أبشر الماحي الصائم

البشاري.. ستذكرون ما أقول


في الأيام الماضية عقدت إحدى لجان المجلس الوطني ورشة لتقييم حج عام 1436 هجري، وخاطب تلك الورشة الأخ حسبو محمد عبدالرحمن نائب رئیس الجمهوریة، وقال ساعتها بمنع الحج الخاص وحج الوكالات، وظننا عند سماع النبأ أن الأمر لا يعدو أن يكون خطبة حماسية تناسب الموقف.. حتى فاجأنا الأخ وزير الإرشاد يوم الأربعاء (2016/2/24) عبر الصحافة بقرار يقضي بإيقاف الحج عبر الوكالات، معللاً الأمر بالكلفة العالية للحج وعدم التزام بعض الوكالات بشروط الخدمة التي ينبغي أن تقدم للحاج، وهذا أمر صواب، غير أن التعميم فيه إجحاف بحق بعض الوكالات ذات الكفاءة العالية والخدمات المميزة، فلو أن الدولة تعالج كل السلبيات بهذه الكيفية لألغت كثيراً من المؤسسات والمصالح، وهذا النوع من المعالجة ينافي الأمر الشرعي “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
أما عن الكلفة العالية، فهي تنوع الاستطاعة.. فمن الناس من يحج بعشرين ألفاً، ومنهم من يحج بخمسين ألفاً وآخر بمائة ألف؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ولكل إنسان ظروفه من مرض أو كبر سن أو ظروف عمل، وهذا لا ينافي حكمة الحج في المساواة والمشقة؛ فليلة واحدة في عراء مزدلفة تكفي لأكثر من ذلك، والرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يقول: “الحج جهاد لا قتال فيه”، وتتحقق هذه الجهادية بملابسات السفر، ومن جرب الحجز بمطار الملك عبدالعزيز بجدة يدرك ذلك.. أضف إلى ذلك أن الحج الخاص وحج الوكالات والمؤسسات يعطي مساحة خاصة في المشاعر، فحكومة السودان تفقد هذه المساحة ليجتمع حجاجها في مكان واحد محدد.
وعليه أتوقع مراجعة القرار أولاً في عدم تعميم الحكم على كل الوكالات، وعدم منع المقتدرين أن يحجوا بصورة مريحة ميسرة؛ حتى لا تتجه هذه الأموال لأوروبا وآسيا بحثا عن السياحة والراحة، فبلاد الحرمين أولى من غيرها. وحسب الإخوة المسؤولين قول عمر بن الخطاب لأبي موسی الأشعري في رسالة القضاء المشهورة “لا يمنعنك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه نفسك فمراجعة الحق خير من التمادي في الباطل”.
أتوقع مراجعة القرار بشيء من الواقعية والحكمة والعدل، وهذه النصيحة من شخص خبر الحج من الداخل والخارج، عبر الوكالات والحج العام، وأحياناً حج الفرادى، ولم يكن صاحب وكالة أو راعي مصلحة، وإن لم يراجع هذا القرار فإننا نلاحظ عليه التعجل و التسرع، وغياب الحكمة والعدل.
هذا ما لزم توضيحه.. وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله. وللحديث بقيه
* الرسالة أعلاها وصلت بريدي من الأستاذ عبدالله البشاري، أمين الحركة الإسلامية السابق بولاية نهر النيل، رجل الفكر والمنابر، فعندما يتحدث الأخ البشاري فعلى الأفندية أن يستمعوا، فعلى الأقل إن الموضوع هذه المرة، موضوع الحج، يعتبر (كاره) وهو يتحدث عن ممارسة وخبرة و(شفقة) على مستقبل أداء الفريضة على وجهها الأكمل، على أن قرار وقف (حج الوكالات) يعيدنا القهقرى إلى تجريب المجرب، فبكل تداوينا فلم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد.. على أن قرب الدار ليس بنافع إن كنت من تهواه ليس بذي عهد!!
* أتصور أن (مربط الفرس) في هذه القضية يكمن في قيمة (الاستطاعة)، فلو أن شخصاً مقتدرا جعل سياحته حكراً على بيت الله الحرام، وهو في سبيل هذه الغاية مستعد لمزيد من الانفاق، فيفترض، كما رؤية البشاري، ألا نحول بينه وبين بيت الله، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، الخشية أن نعود إلى (بشتنة) حج الحكومة !!
* مع تقديرنا للجنة المجلس الوطني وجهدها ومقرراتها وحسن مقصدها، إلا أن موضوع أداء فريضة الحج يحتاج إلى مزيد من العصف الذهني للوصول إلى أصوب الطرق وأنجع الحلول، حتى لا نفرغ من رجم الشيطان في بضع أيام، لنتفرغ إلى رجم الهيئة العامة للحج والعمرة بقية العام !!