تحقيقات وتقارير

قنوات الشعوذة والدجل..ضحاياها عامة ومتعلمون


(نستطيع أن نجلب الحبيب ونرد الغائب ونزوج العانس ونفك السحر والمس والعين، ونجلب الرزق ونفك السجين ونعطي الأسرار النوارنية ونسخر الخدام)، مقولات من الدجل والشعوذة لا تنقل عن طريق أشخاص التقوا بهؤلاء الدجالين فقط، ولكنها مفردات تبثها العديد من القنوات الفضائية، حيث أصبح لها مشاهدون وزبائن يتعاملون مع المشعوذين عن طريق العناوين التي تبث لهم في الإعلان التلفزيوني.

رجال ونساء يمارسون هذه المهنة المحرمة ويرتدون ثوب الشياخة والقداسة يمارسون حيلهم ليس فقط على البسطاء، بل حتى على المتعلمين والصفوة في ظل غياب الوعي الديني. وأبرز زبائنهم هم نجوم الرياضة والفن والسياسة.

عبر هذا الملف رصدنا جانباً من هذه النماذج وتداعياتها على المجتمع.

إعلانات السحر والشعوذة:

معظم إعلانات مدعيي العلاج و(الشياخة) يروج لإعلاناتهم عبر قنوات تخصصت فقط في نشر بضاعة الدجل والشعوذة، ويدعون إنهم يعالجون المس والعين والسحر، وبعضهم يطلق على نفسه بقاهر العفاريت وفك الأسحار السفلية والعلوية. فـ(الشيخة زينب)، توصف نفسها في الإعلان بـ(المشهود لها بالمصداقية) وإنها قادرة على فك أنواع السحر المشروب والمرشوش والمدفون والمشموم وتزويج لمن يريد وتسخير الزوج للزوجة وجعله كالخاتم في إصبع زوجته، كما لها القدرة على الإصلاح بين الأهل والأصحاب ويقول الإعلان إن كافة أعمالها عند طلوع الشمس وسطوع القمر، ويصف أحد أدعياء الشياخة نفسه في الإعلان (بصاحب الكرامات المتخصص في جلب الحبيب وفك العنوسة وتقريب البعيد)، بينما يمنّي آخر المطلقات أو المهجورات بإرجاع الزوج، بينما يصف مشعوذ آخر نفسه بأنه فاتح الأقفال وسلطان الصلح، وهناك إعلان آخر يقول (استرجاع الحبيب فوراً). لكن (شيخاً) آخر يبدو إنه أراد أن يميز نفسه في سوق الدجل حيث أدعى أن لديه (الخواتم الروحانية). وضمن غرائب إعلانات الدجل يدعي آخر بقوله (فك سحر الفراعنة الذي حير العلماء لبناء الأهرامات). أما الشيخ أبو القاسم، فيدعي إنه قادر على حل كل المشاكل المالية والاجتماعية، وإخراج المسجون مهما كان حكمه (يعني حيفضي السجون من التأبيدة)!. وتسخير ما يرغبه الفرد.

أما أبو العباس المكني نفسه بـ(صاحب الأصول الآسيوية( لزوم الترغيب، بعد أن أعلن قدراته الخارقة، أكد أن كل أعماله تعمل بواسطة البخور الأبيض وعطر النوك ولبان الضكر وريش الطاؤوس ورأس البوم (حديقة حيوان متحركة). في حين أن دجال آخر ادعى تأليف القلوب وامتلاك عشبة القلب والسعادة الزوجية والمحافظة على الصداقة.

