تحقيقات وتقارير

عقار ورفاقه يوقّعون في دفتر المباركة تحالف الـ(41) حزباً.. من يحصد (الترحيب) عليه أن يُغيِّر (المستقبل)


غازي صلاح الدين: أدعو الجميع للاصطفاف حول رسالة واحدة لقول كلمة

سواء ناصعة في سبيل حل مشكلات السودان

عثمان ميرغني: أي عاقل ينبغي أن يرحب بقوى المستقبل وأدعو قوى الإجماع الوطني للانضمام إليه

فرح عقار: قضيتنا المركزية وقف الحرب ولا نطلب من الجبهة الثورية التخلي عن قناعاتها

“”””””””””””””””””””

(في السودان لا يمكن التنبؤ بحالة الطقس وبالحالة السياسية).. هذه العبارة تصلح لافتة للترحيب الذي قابلت به الجبهة الثورية – جناح مالك، قيام تحالف “قوى المستقبل للتغيير”، وذلك في أثار رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق إبراهيم الشيخ الذي ضغط على علامة (الإعجاب) بالتحالف يوم تخلقه.

وبناء على هذا الحراك، برزت دعوات لاهتبال هذا الموقف وتوسعة المظلة المعارضة لتسع نقائض ما كان يظن أن تجتمع سابقاً وإن دخل الجمل في سم الخياط.

في المقابل لا تزال مواقف التحالف المعارض الأشهر “تحالف قوى الإجماع الوطني” تشكك في التحالف الجديد وبعضهم يراه محاولة معتادة لخلق نزاع حول مركز المعارضة الذي يشغله بامتياز فاروق أبو عيسى ورفاقه، ومن ثم شغل الساحة بتقسيمات إسلامي وعلماني بما يصب في مصلحة حزب المؤتمر الوطني الذي ينتوي بحسب قياداته البقاء لخمسين عاماً.

بدايات

على ما يبدو أن حديث رئيس حركة الإصلاح الآن، د. غازي صلاح الدين، في ندوة بورتسودان قبل أسبوعين تقريباً مثّل النواة لقيام منصة “قوى المستقبل للتغيير”.

وإن تجاوزنا قليلاً سنذهب إلى القول إن الحراك الذي شهدته حركة غازي شكل مرتكزاً مهماً لتخلق التحالف وذلك إثر حركة ماكوكية ضمت جل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وظلت دار الحركة تعج بالحركة كخلية نحل لا تهدأ، وذلك لحين إعلان قيام المنصة الجديدة.

سنعود بالزمن إلى لحظة المخاض، لمعرفة ما قاله د. غازي في ندوة بورتسودان، وسنعرف كيف تقبلت القوى السياسية هذا الكيان الجديد، كذلك سننظر بمنظار المحللين لمستقبل هذا التحالف.

أول الغيث قطرة

عندما خاطب رئيس حركة الإصلاح الآن د. غازي صلاح الدين القوى السياسة في ندوة جماهيرية بحاضرة ولاية البحر الأحمر، قال إن الواجب الأول والأولى يتمثل في الاصطفاف والتنظيم داعياً الاتحادات والنقابات والطلاب والشباب ومنظمات المجتمع المدني لطرد الوهن والاصطفاف حول رسالة وقضية واحدة لقول كلمة سواء ناصعة ناجعة في سبيل حل مشكلات السودان، وذلك بحسبان أن الاصطفاف والتكوين والتشكيل عناصر قوة لأية حركة سياسية.

ويمكن القول إن ذلك الحديث صار نقطة البداية لتدشين مركز جديد للمعارضة باسم “قوى المستقبل للتغيير”، لذلك لم يكن غريباً أن ترحب الجبهة الثورية في بيان وجد حظاً وشهرة بقيام “قوى المستقبل للتغيير” حيث ذكرت في بيانها أن العائق الأكبر في إزالة النظام هو غياب الوحدة بين مكونات المعارضة السودانية المسلحة وغير المسلحة مما يعني أن أية تحرك نحو الوحدة ولو بصورة جزئية هو تحرك نحو الخطوة الصحيحة.

