عالمية

صالح الشيبي كبير سدنة بيت الله الحرام : تشرّفت بغسل الكعبة أكثر من مئة مرة


ماذا تختزن الكعبة المشرّفة في داخلها؟ وهل يوجد فيها أسرار لا يوجد مثلها في الأرض؟ كيف تفتح ولمن؟ من يغسلها ومن هم سدنتها؟ كيف هي هيبة الملوك داخلها؟ يفصح عن ذلك الشيخ صالح الشيبي كبير سدنة بيت الله الحرام، وحامل مفتاح الكعبة، في حوار مع “الرجل” يتحدث فيه عن تاريخ السدانة ومهامها، يكشف أسراراً قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما تقلّد مهام الحكم، ليباشر بغسل الكعبة المشرّفة، حيث قال: جميع ما يحتاجه بيت الله الحرام، ينفذ عاجلاً. بدأ عملية الغسل بركعتين داخل الكعبة المشرفة، ثم دعا الله وأحاط الكعبة من الداخل بعطر العود وماء الورد وماء زمزم. يقول آل الشيبي: الكعبة من الداخل لا يزيد حجمها على حجرة مكعّبة، ما أن تبلغها حتى يخرّ القلب خاشعاً متضرعاً، يلفه السكون، فتكاد لا تسمع خفقاته. تتحول العين إلى نبع للدموع فأنت حينئذ في أحب مكان إلى الله، ينزل إليه سبعون ألفاً من الملائكة يطوفون حولها كل يوم وليلة.

جاء تعيين الدكتور صالح بن زين العابدين الشيبي كبيراً لسدنة المسجد الحرام، ليصبح السادن السابع والسبعين. وظلّت سدانة الكعبة الشريفة إحدى أعظم المهن وأجلها شرفاً، وسط البيئة العربية والإسلامية؛ بدأت مع إسماعيل عليه السلام، وتنقلت بعده لأيدي عائلات وقبائل عربية عريقة، قبل أن تستقرّ بشكل نهائي، منذ عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإلى اليوم، في أيدي آل الشيبي الذين يستوطنون حالياً مكة المكرمة. والسدانة تعني العناية بالكعبة والقيام بشؤونها، فتحاً وإغلاقاً وتنظيفاً وغسلاً وكسوة وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت، واستقبال زوّارها وكل ما يتعلق بها.

مارس الشيبي السدانة قبل نحو 30 عاماً نيابة عن عمه عاصم الشيبي، الذي كان كبير السدنة في عهد الملك الراحل فهد؛ يقول تنتقل السدانة داخل عائلة الشيبي من شخص إلى آخر بالتوارث؛ إذ ينتقل مفتاح الكعبة المشرفة إليه مباشرة، ولا يشترط أن يكون السادن هو ابن السادن السابق، فمن الممكن أن يذهب المفتاح إلى ابن العم وهكذا، فالسنّ هي التي تحدد السادن. تحظى عائلة الشيبي بمكانة مرموقة في المجتمع المكي، وينظر إليها كإحدى أهم العائلات ذات المكانة في التاريخ الإسلامي. وإلى نص الحوار:

* صالح آل شيبي حامل مفتاح الكعبة، وكبير سدنة بيت الله الحرام، حدثنا عن طفولتك ونشأتك؟

نشأت مثل أي طفل في مكة المكرمة، محباً للصلاة في الحرم، ومحباً للعلماء والصالحين، وهوايتي كانت كرة القدم. أحب اللعب مع أقراني في المدرسة، وكنت ألعب مع الأطفال الكرة، بعد صلاة الفجر وحتى الصباح في رمضان وفي الإجازات.

*كيف كانت حياتكم في تلك الفترة الزمنية ؟

كانت حياة بسيطة جداً؛ نعيش إلى جوار بيت الله الحرام. باختصار كانت الحياة صلاة وعلماً ولعباً، وكنا نخالط مجالس العلماء ودروسهم في المسجد الحرام.

