مدني من داخل الخرطوم، بدأت بذرة تكتل معارض جديد يضم الحركة- رغم أنها شريك أساسي في الحكومة- وذلك من داخل “مؤتمر جوبا” الذي كان مهندسه القيادي بحزب الأمة القريب من الحركة الشعبية “مبارك الفاضل”، لتصبح (أحزاب جوبا) هي الكيان المعارض الجديد.. ونسبة لتناقض مواقف الحركة الشعبية بين كونها شريكاً أساسياً في النظام يسعى لتحقيق أهداف خاصة بالجنوب أولها تنفيذ استفتاء الجنوب المنصوص عليه في (نيفاشا)، وبين الدور المعارض الذي تريد أن تلعبه فشلت أحزاب جوبا في تحقيق أية درجة من النجاح في تحقيق أهداف القوى الشمالية المعارضة، لدرجة أنها فشلت في فرض رؤيتها حول قانون الأمن الوطني من داخل البرلمان الذي كانت تمثل الحركة الشعبية وقوى التجمع فيه كتلة مقدرة بعد أن ساومت الحركة القوانين الموصوفة بأنها مقيدة للحريات بقانون استفتاء الجنوب.
بعد الانفصال أصبح (تحالف قوى الإجماع الوطني) المكون من ذات (أحزاب مؤتمر جوبا)- باستثناء الحركة الشعبية- هو الجسم الأساسي المعبر عن المعارضة، رغم التعارض الفكري والأيديولوجي بين بعض مكوناته في ظل وجود المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه “حسن الترابي” بمرجعياته الإسلامية المعروفة، وهو التعارض الذي تسبب لاحقاً في خروجه من التحالف. وقبل خروج الشعبي، غادر حزب الأمة التحالف بدعوى المطالبة بإعادة هيكلته وتقييم أدائه، وبعدها توالت الاختلافات بين مكونات التحالف خاصة بعد توجهه نحو تقوية الصلات مع الحركات المسلحة، الأمر الذي رفضته بعض مكونات التحالف. هذا كله مجموعاً إلى فشل قوى الإجماع في تفعيل الشارع أو تحريكه نحو تشكيل ضغط سياسي على الحكومة دعك عن تحقيق هدف الانتفاضة الشعبية الذي ظلت تحتشد به أدبيات التحالف ومواثيقه، وهي حالة من الضعف والعجز عن الفعل السياسي عبّر عنها مؤخراً حزب المؤتمر السوداني- أنشط أحزاب التحالف- لدرجة أن رئيسه الجديد “عمر الدقير” لوّح بإمكانية مغادرة حزبه لقوى الإجماع ما لم ينصلح حالها.. في ظل هذه الأوضاع نشط “الصادق المهدي” في منفاه الاختياري في تشكيل مركز معارضة جديد بدأه بتوقيع (نداء باريس) مع الجبهة الثورية، وهو الأمر الذي رفضته قوى الإجماع الوطني، تعبيراً عن مخاوفها من اتخاذ “المهدي” للكيان الجديد (حصان طروادة) لاعتلاء منصة قيادة المعارضة، لتنشط بعدها تدخلات دولية وإقليمية لجمع الشتات المعارضة، هذه المرة في إثيوبيا، ليتشكل تحالف (نداء السودان) جامعاً (حزب الأمة والجبهة الثورية وقوى الإجماع وكونفدرالية المجتمع المدني)، ولم يسلم الجسم الجديد من اتهامات الضعف وضرورة إعادة الهيكلة والتوسع وهو المطلب الذي طرحه “المهدي” وأصر على رفضه آخرون، خاصة في قوى الإجماع.
واستمراراً لما يمكن تسميتها مسيرة فشل التحالفات المعارضة، وفي ظل انشقاق الجبهة الثورية بين حركات دارفور والحركة الشعبية، برزت دعوة “الصادق المهدي” لتشكيل تكتل جديد بمسمى مشابه درجة التطابق للتكتل الذي أُعلن عنه أمس الأول في دار حزب “غازي صلاح الدين” (قوى المستقبل)، فقط أضيفت له كلمة (للتغيير)، لتصبح الساحة السياسية المعارضة مجرد (ماكينة) لنسخ الصور المتشابهة.
(2)
إذن بعد هذه المسيرة الطويلة من ما يمكن تسميته فشل التحالفات المعارضة، يبدو جلياً أن العمل المعارض لا يحتاج إطلاقاً إلى ظهور أجسام جديدة على أنقاض القديمة في ظاهرة أقرب إلى (التكاثر الأميبي)، لجهة أن الأجسام الجديدة في الغالب تضم ذات أو غالب الأحزاب المنضوية في التحالفات الموجودة أو المندثرة، ليبرز بوضوح أن العلة في المنهج الذي تتعامل به أحزاب المعارضة من خلال العامل الجبهوي، وفي انعدام الثقة بين هذه الأحزاب، بجانب عدم إجماع هذه التحالفات على أهداف واقعية ومرنة قابلة للتحقيق وفق معطيات الواقع السياسي، منها على سبيل المثال: تمسك أغلب هذه التحالفات بخيار إسقاط النظام وتفكيكه في ظل افتقارها لآليات وإمكانيات تحقيق هذا الهدف من خلال القدرة على تحريك الشارع، بل وعجزها خلال أحدث سبتمبر 2013م عن مجاراة حراك الشارع وقيادته نحو الانتفاضة.
(3)