يقول رئيس تحرير صحيفة “التيار” الموقوفة عثمان ميرغني إن خطوة قوى المستقبل هي خطوة مطلوبة في كل الأحوال، مؤكداً أن كل عاقل ينبغي عليه مباركة الاصطفاف الجديد.

بيد أن ميرغني عاد ووضع تساؤلات مهمة فقال لـ “الصيحة”: من يصطف حول من؟ وهل هذا الاصطفاف مجرد أحزاب ولافتات أم هو اصطفاف الشعب السوداني خلف برنامج وقضية؟

ومن ثم ولج ميرغني إلى القول إن اصطفاف “قوى المستقبل للتغيير” هو اصطفاف أحزاب، مشيراً إلى أنه أمر مطلوب خاصة وأنهم يلتقون على البرامج الوطنية أو عند الحد الأدنى كما يقال للمصالح الوطنية. ويعتقد ميرغني أنه من الضروري أن يصطف الشعب أيضاً خلف “قوى المستقبل للتغيير” مشدداً على وجود قضية لأن الشعب لا يصطف خلف لافتات بل خلف قضية مركزية واضحة، خاتماً بالتساؤل الذي يدور في أذهان كثيرين جداً: ما هي القضية التي تصطف حولها “قوى المستقبل للتغيير”؟!

إنهاء الأزمة

(اصطفافنا هو اصطفاف برنامج وليس اصطفاف أحزاب، وقضيتنا المركزية هي إيقاف الحرب وإنهاء الأزمة السودانية)، العبارة السابقة هي رد فرح عقار الأمين العام لـ(قوت) أحد أعضاء مثلث قوى المستقبل على أسئلة عثمان ميرغني – كما قال للصيحة – وبرهن فرح على قوله هذا بأن منصة قوى التغيير لا تقوم على الأحزاب فقط بل تشمل منظمات وتنظيمات متعددة، مؤكداً أن القضية المركزية في المقام الأول هي إنهاء الحرب وإنهاء الأزمة السودانية المتمثلة في كيف يحكم السودان.

يقول العقار إن الوصول إلى هذا الأمر يأتي عبر وسيلة الحوار الوطني الحر الشفاف الذي يخاطب جذور الأزمة ويحلها. مضيفاً: هذه هي القضية المركزية فإذا تعذر الوصول إلى حوار وطني حر شفاف فليس هناك سبيل سوى أن يتحمل الجميع مسؤولياته.

بالتالي يكون فرح عقار قد ذهب إلى ذات ما دعا إليه غازي صلاح الدين الذي قال في ندوة بورتسودان الجماهيرية إنه آن الأوان للجميع سياسيين ومفكرين بأن نقول بملء الفم إنه على الحرب أن تتوقف، مشيراً إلى أن الحرب في حال استمراراها فكل مشكلات البلاد لن تحل. مؤكدًا أن وقف الحرب سيحسن صورة السودان لدى المجتمع الدولي بل وصورة السودان لدى السودانيين أنفسهم.

ترحيب.. لكن

من جانبها رحبت الجبهة الثورية جناح مالك عقار بكل جهود توحيد قوى المعارضة والتغيير، ولكنها إلى جانب ترحيبها بدت متشككة في نوايا قوى التغيير، وقالت إن ترحيبهم يأتي بكل جهد صادق للحوار المتكافئ والمنتج بين فرقاء الأزمة السودانية جميعاً. وأشار البيان إلى عدم ممانعة الثورية من العمل مع الراغبين في الإصلاح والتغيير المحدود دون خداع أنفسهم أو خداع الآخرين – كما ذكر البيان الذي وصل الصيحة – حول طبيعة هذه المعركة أو تلك التي يتطلبها سقف الإصلاح والتغيير المحدود. وقالت إنهم سيعملون مع الراغبين في إسقاط النظام على أساس برنامج واضح، ومع الراغبين في الحوار المتكافئ المنتج في حدود ما هو مطروح بينهم، شريطة عدم الخلط بين التحالفين أو تسويق أي منهما بشكل يؤدي للخلط بينهما واختلاف برنامج كل منهما عن الآخر.