* تحمل درجة الدكتوراه؛ حدثنا عن المراحل التعليمة التى مررت بها ؟

في المرحلة الابتدائية، كان هناك تنافس بيني وبين أقراني في جميع العلوم، وكنت من الأوائل. درست الابتدائية سنتين في مصر، وسنتين في المدينة، المنوّرة وسنتين في مكة المكرمة. والمرحلة المتوسطة في مكة في مدرسة الرحمانية المتوسطة. أما الثانوية، فكانت في الثانوية العزيزية، ثم التحقت بكلية الشريعة، في مكة
ونلت البكالوريوس في الشريعة، بتقدير ممتاز، ثم حصلت على الماجستير بامتياز من جامعة الملك عبد العزيز في مكة، قبل انفصالها، إذ سُمّيت بجامعة أم القرى التي درست الدكتوراه فيها، وحصلت على تقدير ممتاز. وقد كرّمتني الجامعة في حفل المتفوقين وأهدتني درعاً في عهد الأمير ماجد بن عبد العزيز، يرحمه الله.

* بعد هذه الرحلة العلمية، حدثنا عن الرحلة المهنية لسادن بيت الله الحرام ؟

عملت معيداً ثم محاضراً في جامعة أم القرى، ثم أستاذاً مساعداً، ثم بعد الدكتوراه عُيّنت رئيساً لقسم العقيدة لمدة سبع سنوات ونصف، وكنت أعمل حينها مع أهلي في سدانة الكعبة المشرّفة، حتى أن عمي عاصم الشيبي أنابني عنه لفترة، وأصبحت كبيراً للسدنة في ذلك الوقت. ثمّ عُيّنت عضواً في مجلس الشورى الجديد الذي أنشئ في عهد الملك فهد، في الرياض،لمدة أربع سنوات، ولكنه كان بعيداً عن مكة، ولم أستطع الانتقال، ففضلت فترة واحدة. وبعد تركي لمجلس الشورى، عدت الى مكة لأعمل وكيلاً لكبير سدنة الكعبة، لمدة ستة عشر عاماً، ثمّ عُيّنت في عام 1436 كبيراً لسدنة الكعبة، بعد وفاة عمي عبدالقادر الشيبي، خلفاً له. وأنا الآن كبير سدنة الكعبة المشرفة، وابني عبد الرحمن وكيل لي.

* حدثنا عن تاريخ سدانة بيت الله الحرام ؟

سدانة الكعبة مهنة قديمة، وتعني العناية بالكعبة المشرّفة، والقيام بشؤونها، فتحاً وإغلاقاً وتنظيفاً وغسلاً وكسوة وإصلاح هذه الكسوة، إذا تمزقت، واستقبال زوّارها، وكل ما يتعلق بذلك. ومن قبل بدء الإسلام، اختصّ أحفاد قصيّ بن كلاب بن مرة بسدانة الكعبة، ومنهم نسل آل الشيبي سدنة الكعبة الحاليين. وجرت العادة أن يوضع مفتاح باب الكعبة المشرفة لدى أكبر السدنة سناً، فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون للكعبة المشرفة سدنة، أي من هم مسؤولون عنها وأن يكون لها مفتاح، وقد تسلّمناه نحن آل الشيبي، وسدانة الكعبة ترجع الى تاريخ بنائها؛ فقد كان يقوم بأمر السدانة إسماعيل عليه السلام ثم من بعده ذريته. وينتهي نسب سَدَنة الكعبة المشرفة الحاليين إلى شيبة بن عثمان بن ابي طلحة، وقد أسلم عام الفتح، على أصحّ الروايات. ولايزال وجود آل الشيبي من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، التى أخبر أمته بها، بقوله:”خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم”.

* ما صحة الروايات التي تحدثت عن أن هناك من حاول أن ينتزع من آل الشيبي سدانة الكعبة؟

لم يحاول أحد انتزاعها من آل الشيبي، احتراماً لأمر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وتخصيص الله سبحانه وتعالى لآل الشيبي في هذه المهمة، حتى أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قالها لجدي عثمان بن طلحة “إني لم أدفعه إليكم، ولكن الله دفعه”. ولم يتجرأ أحد أن ينتزعها من آل الشيبي حتى أنه كان هناك وليّ من ولاة مكة، في عهد من العهود، لا يحلل ولا يحرّم، حتى قيل له: لمَ لا تأخذ مفتاح الكعبة من آل الشيبي؟ قال إذا قلتم جميعاً عني ظالم، فلا يهمّني، أما أن يقول عني رسول الله، ذلك، فلا؛ هذه لا اطيقها ولا اتحملها. ولم يحاول أي من الملوك، منذ عهد الصحابة إلى اليوم، ولله الحمد، فتح الكعبة، إلا من آل الشيبي.