أوهام العلاج

ويلاحظ أن معظم الدجالين يدعون قدرتهم أيضاً على علاج الأمراض العضوية حتى أن أحدهم يقول بجرأة إنه تمكن من وضع حد نهائي لعلاج السرطان (يعني مراكز بحوث السرطان تقفل بعد كده). كذلك هناك آخرون يدعون علاج العقم وأعلن آخر عن عشبة لتقوية المناعة وعشبة أخرى لعلاج المعدة، ويبدو أن أحدهم يمتلك شيئاً من الثقافة الطبية العامة فادعى علاج البكتريا وكافة أنواع التقرحات، ووقف التبول اللاإرادي، أما أحمد الرفاعي، فقد زعم علاج العقم وتأخر الإنجاب، بينما نشر دجالون إعلانات ادعوا فيها رسائل من مشاهدين شكروهم بعد علاجهم من الأمراض المستعصية ومن السحر والعين والمس.

أما أحدهم فقد أراد أن يختصر الإعلان عن بضاعته الوهمية بكتابة سطر واحد جاء فيه (أتصل الآن لتعرف أسباب مشكلتك وأعلم أنك ستكون من المحظوظين).

الدخول للحاكم

ولأن الدخول إلى الحكام أمر ليس سهلاً ومن أعقدها، فيدعي أحد الدجالين إنه قادر أن يُدخل طالب الخدمة للحاكم.

منح الرزق وتسهيله

بالرغم بداهة من أن منح الرزق من الله سبحانه وتعالى ومن اختصاصه، لكن «الشيخة سكينة» تدعي في أحد إعلانات الدجل والشعوذة إنها (تفتح الرزق).

أما الشيخ أبو العباس، فيقول إن لديه خواتم قرطاجية سليمانية لتسهيل الرزق، ويضيف عبارة (بعون الله) لتخفيف الصدمة العقدية للمشاهدين الأكثر وعياً، بينما أدعى آخر إنه يمتلك مغنطيس لجلب المال ومضاعفة الرزق بنسبة 50% (ما تخليها 100%) وإن له خداماً من كبار العفاريت العلوية (يا ساتر)! في حين أعلن دجال آخر عن ما أسماه بالسعد في التجارة. بينما يطالب أحد الدجالين طالبي الخدمة السحرية (أكتب الاسم في هذا المربع بين الطلاسم واسم أمك في المربع الآخر ولن يضرك شيئاً بعده).

الفنانون وأعمال السحر والشعوذة

يقول أحد المواقع الإلكترونية، إن شائعات كثيرة تنشر حول استعانة الفنانين بـ«الدجالين» لتحقيق مصالح معينة سواء أكانت شخصية أم فنية، أبرزها خطف الأدوار أو الاستمرار في النجومية، وتُتداوَل في الأوساط الفنية العربية أخبار وشائعات عن اتخاذ نجمات الفن والسينما العربية، المغربَ وجهةً لممارسة السحر والشعوذة، بعيداً عن الأضواء.

وما إن تقرر إحدى النجمات بزيارة المغرب، حتى يتم تداول الشائعات عن ذهابهم لـ«الدجل والسحر».

ومن أبرز الشائعات التي انتشرت في هذا المجال، هو أنه قد ربطت شائعات بين زيارت كل من «بوسي» و«ليلى علوي» للمغرب، وبين الحادث الخطير، الذي تعرضت له الفنانتان في المغرب، وبين خلافاتهما مع أصدقاء ومنافسين في المجال، بعد فوز فيلم «بحب السيما» بعدة جوائز، إذ تحدثت الشائعة عن عملية انتقامية دبرت لهما بالاستعانة ببعض المشعوذين المغاربة.

وتقول صحيفة (الشرق الأوسط) أن بعض المثقفين يلجأون الى الدجالين لحل مشاكلهم، الى جانب الفنانين ورجال الأعمال، فمنذ فترة قررت نيابة شبرا حبس دجال ذاع صيته بين الفنانين ورجال الأعمال بزعم قدرته على إنجاح صفقاتهم ومساعدة بعضهم على الإنجاب مقابل مبالغ مالية ضخمة. وعندما تم تفتيش مسكن المتهم عثر على جثة جنين حديث الولادة اشتراها ، كما تم العثور على شهادة تحمل اسم المتهم وصورته منسوبة الى المعهد الفلكي بباريس وكتب خاصة بالسحر السفلي وصور لضحاياه ومجموعة من باروكات الشعر.