إذن ما الذي يمكن أن يقدمه التحالف الجديد (قوى المستقبل للتغيير)؟ وهل يمكن أن ينجح في ما فشل فيه أسلافه؟ من خلال النظر لمكونات التحالف الجديد يتضح أنه مكوّن في الأصل من ثلاثة تحالفات قائمة وليس من أحزاب منفردة، وهي تحالفات لم يسمع بها الشارع السوداني دعك عن أن يكون لها فعل سياسي مؤثر، فكيف يمكن لتحالفات مجموعات أحزاب لم تستطع حتى أن تُعرِّف الناس بوجودها أن تحقق أهدافاً سياسية تصل درجة إسقاط النظام كما هتف بذلك كثير من مكونات الجسم الجديد؟ فالقوى الوطنية للتغيير (قوت) يقودها القيادي السابق بالمؤتمر الوطني فرح عقار وأحزاب مثل الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي لا وجود له في الشارع ولا تأثير، بجانب مجموعة أحزاب صغيرة بلا أي أثر. والمكون الثاني هو تحالف القوى الوطنية المكون من بضعة أحزاب قاطعت الحوار بعد أن كانت جزءاً منه أبرزها “حركة الإصلاح الآن” المعتمدة على كاريزما وتأثير شخصية رئيسها “غازي صلاح الدين”، بجانب منبر السلام العادل الذي يعيش حالة أشبه بالموت السريري. والمكون الثالث هو أحزاب منشقة عن أحزاب حكومة الوحدة الوطنية التي ظلت جزءاً من النظام لسنوات طويلة، وهي في مجملها أحزاب ضعيفة وبلا قواعد. واتضح جلياً التباس موقف هذا التحالف الجديد أو ربما العجلة في الإعلان عن مولده، في أنه لم يخرج للناس بخط سياسي متفق عليه ومعلن، وهو ما برر له “غازي”- حسب ما نقلته بعض الصحف- بأن الأحداث السياسية متلاحقة، ما يجعل من العسير التخندق حول خط سياسي محدد، لكن (الأعسر) هو فهم هذا التبرير، إذ كيف يمكن خروج تحالف سياسي للعلن دون الاتفاق على خط سياسي محدد، ويتأكد هذا الالتباس من خلال تأكيد بعض مكونات التحالف على تبني خط إسقاط النظام عبر الوسائل السلمية.
نظرياً يبدو في غاية الاستبعاد أن ينجح تحالف بهذا الضعف من حيث المكونات والخط السياسي في ما فشلت فيه تحالفات أكثر رسوخاً من حيث المكونات ذات الثقل الجماهيري والخط السياسي الأكثر وضوحاً والعلاقات الدولية الأوسع.
(4)
واحدة من علامات الاستفهام حول التحالف الجديد هي عدم اتفاق مكوناته على هيكلة لقيادته، وهو استفهام قد تبدو الإجابة عنه حاضرة في أن المتحالفين الجدد في انتظار انضمام قوى مؤثرة إليه، خاصة حزب الأمة القومي الذي بدا في حالة من التباعد مع مكونات (نداء السودان)، وتبدو الخطوة متوقعة من خلال مشاركة الحزب في تدشين التحالف الجديد بحضور أحد قادته “عبد اللطيف الجميعابي”- رغم أنه ليس من قيادات الصف الأول- وهي خطوة إن تمت فإنها بالتأكيد تضيف ثقلاً سياسياً وجماهيرياً مقدراً يفتقده بشدة تحالف (قوى المستقبل للتغيير).. ومن ناحية أخرى قد يضمن لـ”الصادق المهدي” فرصة جديدة لقيادة تحالف معارض في ظل انعدام هذه الفرصة في (نداء السودان) ومن قبلة (قوى الإجماع).
ومن الأحزاب التي يطمح المتحالفون الجدد في ضمها (المؤتمر السوداني) الذي كان رئيسه السابق “إبراهيم الشيخ” حاضراً، خاصة وأن المؤتمر السوداني صرح بوضوح بإمكانية مغادرته لمنصة قوى الإجماع. خطوتان إن تحققتا- انضمام (الأمة) و(السوداني) للتحالف الجديد- ستجعلان منه منافساً حقيقياً لـ(قوى الإجماع الوطني) وربما لـ(قوى نداء السودان)، لكن تبقى هناك عقبة حقيقية أمام انضمام حزب الأمة متمثلة في صعوبة تخليه عن تحالفه مع الحركات المسلحة بعد أن استطاع كسر حاجز انعدام الثقة الذي كان قائماً بينه وبين هذه الحركات، لكن قد يكون “الصادق” متحسباً لإمكانية إعادة هذه الحركات لتجربة (نيفاشا) وتخليها عن حلفائها، ما يجعل من هذا التحالف الجديد منصة مناسبة لقيادة حزب الأمة لتكتل معارض يقوي من موقفه التفاوضي مع النظام في أية تسوية سياسية مقبلة.
(5)
إجمالاً، يبدو أن النظام هو المستفيد الأكبر من تعدد مراكز المعارضة التي يعمل بعضها على إضعاف بعض، وكثيراً ما استفاد النظام من التعامل مع القوى المعارضة من منصات مختلفة بدلاً عن التعامل معها ككتلة واحدة، ما مكّنه من إحداث اختراقات كبيرة في مواقف المعارضة، ولعل كل اتفاقياته التي وقعها مع المعارضة استفاد فيها من تعدد الأجسام المعارضة. وأكثر ما يضر بالمعارضة أنها لا تعمل على إنجاز حد أدنى من الاتفاق بين كتلها الأكبر، ما يجعلها غالباً مشغولة بخلافتها فيما بينها خصماً على معركتها مع النظام الحاكم.

المجهر السياسي


تعليق واحد

  1. الحزب الديمقراطي الليبرالي لا علاقة له بما يسمى بقوت ناهيك عن ان يقوده . كلام مضلل