بيد أن فرح عقار يرد على هذه النقطة بقوله إن كل شخص لديه برنامج وزاوية ينظر منها وزاد: نحن نلتقي حول مشتركات وطنية هي كيف يحكم السودان، كيف توقف الحرب. وقطع بترحبيهم بأي مستوى من مستويات التفاهم بينهم وبين الجبهة الثورية.

فرز

بيان الجبهة الثورية جناح عقار صنف قوى قيادات المستقبل بين مطالبين بإسقاط النظام وبين من يسعون لحوار معه، وعن ذلك يقول فرح عقار مستشار الحركة الشعبية التي يرأسها مالك عقار بأن الله وحده هو عالم أسرار وخبايا النفوس.

بخصوص خلط التحالفين أو تسويق أي منهما بشكل يؤدي للخلط بينهما واختلاف، يؤكد العقار أن الأمر ليس اندماجاً بالمعنى المتعارف عليه، موضحاً أنهم في قوى المستقبل لا يطالبون الجبهة الثورية بأن تتخلى عن قناعاتها، مشيراً إلى أنهم من الممكن أن ينسقوا معهم في ملفات الحوار الوطني الشفاف وبرنامج السودان الذي يسع الجميع.

خارطة التحالفات

ربما مثلت قوى المستقبل قبلة جديدة لكل من الأحزاب التي تنضوي تحت تحالفات نداء السودان وقوى الإجماع الوطني بل والجبهة الثورية بجناحيها خاصة والخلافات التي تمور في قوى الإجماع الوطني الذي وصفه رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق، إبراهيم الشيخ، بأنه صنم صار يعبد لذاته بدلاً من تقديس أهدافه.

بدوره، هاجم رئيس المؤتمر السوداني عمر الدقير في وقت سابق أحزاب المعارضة وخاصة تلك المنضوية تحت لواء الإجماع الوطني الأمر الذي أثار حفيظة قبيلة اليسار، فضجت مواقع التواصل الاجتماعي باتهامات للدقير بأنه (غواصة) وأنه (طابور) .. الخ.

من ناحية ثانية، أثرت صراعات مالك عقار وجبريل إبراهيم على تحالف نداء السودان. وأكدت الجبهة الثورية جناح عقار في بيانها الأخير على صعوبة الأوضاع داخل النداء، وقال إن قوى نداء السودان تعاني من مصاعب حقيقية لا يجوز غض الطرف عنها أو المجاملة فيها وأظهرت بعض قواها سلبية واضحة في تطوير هذا التحالف من ناحية البرامج والهياكل مما سبب إحباطاً لأطراف مهمة داخل هذا التحالف.

كسب الثقة

بالعودة إلى المستقبل وتحالفه، يرى مراقبون أن غازي صلاح الدين هو صاحب القدح المعلى في كسب ثقة المعارضة، كيف لا وقد قال عنه إبراهيم الشيخ أنه أفضل من عراب الإسلاميين د. حسن الترابي.

إضافة إلى أن غازي وقع اتفاقية أديس أبابا في سبتمبر من العام 2014. عن ذلك يقول د. غازي: وقعنا اتفاق أديس أبابا في 5 سبتمبر 2014 لأن السلام يأتي بإرادة الناس، ولقد ذهبت وأحمد سعد عمر إلى أديس أبابا وعند الساعة العاشرة مساء كنا على مائدة التفاوض وعند الساعة 8 صباحاً وقعنا اتفاق أديس أبابا. وزاد: عندما تملك الإرادة تستطيع أن تحقق إنجازًا لا سيما أن علمنا أن البدائل كانت خيارين أحلاهما مر: الحرب والحرب لا تحقق انتصارًا لأحد، والخروج إلى الشارع لأنه حق أصيل في الدستور.