حملات التنوير والدعوة

كثيراً ما يحذر الدعاة من قنوات الدجل والشعوذة مثل الشيخ عبدالرحمن السديس إمام المسجد الحرام وعضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى التي نقلت عنه صحيفة (الرياض) في إحدى خطب الجمعة قائلاً إن «العقول البشرية قد تعرضت لعمليات وأد واغتيال خطيرة عبر حقب طويلة، عبر خناجر الوهم والخرافة، وألغام الدجل الشعوذة، وهي أعتى طعنة تسدد في خاصرة الإنسان العقلية، وقواه الفكرية والمعنوية».

مبيناً أن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم تهدف إلى تحرير الإنسان من الجهل والباطل، وأشار الشيخ السديس إلى أنه يومياً يظهر الجديد في عالم الخرافة والدجل ونسج الأكاذيب والشعوذات وبث الشائعات والخزعبلات، وكان آخرها خروج عدد من القنوات الفضائية العلنية التي تروج لمثل هذه الأكاذيب والأباطيل؛ مما يؤكد أهمية حماية الجانب الأمني والعقدي في الأمة. لافتاً إلى أن ذهول أهل التوحيد يزداد حينما تجد هذه الأوهام رواجاً لدى كثير من العامة ممن ينساقون وراء الشائعات، ويتهافتون تهافت الفراش على النار على الأوهام، ويستسلمون للأباطيل والأحلام، وحتى أضلت قنوات الشعوذة عقول كثير من أهل الملة والديانة. وهو ما حصل مع كثير من المسلمين الذين انساقوا خلف هذه الفضائيات المأفونة التي تبيع الوهم والدجل والشعوذة بمسميات شرعية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
هل يتم إيقافها؟

بالرغم من أن هذه القنوات لها تأثير سلبي على العقيدة الدينية وإسقاطات اجتماعية سالبة، لكنها مازالت تبث عبر عدد من الأقمار الاصطناعية
وتقول صحيفة «الشرق الأوسط» في عدد سابق على لسان المهندس صلاح حمزة رئيس الشؤون الهندسية بالقمر المصري «نايل سات»، إنه لا يمكن إلغاء عقد أية قناة فضائية بدون وجود شكاوى صريحة موجهة ضدها، أو رصد مخالفة صريحة عمدت القناة على فعلها، إضافة إلى مخالفتها شروط التعاقد كأن تتحدث برامجها عن الإرهاب أو الشعوذة أو السحر، مفيداً أنه في حال ورود شكاوى وصفها بـ«الموضوعية» للقناة ويثبت مخالفتها فعلاً للشروط، فإن إدارة القمر تنذر القناة. وفي حال الاستمرار يلغى العقد. ودلل حمزة على ذلك بالأزمة الأخيرة التي مرت بها الدكتورة هالة سرحان في برنامجها الأخير الذي حمل عنوان «بنات الليل»، حيث تم إلغاء البرنامج ولم يتم إلغاء القناة. وأضاف أن «نايل سات» لم تشاهد الفتوى التي صدرت من قبل هيئة كبار العلماء في السعودية، وما توصل إليه الملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين حول برامج بعض القنوات. وقال «القانون لا يمنح الشركة إلغاء العقود دون أسباب، فاختراق مستأجر القناة شروط العقد، أو وجهت له شكوى صريحة حول أحد برامجه، هو ما نستعين به في مخاطبة ملاك تلك القنوات الفضائية، معتبراً أن شركته لا تستطيع مراقبة جميع القنوات الفضائية التي تبث عبر قمر «نايل سات» لكن الصحيفة أشارت بأن المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات) هددت قنوات فضائية تبث عبر أقمار «عربسات» بالإيقاف، متهمة إياها بترويج السحر والدجل والشعوذة.