*هناك مزادات عالمية تقام على قطع من ثوب الكعبة، فهل هي فعلاً من الكسوة؟

القطع التي تقام عليها مزادات في الداخل أو الخارج، جميعها مقلدة، لأن جميع ما يخرج من الكعبة، تأخذه الدولة، وتهدي بعضاً منه إلى رؤساء الدول والملوك، أو لآل الشيبي.

* تغسل الكعبة في كل عام؛ من يحضر من آل الشيبي عملية الغسل؟
يحضر الكبار فقط، الذين يختارهم كبير السدنة من محبي هذا العمل، ويشاركون راعي المناسبة وليّ الأمر أو من يندبه.

* كسوة الكعبة التي يجري استبدلها أين تذهب؟

كنا نأخذها ونقسمها بيننا، آل الشيبي، إلا أنه هناك من قال إن العامة يسيئون استخدامها، فطلبو من الحكومة أن تأخذها، وتعطي لآل الشيبي عوضاً لها، وكان ذلك في عهد الملك سعود، يرحمه الله، وحتى اليوم تدفع لنا الحكومة تعويضاً عنها.

*حدثنا عن تاريخ آل الشيبي، وكيف يُختار سادن بيت الله الحرام ؟

ليس هناك ما يمكن أن أتحدث به عن آل الشيبي، فشأنهم شأن أي أسرة في مكة المكرمة، يعيشون متحابين متراحمين، ليس بينهم خلافات، وهم سدنة البيت الحرام، جاهلية وإسلاماً، والذي يعنينا بعد فتح مكة، هو التاريخ الإسلامي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين طهّر الكعبة من الأصنام، وقف على باب الكعبة وأمسك بعصابة الباب، وقال كل مأثرة من مآثر الجاهلية، فهي تحت قدميّ هاتين، إلا ما كان من أمر السدانة والسقاية، فقد أبقيتهما لأهلهما كما كانتا. وأعطى لجدنا المفتاح، وكان عثمان بن طلحة، فقال خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة إلى يوم القيامة، لا ينزعها منكم الا ظالم. وكان في ذلك الوقت من آل الشيبي من هم أصغر من ثمان. ولكن رسول الله سلمها للأكبر. وهكذا أصبحت سنّة الرسول عليه الصلاة والسلام، يتسلمها الأكبر سناً من آل الشيبي.

*ما مشاعرك أثناء الغسل داخل الكعبة؟

مشاعري كأي مسلم محب لبيت الله الحرام، فرح بأن المسلمين يقومون بخدمة هذا البيت، لأن هذا البيت قد دعا له رسول الله، وقال “اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ومهابة، وزد يا ربي من شرّفه وعظمه تعظيماً وتشريفاً ومهابة. فلله الحمد والمنة وأرجو من الله العليّ القدير أن يديم هذا العمل الخيّر، وأن نستمرّ في خدمة هذا البيت، لنحيا الحياة السعيدة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لنا.

* حدثنا عن مكوّنات بيت الله الحرام من الداخل؟

هو غرفة كبيرة فيها ثلاثة أعمدة ودولاب ببن الأعمدة معلقات وهدايا السلاطين والملوك التي للكعبة، وجدرانها رخام على ارتفاع ثلاثة أمتار. فيها ستارة داخلية من الحرير الأخضر، نقش عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله” و”الله جل جلاله”. ومن بعد الستارة الى سطح الكعبة، حتى السطح نفسه مكسوّ بلون الستارة الداخليه نفسه، وكان لونها أحمر، لكن في عهد الملك خالد رحمه الله، غيّره إلى الأخضر. وهناك باب يصعد منه الى السطح، وقد كان هذا الباب الداخلي مصنوعاً من الخشب وفي عام 1399، في عهد الملك خالد أيضاً أصبح مصنوعاً من الذهب، وكذالك الباب الخارجي من الذهب. ويقدر الذهب الذي أنفق في صنع باب الكعبة الخارجي بـ 278 كيلوغراماً.