وعلى ما يبدو أن حديث غازي وجلوسه مع المعارضة المسلحة في أديس قد أكسبه ثقة الحركات المسلحة، لذلك قالت الجبهة الثورية في بيانها إن الصلة بينهم وبين الإسلاميين الراغبين في التغيير تزداد كلما اقتربوا من القبول بدولة المواطنة بلا تمييز والتحول الديمقراطي الحقيقي وإنهاء دولة التمكين لمصلحة دولة الوطن، وتقول الثورية إنها تدرك الفروق بين حركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل ومختلف تيارات الإسلاميين، ونراعي هذه الفروق في تعاملنا السياسي معهم.

إسلامي وعلماني

ذهب بيان الجبهة الثورية إلى أبعد مما ذهب إليه كل من حركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل بقوله إن الساعين لإقامة تحالفات على شاكلة أهل القبلة وجبهة الدستور الإسلامي والفجر الإسلامي سبق وضمت بعضهم اجتماعات سابقة مع المعارضة. وأكدت الثورية على أنها مستعدة للالتقاء بهم في الحوار الوطني للبحث عن مستقبل مشترك للبلاد وعن كيف يحكم السودان.

وفي أعقاب بيان الثورية، خرج رئيس تيار الأمة الواحدة د. محمد علي الجزولي، وقال: إن كان هذا رأي الجبهة الثورية في الإسلاميين فنحن على استعداد أن نجلس إليهم ونتحاور حول قضية كيف يحكم السودان خاصة وأن بيان الجبهة ذكر أنه ينبغي أن نترك الحديث عن أن هذا إسلامي وهذا علماني وأن نتجه لقضايا الوطن، وربما كان هذا هو أس التشكيك لدى بعض الأحزاب المنضوية تحت قوى الإجماع الوطني.

حينها تساءل الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي “الأصل”، عضو هيئة القيادة بتحالف قوى الإجماع الوطني، محمد ضياء الدين عن مغزى الإعلان عن التحالف؟

يرد عليه عثمان ميرغني بالقول إن المشكلة الأساسية تكمن في وضع قوى الإجماع الوطني في مقابل قوى المستقبل، حيث يوجد إحساس لدى البعض أن هناك صفين أحدهما يساري في مواجهة صف يميني بمعنى أن المعارضة تنقسم إلى شقين وتحاول الاصطفاف في خندقين متقابلين. ويصف ميرغني هذا الأمر بالمشكلة مشدداً على أنه لابد من تجاوز هذه المعضلة بالتقاء الطرفين في مكان واحد وفي نقطة وسط لأنه إذا لم يحدث ذلك فستظل المعارضة على ضعفها، داعياً قوى الإجماع الوطني إلى الانضمام لقوى المستقبل لأنه يعتقد أن الأخيرين يحظون بقبول في الشارع كما أن السيرة الذاتية لقوى الإجماع الوطني الآن تؤهلهم بأن ينطلقوا إلى مرحلة جديدة والانضمام لتحالف أكبر.

ما بعد الترحيب

كذلك ذكر بيان الثورية بأنهم يرحبون بقوى المستقبل وأعربوا عن استعدادهم للتنسيق معهم في قضايا الحوار المتكافئ المنتج وأعلنوا أنهم لن يعملوا مع قوى المستقبل بتركيبتهم الحالية في قضية إسقاط النظام لأنها تركيبة تضم بعض المجموعات التي لا يمكن الوثوق بها في تحالف من أجل إسقاط النظام.. لكن من يدري فقد يتغير ذلك كله في لحظة، ولنأخذ بيان الثورية برهاناً ودليلاً.

الصيحة


تعليق واحد