وتمضي الصحيفة قائلة إن الملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين في رابطة العالم الإسلامي طالب، منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية بالسعي لمنع بث برامج قنوات السحر والشعوذة بواسطة الأقمار الاصطناعية العربية «عربسات» و«نايل سات»، لما أثبتته تقارير موثَّقة عن ممارسة بعض القنوات الفضائية أعمال شعوذة وتروج للسحر، إضافة إلى تجنيدها بعض المشعوذين والمشعوذات ممن يدعون علم الغيب والقدرة على حل مشكلات الناس وتلبية احتياجاتهم كالشفاء من مرض ونيل الرزق وحدوث الزواج وكشف المستقبل وغير ذلك مما لا يعلمه ولا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى.

ومما توصل إليه الملتقى العالمي أن معظم المتصلين بهذه القنوات من النساء والشباب الذين يجهلون حقيقة الشعوذة والدجل وتلتبس عليهم بسبب جهلهم أكاذيب المشعوذين الذين يطلون من تلك القنوات ويجيبون من يتصل بهم على إنهم على معرفة بمشكلاتهم عن طريق الجن والشياطين، ثم يقدمون لهم الحلول، لافتاً إلى أنهم يربطون أقوالهم وأعمالهم بالدين ليوهموا الناس بصحة افتراءاتهم فيشوهون دين الله ويسيئون إلى تعاليمه ومقاصده السامية.

وحذر الملتقى كل من يشاهد ويتابع تلك القنوات، لما تشكله من خطورة من خلال المشعوذين والسحرة الذين يتعاملون معها، كما أنهم معاول هدم لعقائد الناس بدعوتهم إلى الشرك والاعتماد على غير الله والتوجه إلى دعاء الشياطين، لافتين إلى أن الاتصال بالمشعوذين والكهنة محرم سواء بالذهاب إليهم في مكاتبهم أو التواصل معهم عبر شبكة الإنترنت والتلفاز وغير ذلك من وسائل الاتصال، معتبرين أن هناك ضرورة لتحصين المجتمعات الإسلامية وحمايتها من خطر هذه القنوات المتخصصة بالشعوذة وغيرها من القنوات التي تعرض مثل هذه البرامج، من خلال وسائل الإعلام المتنوعة التي تحمل رسالة توجيه ونصح وإرشاد للأمة. إذ أشاروا في بيانهم إلى أنه من المفترض أن يقوم المعلمون والمعلمات وسائر المربين والمربيات على كافة المستويات، وذلك بتوجيه الطلبة والطالبات وتوعيتهم بخطرها وعقد الندوات واللقاءات التثقيفية وعرضها، إضافة إلى أنه يجب على الخطباء وأئمة المساجد والدعاة تخصيص الخطب والمقالات والندوات في الموضوع على كافة المستويات. كما ينبغي على أئمة المساجد أن يتعهدوا عامة المصلين ببيان خطر هذه القنوات التي تبث الشرك والسحر والشعوذة، وتعليمهم الأذكار المشروعة للتحصين والثابت.
وماذا بعد؟

إذا كان هذا واقع عالمنا العربي والإسلامي بقطاعاته الاجتماعية المتعددة سياسياً وفنياً ورياضياً يغوص في عالم السحر والشعوذة والدجل فعلى العلماء المسلمين أن يعطوا هذه القضية اهتماماً أكبر لتأثير الكبير على العقيدة وتداعياتها السالبة المتعددة وعلى الأسر أن يراقبوا أبناءهم حتى لا يشاهدوا قنوات الدجل والشعوذة والتي يبدو إنها لن تتوقف ما دامت تجلب لأصحابها مالاً وفيراً.

أحمد طه صديق
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد

  1. قنوات النيلين و قون عندنا تخصصت في الدجل الطبي فهم لا يتورعون من الترويج لافراد و شركات يدعون قدرتهم على شفاء امراض لا يعلمون حتى طرق تشخيصها
    السلطات المختصة في الاعلام اغلقت اذانها و لكن سلطات وزارة الصحة بذلت مجهودات مقدرة في كشفهم و مقاضاتهم