مقالات متنوعة

د. عارف عوض الركابي : وأُسدِل السِتار على ظاهرة مثيرة للجدل «1»


بحسب ما جرى من أحداث في الظاهرة المثيرة للجدل وهي ظاهرة جديدة في الساحة، انشغلت بها مواقع التواصل الاسفيري وعلى أرض الواقع، ظاهرة من صرّح بأنه لا يثيره أن يسمى بـ «شيخ الجكسي»!! بحسب ما جرى فإنه قد أسدل الستار على هذه الظاهرة «الغريبة»، وقد رأيت أن أُجري «جرد حساب» موجز لهذه الظاهرة، أستصحب فيه المقالات التي نشرتها متفرقة في مناسبات متنوعة في كشف الباطل الذي جاء به صاحب هذه الظاهرة، وأول هذا «الجرد» إلقاء الضوء على جانب يدّعي فيه الأمين أنه جمع به الشباب والفتيات وهو تلك النوبات وذلك الرقص، فقد نقضت هذا الابتداع بقولي التالي: دلّني أحد الإخوة على رابط لقاء أجرته إحدى القنوات مع «الأمين» الصّوفي الذي كثر حوله الجدل، فشاهدت اللقاء من أوّله إلى آخره، ووقفت على طوام كبيرة ومبتدعات محدثة، وبعضها لا يحتاج إلى أن يعلّق عليه، بل أقول إن أغلب ما ورد في اللقاء المذكور مما يدرك العامّة خطأه من صوابه، إلا أن المسألة التي أردتُ التعليق عليها هي أن من عقد معه اللقاء يركّز على أنه أتى بما يفيد الشباب والفتيات !! وأنه يخرجهم من ظلمات إلى هداية ونور!! وما أشبه ذلك من الدّعاوى الفاسدة والمنكرة التي يدّعيها الصوفي «الأمين»، ولمّا كانت طريقة أذكاره مع أتباعه التي تنشر في المقاطع المتداولة فيها الرقص المشهور، وقد قال إنه يستخدم في بعضها الموسيقى، لمّا كانت هذه الأذكار بهذه الطريقة هي من أبرز ما يدعيه من هداية يحملها لنفسه ولمن حوله من المخدوعين، أردت أن أبيّن أنها ليست بهداية وإنما هي «غواية» وعمل محدث منكر محرّم، أبيّن ذلك ونحن نستقبل عيد الفطر المبارك حيث يكثر ضرب «النّوبَات» عند كثير من الناس وفي بعض المناسبات، أبيّن ذلك نصحاً للمسلمين وإبراءً للذمة فأقول: هل علم من يدّعي أن الذكر بالرقص وضرب النوبات هو عمل أنكره بعض الصوفية أنفسهم؟!! من باب «وشهد شاهد من أهلها» أنقل من بعض الصوفية ما يلي:
قال أبو علي الروذباري المتوفى سنة «322هـ» وهو من كبار الصوفية قال عن السماع وذلك في كتاب «كشف المحجوب»: «ليتنا تخلصنا منه رأساً برأس» وردّ على من قال بجوازه وادّعى الوصول عن طريقه فقال: «نعم قد وصل، ولكن إلى سقر». وقال الجنيد المتوفى سنة «267هـ» في رجل صحبه في سفره وكان يزعق عند سماع ذكرهم وذلك في «الرسالة القشيرية» فقال: «إن فعلتَ ذلك مرة أخرى لم تصحبني». وأمّا السهروردي المتوفى سنة «630هـ» فرفض هذه الظاهرة وما يتبعها وما يصاحبها فقال في كتابه «عوارف المعارف»: «إن أنصف المنصف وتفكر في اجتماع أهل الزمان وقعود المغني بدفه، والمشبب بشباته، وتصوَّره في نفسه، هل وقع مثل هذا الجلوس والهيئة بحضرة النّبي صلى الله عليه وسلم، وهل استحضروا قَوَّالاً وقعدوا مجتمعين لاستماعه لا شك بأنّه يُنكر ذلك من حال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولو كان في ذلك فضيلة تُطْلَب ما أهملوها». وقال السهروردي أيضاً في بيان عدم صحة ما يستدل به الصوفية على التواجد وتمزيق الثياب: «.. ويخالج سري أنّه غير صحيح، ولم أجد فيه ذوق اجتماع النّبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، وما كانوا يعتمدونه على ما بلغنا في هذا الحديث، ويأبى القلب قبوله، والله أعلم بذلك».