* كم مرّة تشرف سادن بيت الله الحالي، بغسل الكعبة؟
تشرفت بغسل الكعبة أكثر من مئة مرة.

* حذّثنا عن حياتك الأسرية ؟

لديّ ولدان هما عبد الرحمن ومحمد، وهما ولله الحمد من الأبناء البررة الصالحين المحبين للكعبة وللصلاة فيها. وقد وكلت ابني عبد الرحمن ليساعدني في سدانة الكعبة، وطلبت أن يكون هذا رسمياً من قبل الملك سلمان جزاه الله خيراً، ووافق على ذلك، وأصدر امره الكريم، بأن أعيّن كبيراً للسدنة، ويعيّن ابني عبد الرحمن وكيلاً لي.

* كم مرّ على بيت الله الحرام من سادن؟

منذ أن فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، الى اليوم مرّ على سدانة الكعبة ستة وسبعون سادناً، وأنا السابع والسبعون.

* بدأ خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان، عهده بغسل بيت الله الحرام؛ حدثنا – وأنت القريب منه أثتاء الغسل – كيف تمت العملية؟

عندما دخل الملك سلمان، يحفظه الله، الكعبة، شأنه شأن أقرانه، بدأ بالصلاة في المكان الذي صلّى فيه سيّد المرسلين، عليه أفضل الصلوات والتسليم، ثمّ دعا الله وأحاط الكعبة من الداخل بعطر العود وماء الورد، ثم تحدث إلى رئيس الحرمين، وتحدث إليّ وإلى الأمير خالد الفيصل، بأن أي شيء تحتاجه الكعبة من الداخل أو الخارج، هو على استعداد للقيام به في أسرع وقت.

* التقيتَ الملك سلمان بن عبد العزيز، أثناء تسلّمك كسوة الكعبة المشرفة، بمَ وجّهكم؟

تشرّفت بلقاء خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – وتسلّمت منه كسوة الكعبة المشرّفة التي تم استبدالها، مع وقوف حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات الطاهر، في الحج الماضي، ولا شك أن المسجد الحرام شهد عناية واهتماماً من مؤسس هذا الوطن، الراحل الملك عبد العزيز، حتى عهد الملك سلمان، وكانت أسرة آل الشيبي شاهدة على التطورات الكبيرة والمتسارعة في خدمة الحرمين الشريفين، والكعبة المشرفة. والملك سلمان كان يثني على الدور الذي نقوم به، نحن سدنة بيت الله الحرام. وهو يحفظه الله، لديه إلمام تام بتاريخ آل الشيبي، وتكرّم علينا بزيادة المخصّصات التي كانت تصرف لنا عوضاً عن الكسوة، حيث كان يصرف لنا مليون ريال، وضاعفها إلى مليونين.

*منذ متى وأنت تقوم بسدانة الكعبة المشرفة؟

قبل نحو 30 عاماً كنت أمارس مهنة السدانة نيابة عن عمي عاصم الشيبي، الذي كان كبير السدنة في عهد الراحل الملك فهد، ومن بداية العام الماضي، بعد وفاة كبير السدنة السابق تسلمتها رسمياً، وتنتقل السدانة داخل عائلة الشيبي من شخص إلى آخر بالتوارث؛ إذ ينتقل مفتاح الكعبة المشرّفة إليه مباشرة، ولا يشترط أن يكون السادن هو ابن السادن السابق، فمن الممكن أن يذهب المفتاح إلى ابن العم وهكذا، فالسنّ هي التي تحدد السادن. والسدانة مخصّصة لذكور عائلة الشيبي فقط، ويتم تثقيف الفتيات بالإرث التاريخي الذي تحمله العائلة، وترافق نساء عائلة السدنة الضيفات المرافقات لضيوف الدولة، وبسبب هذه المهام التي يقومون بها تجاه الكعبة المشرفة، تحظى عائلة الشيبي بمكانة مرموقة في المجتمع المكي، وينظر إليها على أنها إحدى أهم العائلات في المجتمع.

