تحقيقات وتقارير

ترزح تحت التيه الإداري لثمانية أعوام مدينة مروي الطبية.. أضخم مشافي أفريقيا يرقد طريح الفراش


والي الولاية: لا نملك صلاحية تشغيل المستشفى وإدارته بيد إدارة الضمان الاجتماعي

معتمد مروي: استقطاب الأطباء وجذبهم للعمل في المستشفى يحتاج إلى محفزات

اتفاق ثلاثي بين الحكومة ومركز الملك سلمان بن عبد العزيز والهلال الأحمر لعلاج جرحى اليمن بالمستشفى

مروي: ناجي الكرشابي

تُصنف ضمن قائمة أفضل المشافي في القارة السمراء، ذلك أنها تحوي معدات طبية مطوّرة، ربما لا تتوافر في محيط الدور العلاجية حديثها وقديمها. لكن كل ذلك لم يشفع لها لكي تكون قبلة صحية يحج إليها المرضى..

تلك هي مدينة مروي الطبية، التي ظلت خارج دائرة العمل الفعلي المرجو لأكثر من ثمانية أعوام رغم اكتمال العمل فيها، وهو ما يرفع حاجب الدهشة، ويقتلع الدموع من المآقي، ويبعث الحسرة في الدواخل. فمدينة مروي الطبية التي تعتبر الأكثر حداثة ليس في البلاد بل في إفريقيا، لم تكن على قدر تفاؤل القاطنين بشمال البلاد ممن ذهبوا في أحلامهم بعيدًا وهم يعتقدون أن فاتورة السفر المكلفة نحو العاصمة بحثاً عن الاستشفاء، قد تم تمزيقها. لكن للأسف فقد تبخرت أحلامهم وتبددت أمانيهم، بعد أن ظل المبنى الفخيم مغلق الأبواب أمام طالبي الخدمة، ليس لوجود أخطاء هندسية فيه أو لنقص في المعدات الطبية، ولكن لسبب يبدو غريباً، ولا يحدث إلا في السودان، وهو وجود الخلافات حول تشغيله. نعم، فهناك عدة جهات تتصارع حول الأحقية بتشغيل المدينة الطبية، وقطعاً ليس من بينها جهة معارضة، بل جميعها حكومية. ما جعل المرفق الذي صرفت عليه أموال طائلة مغلق الأبواب إلا في حدود.

مستشفى خمسة نجوم

حينما تصعد إلى الكبري الذي يفصل مدينتي كريمة ومروي سترنو بناظريك لا إرادياً ناحية مساحة خضراء تتخللها مبانٍ أقل ما توصف بأنها فخمة تنتشر وسط حديقة غناء، وهي الصورة التي تزداد القاً كلما اقتربت منها، حتى إنه ليخيل إليك أنك تمضي ناحية لقصر منيف، ولكن سرعان ما تكتشف أنك أمام مستشفى أو قل مدينة طبية متكاملة لا نظير لها في ولايات البلاد.

هذا المنظر كفيل بأن يستفزك ويجعل تدلف إلى حيث ما كنت تظنه قصراً، وربما لهذا كله قررت أن أسجل زيارة إلى هناك، ولكن وبينما أنا في ذلك الحبور، تحولت البهجة إلى استفهامات حائرة، بمجرد دخولي إلى هذا الصرح العملاق. وطفقت أسأل نفسي في اندهاش سيطر على عاطفتي وتفكيري، “لماذا هذا المبنى خالِ من المرضى والأطباء ولماذا هو ساكن لا يضج بالحركة المعهودة في المرافق الصحية خاصة الكبرى..!”

