الصادق الرزيقي

مجرد ملاحــــــــــظة ..!


مجرد ملاحــــــــــظة ..!

طباعة البريد الإلكتروني تقييم المستخدم: / 0
التفاصيل
نشر بتاريخ الإثنين, 29 شباط/فبراير 2016 14:16
> التفت نظرنا وانتبهنا، خلال لقاءات لمسؤولين كبار، مع وفد اتحاد صحافيي عموم الصين الذي يزور البلاد حالياً بدعوة من الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، أن هناك الكثير من المعلومات محفوظة في الصدور ومخزنة في الذاكرة حول الأوضاع الراهنة في بلادنا وتطوراتها، تجد طريقها وهي منسابة ومتدفقة كما الشلال في مثل هذه اللقاءات، ويجتهد المسؤولون في صياغة إجابات شافية ومقنعة، لكن الرأي العام المحلي وكثير من السودانيين لا يطلعون عليها بدقة وإلمام. المسؤولون عندنا لديهم مقدرة جيدة على تقديم المعلومات والبيانات في اللقاءات المغلقة وحين تطمئن قلوبهم، مقابل ذلك لا يكثرون الحديث بالتفصيل والتوضيح والإقناع نفسه، من أية منصة داخلية أو حتى المؤتمرات الصحافية التي تُعقد بالداخل ..!
> هذه ملاحظة عابرة، لكن الأهم منها، أن لدينا ما نقدمة للآخرين حين يزوروننا، وقدرتنا على رسم صورة واضحة وإشباع المتلقي بتوضيحات وإيضاحات حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتنموية، ومواقفنا من الشؤون العامة والإقليمية والدولية، وربطها مع بعضها البعض، قدرة لا بأس بها تدهش الوافد وتأخذ بلباب عقله وتوفر له فرصاً للتفكير فيها والتعمق في دلالاتها ومقاصدها، لكننا في حواراتنا بالداخل وتعاملاتنا مع بعضنا البعض لا نستطيع التقدم بسهولة نحو نقاط التلاقي، ويقف الخلاف والموقف المسبق حائلاً بيننا، وربما عدم الرغبة في معرفة المزيد والاقتناع به، وطرح الكثير وإقناع الآخر به.. هو المعضلة .!
> هناك شيء لابد أن يتغير في مسار الدولة والحكم، إما أن يكون الخطاب السياسي والإعلامي غير مواكب وبعيد عن النقاط الفعالة التي تعبر عن جوهر الأشياء، أو يكون التفكير نفسه غير محيط بما يجري، عندما يتحدث كثير من الناس عن القصور الإعلامي وينتقدون الأداء الصحافي، فإنهم ينطلقون من قاعدة رمادية شوهاء، فالإعلام مرآة تعكس الواقع، وليس بمقدور الصحافيين والإعلاميين صناعة المستحيل وجلب «لبن الطير» وتحويل «الفسيخ إلي شربات». الإعلام يصور الواقع ولا يلونه، فكيفما يكون الحال يكون المقال ..!
> فلماذا نطالب دائماً الصحافة ووسائل الإعلام أن تكون كاثوليكية أكثر من البابا..؟!! فالسياسي ورجل السلطة وصانع القرار، بتقديراته وخبرته وحصافته وحنكته، هو من يصنع الحدث ويتحكم في تدفق البيانات والمعلومات، ويحدد المقادير التي تخرج بها المعلومة، غير أنه لا يستطيع إلباس الحقيقة غير عباءتها. فعلب المكياج السياسية تفشل في كثير من الأحيان حين تصبغ شعر الحقيقة أو تضع الأصباغ والألوان والميك آب على وجهها.. فللحقيقة وجه وملامح واحدة لا تتغير ولا تتلون..
> أعجبتنا الطريقة التي تناول بها من التقيناهم في الأيام الفائتة مع زملائنا الصحافيين الصينيين من كبار المسؤولين وقيادة البرلمان، فالقضايا طُرحت بصدق كامل، بلا طلاءات سياسية لكسب التعاطف أو الموقف، ليس هناك في دنيا السياسة ما هو أنفع وأنجع من التحرر الكامل من قيود المجاملة أو طلب اللمعان. فهناك الكثير الذي يمكن أن يقال في مجالات مختلفة وبشكل تجريدي ينفع الناس، خاصة عندما تتحدث إلى صديق وفي مثل دولة الصين، فليت كل هذا الكم من المعلومات حول مختلف موضوعات التنمية والتطوير والنهضة وخططها وبرامجها وعقباتها وكيفياتها وتمويلها وعثراتها والفرص المتاحة وعقابيلها وصعوباتها، تكون بين يدي الناس. فالسودان اليوم يقف عند تلة الاختيار بين أن يختار مستقبله وأصدقاءه المخلصين وصداقاته المنتجة، وبين أن ينتظر السراب اللامع الآتي من الغرب بلا فائدة، أو ينظر مترجياً السحاب الخلب البعيد..
> في الواقع المعاش، معطيات كثيرة يمكنها أن تغير المشهد العام، فلو تواضعنا على طرق جديدة وفعالة في التعامل مع الرأي العام المحلي بدلاً عن النهج التلقيني السائد في طبيعة تقديم المعلومات في الإعلام الرسمي والتصريحات المطلقة للصحف، واخترنا أسلوب تفاعلي جاذب يشعر فيه المتلقي بقيمة حقيقية لما يطرح وعليه وما يفهمه وما يسهم به، لتحول الرأي العام كله لصالح البرامج والسياسات في كل ضروب العمل التنفيذي والقضايا الوطنية.