ضياء الدين بلال

إصلاح ما هو معوج !


– 1 –

في مرات عدَّة، نتلقَّى دعوة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء في السودان، لحضور بعض جلسات المجلس. في الغالب، تُتاح لنا فرصٌ للتعليق والمناقشة وتقديم المقترحات، وربَّما طرح الأسئلة. والمهم بالنسبة لنا، الاطلاع على تفاصيل ومعلومات، لم تكن متوافرة لنا من المصادر العامة والخاصة، خارج القاعة الأنيقة. وهي فرصة كذلك للتَّعرُّف على كيفية صناعة السياسات، من داخل المطبخ الرسمي، مع الاقتراب أكثر من الوزراء ومعرفة إمكاناتهم ومهاراتهم في النقاش والتعبير عن أنفسهم، والدفاع عن سياساتهم.

– 2 –

الجلسة التي كنت حاضراً فيها الخميس الماضي، مع عدد محدود من الزملاء، كانت حول مشروع إصلاح الدولة. التقرير كان شاملاً لعمل أغلب الوزارات، ومحتشداً بكثير من التفاصيل، وهو لا يختلف عن كثير من التقارير، التي عادة ما تُقدَّمُ في مثل هذه الاجتماعات.

أكثر ما لفت انتباهي- مقروناً بمتابعة وملاحظات عدّة- وجودُ جدية ورغبة في إحداث إصلاح حقيقي في أجهزة الدولة السودانية.

ثمة قناعة يبدو أنها أصبحت راسخة لدى القيادة السودانية بأن أجهزة الدولة تعاني كثيراً من الإشكالات والتجاوزات والاعوجاج الذي يقتضي التقويم والإصلاح.

– 3 –

في مرات كثيرة، كنت قلقاً من إحساس الرضا والارتياح الذي يتسرَّب من تصريحات بعض المسؤولين، وهم يرون في الحالة العامة للدولة وضعاً مثالياً ينبغي الحفاظ عليه، بل والتباهي به دون الانتباه لأوجه القصور ومواضع الخلل. الدعوة للإصلاح تقتضي الاعتراف بوجود ما يستحقُّ الإصلاح، وإعادة النظر بتجرُّد موضوعي، يُعطي لكلِّ أمر حجمه الحقيقي، دون إنكار أو تبرير.

– 4 –

ما يُؤسف له، أن فكرة الإصلاح وعزم الحكومة السودانية على إنجاز ذلك، لم يتحولا لقناعة لدى أغلب قطاعات الشعب السوداني، ربما لعجز في تسويق المشروع جماهيرياً؛ إذ انصرف أغلب الإعلام الرسمي للترويج للحوار الوطني بقاعة الصداقة، ولم يعطِ ولا القليل من الاهتمام بمشروع الإصلاح.

– 5 –

كان من المفترض أن يكون لمشروع الإصلاح شعار جاذب، يلفت الانتباه، وبرامج مخصصة تُسهم في دعم المشروع، وعكس ما أنجز منه على أرض الواقع.

في إحدى زياراتي لتركيا، عرفت من بعض الأصدقاء أن حكومة رجب أردوغان، قامت بتصميم برامج تليفزيونية لمحاربة الظواهر السالبة في أجهزة الحكومة، وعبر برنامج كاميرا خفية كانت محاربة ظاهرة الرشوة التي كانت متفشية بصورة كبيرة في المجتمع التركي.

– 6 –

من خلال التقرير، الذي قدم عن مشروع الإصلاح بمجلس الوزراء، كان واضحاً بالنسبة لي أن الإصلاح في الأساس يجب أن يبدأ بإصلاح طرائق التفكير وأساليب عرض القضايا، للتعرف على المُشكلات وطرق علاجها بصورة يمكن قياسها بدِقَّة وبساطة، دون إطلاق أو إطناب. بعض الوزارات في التقرير، وبعض الوزراء في المناقشات، سعوا لعرض عملهم الروتيني المعتاد، ضمن واجباتهم الوزارية، كأنه نشاط استثنائي ضمن مشروع الإصلاح. النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق بكري حسن صالح، بحصافة لا تخلو من تقريع مُبطَّن، لفت نظر بعض الوزراء، إلى أن الجلسة مُخصَّصة لبرنامج الإصلاح لا لعرض الإنجازات!

-أخيراً-

كانت لفتة بارعة، وجدت استحسان الإعلاميين من الفريق بكري، وهو يتصدى بموضوعية وهدوء، لوزير الإعلام أحمد بلال، الذي حاول- كعادته- أن يستغلَّ الجلسة للتحريض على الصحف؛ فكان رد النائب الأول للرئيس: يجب ألا يضع بعض الوزراء إخفاقاتهم على ظهر الصحافة، فهي تلتزم بالموضوعية والإيجابية وقتما توافرت لها المعلومات.