*حدثنا عن مفتاح باب الكعبة المشرفة؟

يحتفظ آل الشيبي بمفتاح الكعبة في كيس خاص، صُنع يدوياً في مصنع كسوة الكعبة، من خامة القماش نفسها التي تصنع منها الكسوة، ويبقى هذا الكيس في مكان آمن في بيت كبير السدنة، وعند وفاته ينتقل الكيس وبداخله المفتاح إلى كبير السدنة الجديد الذي تتوافق عليه العائلة، ومفتاح الكعبة هو مفتاح عادي من الحديد يبلغ طوله 35 سم، وتم تغييره مرات عدّة في عصور إسلامية مختلفة. وتم تغييره في عهد الملك عبد الله، يرحمه الله.

*متى يتم فتح باب الكعبة؟

يفتح آل الشيبي باب الكعبة المشرّفة مرتين في العام، لإتمام غسلها من الداخل، ويشرف السادن على إدخال ماء زمزم الطاهر، وخلطه بدهن الورد والعود (من أجود الأنواع وأغلاها)، ثم غسل أرضية الكعبة المشرفة والمغطاة بالرخام، وكذلك جدرانها الأربعة من الداخل، على ارتفاع نحو مترين، ثمّ يخرج الماء، وتُنشّف، ثم تُطيّب من الداخل، وتظل الكعبة محتفظة برائحة ذلك الطيب حتى موعد غسلها الثاني.

* كيف تتمّ إجراءات فتح باب الكعبة؟

عندما تطلب الرئاسة مني، وفي مناسبة غسل الكعبة، نتهيّأ لفتح أبواب الكعبة لغسلها، ونتسلّم الثوب الجديد من الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، في حفل سنوي كبير في قاعة المناسبات الرئيسة في مصنع كسوة الكعبة المشرّفة، في ضاحية أم الجود في مكة، ونحن نقوم بالاستعداد لمثل هذا اليوم، قبل أسبوع كامل، بتجهيز أدوات الغسل والتنظيف والتطهير، ونجهّز ماء زمزم وماء الورد ودهن العود الكمبودي، الذي نجلبه من موارده الأصلية، حتى إذا جاء يوم الغسل، كنا على أتمّ الاستعداد لهذا الشرف الكبير.

* كم عدد أفراد أسرة الشيبي؟

370 فرداً تقريباً، أغلبهم يعيشون في مكة المكرمة، وقليل منهم في المدينة المنورة.

* ماذا عن مراسم غسل الكعبة وتغيير كسوتها؟

الكعبة تغسل مرتين سنوياً، أما الغسل فيتم بماء زمزم وماء الورد ثم تتعطر بعطر العود الذي يصل سعر الكيلو منه إلى 40 ألف ريال سعودي. وتظل رائحة العطر بها حتى موعد غسلها الثاني. أما تغيير كسوتها، فيتم مرة واحدة سنوياً.

* كيف تجري مراسم تسليم الكسوة؟

يجري التوقيع على إجراءات التسلّم والتسليم، من قبل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وكبير سدنة بيت الله الحرام، في مقر مصنع الكسوة، ثم يقام حفل خطابي يتحدث فيه كبير السدنة – أو من يمثله – وكذلك الرئيس العام لشؤون الحرمين، يجري فيه تناول تاريخ هذه الكسوة ومآثرها، بوصفها رمزاً عند كل المسلمين يتشرفون به.

