منصور الصويم

العمود المترحل الحلوب الولود


يحكى أن عموداً صحفياً فاق الكبار والقدرو من الأعمدة الصحفية محلياً وإقليمياً وعلى مستوى العالم أجمع، وتفوق هذا العمود تأتّى من قدرته الأسطورية على الترحل والتنقل محتفظاً بذات صفاته وسماته وعلاماته الصحفية والجينية والاسمية، هذا إضافة إلى قدراته المدهشة في التفقيس واستيلاد الوليدات والبنيات من الأعمدة الصحفية الصغيرة التي تنبثق عنه وتلتحق بصحيفته المؤقتة، أو بنتها الرياضية أو الاجتماعية أو حتى تلك التي للتسالي، وفوق هذا كله لا ننسى إمكانات الإدرار والإلبان المليونية لهذا العمود المترحل الحلوب الولود، حتى صار الأيقونة الأكثر استحلاباً للمال بين كافة الأعمدة الصحفية التعيسة المنثورة بغباء على صحف ترحاله الموسمي ومجلات وجرائد تفريخه العمداني الخصب.
قال الراوي: إن العمود المترحل الحلوب الولود كان يخرج صباحاً متزاحماً مع أبنائه وبناته وأحفاده من الأعمدة الموزعة على الصحف والمجلات الدورية ونصف الشهرية والمتخصصة والحولية؛ يخرج مترافقاً معها صباحاً بجوف حقيبة (سمسونايت) في رحلة الانتشار العمداني اليومي.. تفتح الحقيبة؛ تجوس اليد العمودية داخل الحقيبة المتعومدة الصحفية؛ يمد العمود الأب رأسه؛ فتقبض اليد على الرأس وتخرجه، يتحرك الفم العمودي واليد تمد العمود الأب: (هاكم عمودكم). لكن يرد الفم الآخر الذي أمسك بالعمود الأب: (لكن يا أستاذ دا عمود جريدة الأعمدة المليارية). (بالله) يرد الفم العمودي. ثم من جديد تجوس اليد العمودية داخل الحقيبة؛ تخرج عموداً ابناً ويتحرك الفم: (هاكم عمودكم). يرد الفم الآخر: (لكن دا عمود ناس الكهرباء). (بالله) يرد الفم العمودي. ثم من جديد تجوس اليد العمودية داخل الحقيبة؛ وتخرج عمودة ابنة و:(هاكم عمودكم). و:(لكن دا عمود ناس التفقيس).. وهكذا إلى أن تمسك اليد بالعمود المرتجى ثم تتحرك الحقيبة بأعمدتها المتململة بقيادة الأب صوب ناس الكهرباء والتفقيس والتلفونات وناس جريدة الأعمدة المليارية.
قال الراوي: إن العمود المترحل الحلوب الولود، كان ينكتب في يسر وسهولة وبساطة بعد أن يحرك أعينه (له أكثر من عين، وأكثر من أذن، وأكثر من يد للكتابة، وملايين الأقلام، وملايين الــ كي بوردات وبلايين الذواكر – جمع ذاكرة عمودية – تبدأ بـ ون قيقا، وتنتهي إلى بلايين القيقات)، فبينما يخرج مئات الصحفيين الصغار (راتب العمود الحلوب يساوي رواتب جميع الصحفيين الصغار المهرولين صباحاً ومساءً)؛ يخرجون باتجاه جمع الأخبار وبحتها وفلترتها وضغطها من مظانها سواء الإنترنيتية أو الأرض واقعية أو غيرها؛ يمكث العمود المترحل الحلوب الولود، بمكانه محركاً أعينه وناصباً آذانه وضارباً على كي بورداته ومدوراً أقلامه لتنكتب في لحظة واحدة وبمداد واحد كل (مواد) عمودياته المختلفة صحافياً ومجلاتياً وغيره ـ (قيل اقتحم الفضائيات وإذاعات الإف إم) ـ ليهب في حبور قراءه المنتظرين على قلق؛ كنزهم المنتظر، قد يفاجئهم بتهيئه للرحيل غداً صوب صحيفة أخرى؛ أو قد ينبههم لعموده الرياضي الصغير، مع تذكيرهم بعموده الكهربائي المنير.. وكل هذا في حبور.
ختم الراوي قال: إذن عمود كهرباء؛ عمود تفقيس؛ عمود تلفونات؛ عمود طوالي، وعمود (…).