وعدّ الطوسي وهو أحد أئمة الصوفية في كتابه «اللمع» أنّ هذا السماع.. وما عليه الصوفية في ذلك هو سماع أهل الباطل فقال: «سماع الأوتار والمزامير والمعازف والكونة والطبل سماع أهل الباطل، وهو المحظور المنهي عنه بالأخبار الصحيحة المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم». وللاستزادة الاطلاع على كتاب «السماع الصوفي» لمحمد الجوير.
قلتُ: أدلة إبطال ما عليه الصوفية من ضرب «الطار» و «النوبات» وما هو مشهور عند العامة بـ «كشلوْ كشلوْ» وما تطوّر عليه الحال حتى وصل إلى ما يقدم في بعض القنوات والإذاعات من أدائه هذا العمل المبتدع في دين الإسلام بواسطة نساء متبرجات في كامل زينتهن وبالآلات الموسيقية، ويؤديه أحياناً الفنّانون!! أدلة بطلان ذلك واضحة معلومة، لكن قصدت بإيراد كلام بعض الصوفية في ذلك التنبيه بطريق آخر لبعض من لم يتضح لهم بدعيّة هذا العمل المحدث ليبحثوا عنه «متجردين» عن قيود التبعية قاصدين الوصول إلى الحق.. واضعين التقيد بما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته ميزاناً في إثبات المشروع والعمل به والبعد عن الممنوع.. والمبتدع الموضوع وأما حكم ضرب «النّوبات» في بيان علماء أهل السُّنة وقولهم في بيان بدعية السماع الصوفي، والرقص والطرب والتمايل وضرب النوبات وما يتبع ذلك فأورد ما يلي:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري» ناقلاً عن المفسِّر المالكي القرطبي قوله: «.. وأمّا ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن يُنسب إلى الخير حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القُرَب وصالح الأعمال، وأنّ ذلك يُثمر سِني الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرفة والله المستعان».
وقال الطرطوشي المالكي: «وأمّا الرقص والدق وكشف الرأس وتمزيق الثياب فلا خفاء على ذي لب أنّه سخف ولعب ونبذ للمروءة والوقار ولِمَا كان عليه الأنبياء والصالحون».
وقال الشاطبي المالكي في بيان الحديث المكذوب في التواجد في كتاب «الاعتصام»: «فمنها اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة والمكذوبة فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها كحديث.. أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تواجد واهتزّ عند السماع حتى سقط الرداء عن منكبيه وما أشبه ذلك، فإنّ ناقل أمثال هذه الأحاديث على ما هو معلوم جاهل ومخطئ في نقل العلم الشرعي، فلم يُنقل الأخذ بشيء منها يُعتد به في طريق العلم، ولا طريق السلوك». وقال القرطبي المالكي في بيان سند الحديث: «إنّ هذا الحديث ممّا لا يوجد مسنداً ولا أخرجه في كتابه أحد من أئمة المحدثين، وإنّما هي أحاديث مروَّجة وأكاذيب مبهرجة وضعها الزنادقة وأهل المجون والمخرفة يرمون بذلك نسبة اللهو والمجون إلى الأنبياء الفضلاء». وقال: «إنّ الواقف على متن هذا الحديث يعلم على القطع أنه مصنوع موضوع لأن الشعر الذي فيه لا يناسب شعر العرب ولا يليق بجزالة شعرهم ولا ألفاظهم وإنما يليق بمخنثي شعر المولّدين». وفي كتاب «تلبيس إبليس» لابن الجوزي أورد قول الإمام ابن بطة المتوفى سنة «387هـ»: «سألني سائل عن استماع الغناء فنهيتُه عن ذلك وأعلمتُه أنّه ممّا أنكره العلماء واستحسنه السُّفهاء وإنّما يفعله طائفة سُموا بالصوفية، وسمَّاهم المحققون الجبْرِيَّة أهل همم دنيئة وشرائع بدعية يُظهرون الزهد وكل أسبابهم ظلمة، يدعون الشوق والمحبة بإسقاط الخوف والرجاء، يسمعون من الأحداث والنساء ويطربون، ويصعقون، ويتغاشون ويتماوتون ويزعمون أنّ ذلك من شدة حبِّهم لربِّهم وشوقهم إليه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً».
إنّ الواجب الاستقامة على الأذكار الشرعية التي ثبتت في الكتاب والسُّنّة وهي التي يترتب عليها الأجر والثواب ويقبلها الله تعالى، وفي ما صحّ في السُّنّة الخير والكفاية من قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله وسبحان الله بحمده وسبحان الله العظيم وأمثالها مما ثبت بالدليل الصحيح، فإنّها خير الكلام وألفاظها ومبانيها ومعانيها عظيمة يجب الإكثار منها والاجتهاد فيها.. وكل عمل لم يكن عليه النّبي عليه الصلاة والسلام فهو رد.. أي مردود على صاحبه.