واكتملت الدهشه عندي حينما ولجت داخل استراحة الأطباء المكونة من خمسة طوابق وبها مصعد كهربائي ومجهزة بكل سبل الراحة والأمان لإقامة الأطباء وأيضاً للأسف كانت خالية هي أيضاً، لتبرز الأسئلة الحائرة، وأنا أتجول داخل المستشفى الضخم، لماذا لا يوجد فيه مرضى وكوادر صحية، وظننت أن المبنى وقياساً على عدم وجود حركة بداخله أن العمل فيه قد اكتمل وفي انتظار أن يتم افتتاحه علي يد أحد قيادات الدولة.

مفاجأة صادمة

ولكن عندما سألت أحدهم عن أسباب الصمت الذي يخيم على المبنى الفخيم عرفت أن المدينة الطبية مكتملة الأركان تشييداً ومعدات منذ العام 2008م، حيث تم افتتاحها إبان الحملة الانتخابية للمؤتمر الوطني على يد الرئيس البشير، ومن خلال تقصينا عرفنا أن السبب الأساسي يتمثل في الاختلاف بين جهات حكومية اتحادية وولائية حول تشغيل المدينة الطبية. وهذا ما أشار إليه والي الشمالية المهندس علي العوض، حيث أفاد أن مدينة مروي الطبية خارج إدارة الولاية، مؤكداً أن الولاية ليست لها صلاحية في تشغيل المستشفى لأنها آلت إلى الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي.

ورغم أن الصرح الطبي الضخم كان من المفترض أن يستفيد منه مواطنو ولاية يهاجرون صوب العاصمة لتلقي العلاج إلا أن الوالي اكتفى بهذه الإجابة المقتضبة.

محاولة وبحث

حاولت (الصيحة) جاهدة بعد التجول داخل أروقة المدينة الطبية وأقسامها المختلفة أن تصل إلى معرفة الأسباب الخفية والحقيقية التي تقف وراء عدم الاستفادة من مرفق طبي يعد الأحدث بالبلاد، وحتى المعدات الطبية والأجهزة التي توجد فيها غير متوفرة بكبريات المستشفيات الخاصة بالبلاد، وهو ما يجعل المستشفى مؤهلاً لأن يوطن العلاج بالداخل، بل إنه في حال عمله يمكن أن يستقطب المرضى من دول الجوار.

وسعياً وراء معرفة الأسباب الحقيقية لعدم الاستفادة من المستشفى، حاولنا استنطاق وزير الصحة بالولاية الشمالية، لكن باءت محاولاتنا بالفشل، وبدا لنا أن قضية المستشفى ذات تقاطعات متشعبة.

قصر مشيد

تقع مدينة مروي الطبية في الولاية الشمالية وتحديداً بمحلية مروي في مساحة 100.000 متر مربع، وتشتمل على المبنى العام الذي يتكون من ثلاثة طوابق ومرفق آخر تم إعداده ليكون مركزاً لعلاج الأورام مكون من ثلاثة طوابق، وبالمدينة أيضا مبنى في غاية الفخامة يتكون من خمسة طوابق بواقع أربع شقق كبرى بكل طابق به كل سبل ومتطلبات الراحة التي يحتاجها الأطباء، بجانب مبنى خاص بالسسترات ويتكون من طابقين.

ونلاحظ أن المدينة الطبية اعتمدت نظام العمل الغربي حيث تم تشييد مبنى خاص بمرافقي المرضى وهو مجهز بصورة لائقة جداً، وبالمدينة الطبية مسجد كبير إضافة الى مبنى آخر منفصل عبارة عن كافتريا، بجانب مبانٍ أخرى تتمثل في المغسلة والمباني الخاصة بالغازات الطبية ومستودع المعدات الطبية والمشرحة والمحرقة ومحطة الصرف الصحي، إضافة إلى الوحدة الأمنية. بجانب مهبط للإسعاف الجوي وهي مجهزة بمعدات طبية متقدمة جدًا في الكشف والتشخيص بتقنية ألمانية وأمريكية.