* حدثنا عن اهتمام ملوك السعودية بكسوة الكعبة المشرفة؟

تاريخ الكسوة يرتبط بتاريخ الكعبة نفسها، وكان المسلمون عبر التاريخ يتسابقون لنيل هذا الشرف، وكذلك لنيل شرف الحصول على جزء ولو يسير من الكسوة التي تم استبدالها، لأنها تستمد قيمتها من ارتداء الكعبة لها. وأول مصنع أقيم لها في السعودية، كان في عام 1346 هـ الموافق 1926،عندما أصدر الملك عبد العزيز بن سعود أمراً ملكياً بتشييد مصنع أم القرى للكسوة الشريفة، وعمل فيه فنانون وعمال مهرة. ويتكون المصنع الحالي الموجود في أم الجود بمكة المكرمة من ستة أقسام، هي: الحزام والنسيج اليدوي والصباغة والنسيج الآلي والطباعة والستارة الداخلية. وتبلغ تكلفة إنتاج الكسوة بين 20 إلى 25 مليون ريال سنوياً.

* كيف يجري استبدال كسوة الكعبة المشرفة؟

جرياً على العادة السنوية، يجري يوم التاسع من ذي الحجة، ارتداء الكعبة المشرفة حلتها الجديدة، التي تمّ الانتهاء من صناعتها، التي أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، بصنعها. وقام بتسليمها بنفسه، خلال مراسم تسليم الكسوة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام في الأول من ذي الحجة. ثمّ تجهّز الكسوة الجديدة وتنقل بعد صلاة الفجر إلى المسجد الحرام، وتتكون من أربعة أجزاء، لكل جهة من جهات الكعبة المشرفة جزء خاص به مثبت عليه الحزام المذهب، وما تحته من مطرزات وقناديل، وتجري عملية التلبيس، برفع كل جزء إلى أعلى سطح الكعبة، ثم تسدل الكسوة الجديدة، وتُحَل الكسوة السابقة حتى يستكمل إنزالها، وهكذا لجميع الجهات الأربع، ثم تثبت ستارة الباب في مكانها المخصّص.

* في حال غياب السادن من يقوم بالمهمة؟

يقوم وكيله بالمهمة، وأنا وكلت ابني عبد الرحمن في حالة غيابي، ويحصل وكيل السادن على مباركة المقام السامي بهذا التكليف.

* ما آخر المشاريع التي أجريت على الكعبة المشرفة؟

شهدت تغيرات مهمة بعناية القيادة الرشيدة؛ ففي عهد الملك عبد الله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، في منتصف محرم 1434هـ، وجه أمراً سامياً بصنع قفل جديد ومفتاح خاص من الذهب الخالص على نفقته الخاصة لباب الكعبة الداخلي، وكان قد تم تركيب باب التوبة بعد الانتهاء من الترميم الشامل لبناء الكعبة، في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، يرحمه الله. وبعد عمل المفتاح والقفل الجديد، وجه الملك عبد الله، الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير مكة المكرمة بتركيب القفل الجديد للباب الداخلي في منتصف محرم 1434هـ الموافق (29 نوفمبر 2012)، بعد انتهاء موسم الحج، وتسليم مفتاحه الجديد لكبير سدنة البيت الحرام.

* حدثنا عن صناعة كسوة الكعبة المشرفة؟

تطورت صناعة كسوة الكعبة المشرفة، على مدى العصور الماضية، وصولاً إلى العهد السعودي، من خلال إنشاء مصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، الذي يحظى بدعم واهتمام بالغين من خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين حفظهما الله. وتحظى الكعبة المشرّفة منذ عهد الملك عبد العزيز، يرحمه الله، حتى هذا العهد الزاهر، عهد الملك سلمان، بكل عناية واهتمام، يتمثلان في تخصيص مصنع لصناعة كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، تديره أيد سعودية مدربة تتشرف بالحياكة والإعداد والصباغة والنسيج التصميم والطباعة والتطريز والاختبار والتجميع، حتى التسليم والتركيب، حيث أصبح مصنع الكسوة مفخرة من مفاخر هذه البلاد، ومأثرة من مآثرها. وفي هذا العهد الباهر، نجد العناية الكبرى بالحرمين الشريفين، إعماراً وتطهيراً وتوسعة وتطويراً. ومصنع كسوة الكعبة المشرفة صورة ناصعة برّاقة من عناية السعودية واهتمامها بالحرمين الشريفين وشؤونهما.




مجلة الرجل


تعليق واحد