أنظمة متقدمة

السعة الكلية للمستشفى 350 سريراً وسعة المبنى الرئيسي حوالي 250 سريراً، فيما تبلغ سعة مركز دراسة وعلاج الأورام 100 سرير، ونظام التكييف بالمدينة الطبية مركزي، وتوجد بها أنظمة متقدمة في الإنذار وإطفاء الحرائق. وللصرف الصحي محطة متكاملة لمعالجة مياه الصرف الصحي حيث تقوم بإعادة استخدامها في ري الحدائق الكبيرة المنتشرة داخل المستشفى، كما توجد أنظمة متقدمة من شبكات المعلومات وشبكة للكهرباء وعدد من المولدات في حالة انقطاع التيار الكهربائي.

وأنت داخل إلى المدينة يلفت انتباهك وجود طرق منظمة ومواقف للسيارات تسع عدداً كبيراً من السيارات، وهي منفصلة تماماً عن مواقف الإسعاف، وبالمبنى نظام استدعاء الممرضات.

تقليل وفيات الأمهات

بالطابق الأرضي للمستشفى توجد العيادات الخارجية، وهي مكونة من عيادات الباطنية والأسنان والأذن والأنف والحنجرة والعيون والجراحة والجلدية، فضلاً عن الصيدلية المركزية وقسم الطوارئ المجهز بكل المعدات الطبية، كذلك يوجد بنك للدم وهو مجهز بأجهزة طبية فائقة الدقة في كشف الأمراض التي تنتقل عبر نقل الدم مع وجود مجمع معامل مركزي يفوق في تطوره وحداثته معظم المستشفيات الكبرى في العاصمة الخرطوم، وبالطابق الأرضي قسم الولادة وغرف مجهزة لعمليات الولادة الطبيعية يمكن أن تساهم في حال عمل المشفى في تقليل نسبة وفيات الأمهات المنشرة في المنطقة، كما يوجد قسم مختص بالأشعة يشتمل على الأشعة المقطعية والموجات الصوتية والرنين المغنطيسي والأشعة العادية وتفتيت الحصاوى وجهاز كشف سرطان الثدي بتقنية فائقة الدقة ومواصفات عالمية يندر وجودها في معظم مستشفيات القارة الأفريقية كافة، فضلاً عن جهاز الأشعة التلفزيونية ونظام أرشفة الصور الألكتروني، كما يوجد بالطابق الأرضي قسم مختص بغسيل الكلى ومجهز بسبع ماكينات للغسيل وعيادة طبيب ووحدة معالجة.. وأخيراً في الطابق الأرضي غرف خاصة بتحضير المريض.

أفضل الأجهزة الطبية

حينما تصعد إلى الطابق الأول يلفت أنظارك قسم عمليات الحوادث الذي يضم غرفاً مجهزة بأفضل الأجهزة الطبية للعمليات والإنعاش والعناية المكثفة والتخدير، بالطابق الأول قسم يختص بالقسطرة القلبية ووحدة عناية مكثفة وعنابر لمرضى القلب بالطابق الأول قسم آخر للإنعاش وعمليات العيون والمخ والأعصاب وعمليات المناظير ووحدة التعقيم المركزية وعمليات العظام والقلب المفتوح وعمليات الجراحة العامة فضلاً عن غرف إقامة المرضى بالطابق الأول أيضاً قسم كبير مكتوب عليه إدارة المستشفى وفيه مكتب المدير العام ونوابه، وحينما تصعد إلى الطابق الثاني تجد مجمعاً كبيراً عبارة عن عنابر الباطنية والجراحة والأطفال والجناح الخاص الذي يضاهي الفنادق من تصنيف النجوم الخمس.

أجهزة أمريكية وألمانية

بالمدينة مبانٍ منفصلة عبارة عن مغسلة ومطبخ ومشرحة طبية مجهزة بأفضل أجهزة التشريح والمحرقة الطبية والمحطة الكبيرة للغازات الطبية. بالمدينة مبنى آخر كبير ومنفصل عبارة عن مخازن وورشة قطع غيار الأجهزة الطبية والمعدات والمستهلكات الطبية، بالمستشفى مبنى كبير ومجهز بعدد من الآليات والمعدات والأجهزة الطبية ذات تقنية ألمانية وأمريكية لدراسة وعلاج الأورام ويتكون من الطابق الأرضي وبه عيادات وصيدلية وجهاز الأشعة المقطعية وجهاز طبي يعرف بالمحاكي وغرفة الأقنعة والغرفة المحصنة التي بها جهاز المعالج الخطي وجهاز العلاج عن قرب، وبه قسم الطب النووي المكون من جهاز كاميرا رقمية دقيقة تسمي بـ(قاما) ومعمل للأشعة وآخر للهرمونات ومحطة الغاز الطبي ومولد الأوكسجين، وفي الطابق الأول يوجد قسم العلاج الكيميائي وبه غرف العلاج المعقم وعنابر العلاج الكيميائي وعنابر للعلاج باليود المشع وعنابر خاصة (درجة أولى) وعنابر للرجال، وأيضاً في الطابق الثاني توجد العنابر الخاصة وعنابر السيدات والأطفال، ومنطقة مجهزة بعدد من الألعاب للأطفال المرضى وقاعة كبيرة للمحاضرات، مستشفى بهذه المواصفات والميزات الصحية والطبية يعد إضافة حقيقية للقطاع الصحي بشقيه العلاجي والبحثي خصوصاً في مجال الأورام بالسودان ولا يوجد مستشفى في السودان يمكن أن يقارن بمستشفى مروي أو مدينة مروي الطبية بما لديه من إمكانيات وأجهزة وتقانه حديثة وميزات جغرافية تمكن المرضى من الوصول إليه من أقصى شمال البلاد إلى أقصى شرق ووسط بل كل السودان

المعتمد يوضح

معتمد محلية مروي العميد مبارك محمد شمت قال لـ(الصيحة) إن المستشفى ضخم وتكلفة تشغيله تفوق إمكانيات المحلية، معترفاً بتأخير تشغيل المستشفى والاستفادة منه طوال الفترة الماضية، غير أنه كشف عن وجود مجهودات جادة تهدف إلى تشغيل بعض أقسامه في الفترة القليلة القادمة، لافتاً إلى أن العمل في بعض الأقسام بدأ وأبرزها أقسام علاج الكلى والأورام، وقال إن أجهزة المستشفى الحديثة والمتطورة تحتم وجود عدد كبير من الكوادر المؤهلة، وأضاف أن استقطاب الأطباء وجذبهم للعمل في المنطقة يحتاج إلى محفزات تشجيعية، مؤكداً على قدرة المستشفى على جذب مرضى من مختلف ولايات البلاد وبل من خارج السودان، وكشف عن عقد اتفاق مع مركز الملك سلمان بن عبد العزيز والهلال الأحمر لاستقبال جرحى اليمن وعلاجهم بكوادر طبية سودانية، وأوضح أن المستشفى حالياً تحت إدارة الضمان الاجتماعي بقرار من رئاسة الجمهورية.

بئر معطلة وقصر مشيد

مستشفى به كل هذا الكم الهائل من المعدات والأجهزة الطبية التي توصل إليها العالم اليوم وبه كل هذه الأقسام التخصصية فضلاً عن وجود قاعة دراسية مهيأة ومؤهلة ليصبح مستشفى تعليمياً بامتياز وبه أحدث وسائل الاتصال والانترنت مما يتيح إمكانية أن تجرى العمليات وتبث عبر الانترنت وبه مركز للتعليم عن بعد بالجامعات السودانية والعالمية، ومربط الفرس هنا لماذا مستشفى بهذه المميزات لا يعمل على الرغم من أن افتتاحه تزامن مع انتخابات أبريل 2010م.

الصيحة


تعليق واحد